من أجل إنقاذ السودان

لا تزال معاناة الشعب السوداني مستمرة جراء الكارثة التي نجمت عن الفيضانات والسيول الجارفة وغير المسبوقة التي شهدتها البلاد منذ أيام، وواصلت الأمم المتحدة تحذيرها من تدهور الأوضاع في الأيام المقبلة، وهو ما يهدد بتفاقم المأساة الإنسانية والصحية والاجتماعية في البلد المنهك أصلا بالأزمات والنزاعات والاستبداد، علاوة على ظروف كورونا القاسية.
لقد تسببت السيول التي ضربت البلاد في مقتل أزيد من114 شخصا، فضلا عن أعداد كبيرة من المصابين، كما تسببت في انهيار كلي لما يزيد عن 33 ألف منزل، وانهيار جزئي لأكثر من 50 ألف منزل وعدد من البنايات والمرافق والمتاجر والمخازن، ونفوق آلاف رؤوس الماشية، ووصل عدد الضحايا إلى أزيد من نصف مليون مواطن في 17 ولاية بمختلف جهات البلاد، وشملت الخسائر الأرواح والممتلكات والبنيات التحتية والمرافق العامة.
وقد أبرزت الصور والفيديوهات التي جرى تعميمها وتناقلها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وما حملته وسائل الإعلام، المشاهد الأليمة للمأساة السودانية التي تسائل اليوم ضمير العالم برمته.
من المؤكد أن هذا البلد الإفريقي والعربي العريق يعاني شعبه من ممارسات نظامه السياسي وحكامه طيلة عقود، وتسببت الديكتاتورية في انتشار التوتر والفقر والحاجة، وأيضا غياب الديمقراطية وانعدام الاستقرار، كما أن النظام الحاكم، وسابقه، يتحملان مسؤولية تجنيب البلاد تداعيات الكوارث والفيضانات، وتقوية البنيات التحتية، والاستثمار في التنمية.
ورغم أن فيضانات هذه المرة كانت غير مسبوقة، لكن البلاد عانت في نهاية الثمانينات أيضا من سيول نجمت عنها خسائر، وخلفت ضحايا، ومن دون أن يحث ذلك السلطات على تمتين التدابير والتجهيزات الوقائية والاحترازية.
يعني ما سبق، ثبوت مسؤولية حقيقية ومركزية للنظام السوداني وللأطراف التي تعاقبت على السلطة في العقود الأخيرة.
وفِي كل الأحوال، اليوم يعيش العالم كله ظرفية صعبة، وتعاني الدول والشعوب من محنة صحية ومجتمعية واقتصادية قاسية، وعندما تضاف الكوارث الطبيعية إلى كامل هذه المعاناة، وخصوصا بالنسبة لدولة فقيرة ومنهكة أمنيًا واقتصاديا وسياسيا ومجتمعيا، فإن المأساة تشتد خطورتها، ويصير التضامن الإقليمي والدولي واجبا على العالم برمته، وضمن مسؤولية المجتمع الدولي ومنظماته ذات الصِّلة.
نحن إذن أمام مأساة إنسانية خطيرة، وأمامنا بلد يغرق وشعب تلفه المعاناة والكوارث والقيود، ولذلك هو يستحق اليوم الوقوف إلى جانبه عاجلا، وبشكل قوي، من أجل إنقاذ السودان والسودانيين، ومن أجل تأمين الغذاء والسكن والسلامة الصحية ومواجهة الأمراض والأوبئة، وأيضا فك الحصار عن الناس، وتمكين الشعب من الانعتاق والحرية والإحساس بالأمان والاستقرار.
لقد نقلت الأخبار في الأيام الأخيرة صور وحكايات انخراط السودانيين، وخصوصا الشباب، في إغاثة بعضهم البعض، وتقديم كل ما يستطيعون من مساعدة ودعم للمتضررين وأسر الضحايا والمنكوبين، وكل هذا يبرز قوة إرادة الشعب السوداني، وامتلاكه القيم النضالية والتطوعية لخدمة بلده وشعبه، وهي رسالة بليغة وجهها شباب السودان إلى النخب الحاكمة، ودعوة لنبذ النزاعات والاقتتال، وبدل ذلك استثمار طاقات الشعب لتعزيز التعبئة الوطنية الداخلية، وتمتين الوحدة من أجل مواجهة تحديات الاستقرار والأمن والتنمية.
وفِي انتظار أن يعم الاستقرار والوحدة السودان، على المجتمع الدولي اليوم الانخراط بسرعة في مبادرات عالمية وإقليمية لمساندة هذا البلد وإغاثة شعبه، حتى لا تتفاقم المأساة أكثر، ولكي لا تفضي المعاناة إلى الانفلات والانهيار.
سلاما للسودان ولأهل السودان.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top