من الانتخابات الأمريكية..

بعد أن بقي العالم مشدودا ومتابعا، طيلة أيام، لتفاصيل السباق الانتخابي الأمريكي بين دونالد ترامب وجو بايدن، أعلن أخيرا عن فوز المرشح الديمقراطي، وذلك رغم استمرار بعض التشويق جراء تعنت الرئيس المنتهية ولايته ورفضه الإقرار بالهزيمة وتهنئة منافسه على الفوز.
وبالرغم من توفر معطيات بشأن مواقف جو بايدن وتوجهاته، سواء في القضايا الداخلية الأمريكية أو على صعيد السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، فإنه من السابق لأوانه، مع ذلك، التأكيد على خطط ومحددات السياسة الخارجية لواشنطن في المرحلة الجديدة، ذلك أن الإدارة الأمريكية، بغض النظر عن هوية المقيم في البيت الأبيض، لها ثوابت تنتصر أولا لمصالحها، علاوة على تدخل أجهزة مختلفة في صنع مواقف واشنطن وسياستها الخارجية، ومن ثم، وجب انتظار استكمال تركيبة الأطقم الجديدة التي سترافق جو بايدن ونائبته كامالا هاريس طيلة الولاية الرئاسية، وأيضا ما سيعلن عنه بايدن رسميا كمواقف وقرارات وخطط للمستقبل.
وفِي انتظار ذلك، من المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية بصدد استهلال مرحلة جديدة لن تشبه تماما زمن ترامب، ولا شك، كذلك، أن العالم والعلاقات الدولية سيشهدان بعض الهدوء وإعادة ترتيب بعض الصلات والمعادلات العالمية والإقليمية، وذلك على عكس ما ميز ولاية ترامب من توتر وخلافات وتشنجات.
وضمن كل هذا، يهمنا نحن في المغرب أن نصنع لبلادنا موقعا مناسبا لها ويحفظ مصالحها الوطنية والإستراتيجية، وهو ما يجب أن تكثف ديبلوماسيتنا الرسمية عملها عليه بكثير من الوعي والذكاء.
وفِي انتظار معرفة اتجاهات ومرتكزات السياسة الخارجية التي سينتصر لها الرئيس الأمريكي الجديد، وما سيطرحه ذلك على بلادنا من مهمات وتحديات، لا بد أيضا أن نتمعن في بعض دروس أساسية أتاحتها لنا الانتخابات الأمريكية الأخيرة.
يتعلق الأمر أولا بكثافة المشاركة الشعبية في التصويت والإقبال على الاقتراع، ذلك أن الأمريكيين الذين أرادوا التغيير والتخلص من ترامب، عبروا عن ذلك بانخراطهم الواسع في العملية الانتخابية، وجعلوا أصواتهم أداة ديمقراطية لتحقيق هدف التغيير.
الدرس هنا، أنه لا يمكن أن نطالب بالتغيير ونبقى جالسين في بيوتنا أو ننتقد من وراء حواسيبنا، وإنما نحرص على تسجيل أسمائنا في اللوائح الانتخابية، ونذهب إلى التصويت، ونعبر عن رأينا بوعي واستقلالية.
رغم تعقد النظام الانتخابي الأمريكي، لم يتخلف الناخبون عن الإدلاء بأصواتهم، بل تمسكوا بها ودافعوا عن الاختيار.
والمثير للانتباه أن الإقبال المكثف عن التصويت والمشاركة في الانتخابات حدثا في فترة يلفها وباء كورونا وخطر المحنة الصحية القاسية التي تجتاح العالم.
درس آخر لا تقل أهميته عن درس المشاركة الشعبية، منحته لنا الانتخابات الأمريكية، ويتعلق بدور الإعلام في العملية الانتخابية، وبشكل عام في إنجاح التطور الديمقراطي.
لقد برز  الإعلام بحضوره المكثف ومتابعته الدقيقة والتفصيلية لمختلف مجريات الاستحقاق الانتخابي، وأيضا من حيث استثماره للتقنيات التكنولوجية عالية التطور والدقة، وارتكازه لتكنولوجيا البيانات، ولقوة المعرفة السياسية والمهنية، وبرز كذلك من حيث الحرص على الاستقلالية والانتصار لحق الجمهور في معرفة الحقيقة.
ولاحظنا، في السياق نفسه أيضا، كيف كانت أنظار الناس في كل العالم، بما في ذلك عندنا هنا بالمغرب، معلقة بما تنقله القنوات الفضائية والصحافة حول الانتخابات الأمريكية، وصار الكثيرون يفهمون في تقنيات النظام الانتخابي الأمريكي، ويعرفون المرشحين المتنافسين، ويدركون الاختلاف بين الدوائر والولايات….
وكل هذا يدفع للتفكير في أهمية الإعلام ككل في تعزيز الممارسة الديمقراطية وترسيخ الوعي وسط الشعب وتمتين التربية على الديمقراطية، وبالتالي تحصين بناء المجتمع واستقراره وديمقراطيته.
في انتظار معرفة تفاصيل سياسة بايدن وقراراته الأولى، يجدر إذن تسجيل درس المشاركة الشعبية ودرس حضور الإعلام المهني والقوي بالخبرة المهنية والتأطير الأخلاقي والمعرفة السياسية والمتانة التكنولوجية والاستثمارية والمالية.
هما درسان مركزيان وجوهريان صالحان لنا نحن أيضا، هنا والآن، بحسب مستوى حاجياتنا وأهدافنا كمجتمع…
لنتمعن ونستفيد من تجارب الدول والشعوب.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top