من أجل القراءة 

أعلن الاتحاد المهني لناشري المغرب عزمه إطلاق مبادرة: “القراءة، فعل مقاومة”، وذلك بغاية التحفيز على قراءة الكتاب واقتنائه، وأيضا جعل هذا الحدث الثقافي مناسبة لتمتين فعل مجتمعي تضامني من أجل إنقاذ الكتاب وصناعة النشر والطباعة ببلادنا.
من المؤكد أن صناعة الكتاب كانت تعاني أصلا قبل زمن الجائحة، والجميع يقر بتدني القراءة والإقبال على الكتاب وسط شعبنا للعديد من الأسباب، ولكن تفشي الوباء وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية والسلوكية زاد من حدة التراجع.
لقد جرى خلال الشهور الأخيرة إلغاء عدد من معارض الكتاب، كما حذفت الأنشطة الثقافية وأغلقت المراكز والقاعات الثقافية، ووقع تقييد لحركية التنقل والسفر، وأغلقت المدارس والجامعات لشهور، وكل هذا حد من الإقبال على اقتناء الكتب، وجعل كامل السلسلة ذات الصِّلة تعاني من احتباس وشلل.
ليست المناسبة هنا لتحليل أسباب ضعف القراءة وسط شعبنا وشبابنا، ولكن لا بد من التذكير بتدني مستويات التعليم طيلة سنوات عديدة، وتغير عادات القراءة أو، على الأصح، افتقارنا لهذه العادات أصلا في حالتنا الوطنية، ومن ثم، فالتحدي المطروح أمام بلادنا اليوم هو تطوير إقبال شعبنا وشبابنا على القراءة وصداقة الكتاب، والمساهمة، عبر ذلك، في تنمية الوعي العام وتطوير المعارف.
إن ملايين التلاميذ والطلبة، عشرات الآلاف من المدرسين في مختلف أسلاك التعليم، آلاف الموظفين في الإدارات ومستخدمي القطاع الخصوصي وأصحاب المهن الحرة ونخب المهن المالية والاقتصادية والتكنولوجية الجديدة.. هؤلاء جميعهم، وآخرون أيضا، يمكن أن يشكلوا فئات مستهدفة بالعمل التعبوي والتحسيسي للتحفيز على القراءة.
وبقدر ما يطلب من الناشرين وأصحاب المطابع الخروج من حسابات الربح المبالغ فيه على حساب المؤلفين والقراء معا، وتغيير آليات تعاملهم، فإنهم، في نفس الوقت، يستحقون المساندة لتجاوز معضلات سوء التوزيع وضعف التسويق، وأيضا حل المشكلات ذات الصِّلة بالشحن والجمارك والنقل الجوي والطرقي والمنظومة الجبائية، علاوة على ما تطرحه تحديات استيراد الورق وتجهيزات الطباعة من الخارج، وكذلك تبعات إغلاق عدد من المكتبات ونقاط البيع بمختلف الجهات والأقاليم…
هذه العملية التحسيسية التي يعتزم إطلاقها اتحاد الناشرين تعتبر مناسبة لخلق رواج تجاري للكتاب، وذلك عبر تقديم تخفيضات أساسية للمقتنين وتوفير الكمية والنوعية المطلوبتين، وتنفيذ خطة ترويجية وتواصلية جاذبة.
من جهة أخرى، من المهم أن تقدم وزارة التربية الوطنية وقطاعات حكومية أخرى على اقتناء كميات من الكتب لفائدة المكتبات المدرسية، ومن أجل أن توزع على الجمعيات عبر ربوع المملكة، ولتجهيز المكتبات العامة والمراكز الثقافية المحلية ودور الطالبات والمؤسسات الخيرية والسجنية وسواها…
لقد كشف زمن كورونا عن حاجتنا لانخراط الكتاب والمفكرين والمبدعين في معركة توعية شعبنا وتثقيفه وتوعيته، وأيضا عن أهمية تدخل هذه النخب الثقافية والفكرية وانخراطها في مختلف الحوارات العمومية والتفاعل مع أسئلة وانشغالات مجتمعنا، ولتحقيق كل ذلك، يجب أولا صيانة المكانة الاعتبارية لهؤلاء، ثم على الأقل الحرص على توفير مؤلفاتهم وإيصالها إلى الناس وتيسير الولوج إليها وقراءتها والترويج لها.
هذا درس جوهري علينا استيعابه، اليوم، من ضمن دروس كورونا، وأن ندرك أنه في زمن المصاعب والمخاطر  المتفاقمة حوالينا، يجب أن نمسك أيضا بالثقافة والفنون والصحافة، لأنها دعامات تنمية المعارف والوعي، ومن أهم أسس ومرتكزات تحقيق الاستقرار وتطوير الديمقراطية.

< محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

الوسوم , ,

Related posts

Top