من المستفيد من الإساءة إلى الأغنية المغربية؟

شهدت الأغنية المغربية العصرية تحولات على عدة مستويات خلال العقد الأخير بصفة خاصة، وظهر جيل جديد من الفنانين الذين سعوا إلى تطوير أغنيتنا وجعلها مسايرة للعصر، سواء من حيث القاموس اللغوي أو المضمون أو اللحن أو حتى الأداء.
هذا التحول الذي طرأ على الأغنية المغربية، لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة عدة عوامل تضافرت لتجعل القالب الغنائي المغربي يظهر على صورته الجديدة.

***
لقد ساهم التطور الذي لحق بمختلف عناصر هذا الإبداع الفني في خلق جمهور جديد، يمكن القول إنه لم يعد يتجاوب سوى مع ألوان غنائية بعينها، ووضع قطيعة بينه وبين الإنتاجات الغنائية السابقة، معتبرا إياها متجاوزة أو لا تتماشى مع روح العصر وقضاياه وهمومه الجديدة.
وهو ما حدا ببعض الفنانين الجدد إلى الاشتغال على الأغاني القديمة، ومحاولة عرضها بتوزيع جديد، قصد إحياءها وتحبيب الجيل الجديد لها.
هل يتعلق الأمر بإحياء؟
الواقع أن روائع الغناء المغربي التي أبدعها فنانونا الرواد، لم تكن تحتاج إلى المس بها، بقدر ما كانت في حاجة إلى من يعيد إذاعتها والإصغاء إليها، وجعل الأجيال الجديدة من المتلقين تستأنس بها.
لقد رأينا كيف تم الاشتغال على أغاني الحسين السلاوي، وتقديمها في قالب فني مغاير، لا أدري إن كان ذلك عن حسن نية أم لا، لكن هذا الاشتغال لم يخدم الأغنية المغربية ولم يضف إليها أي شيء، بقدر ما أنه عبث بعمل فني يعد – يا للحسرة- من تراثنا الغنائي الشعبي.
الاشتغال على المنوال نفسه، تم مع العديد من الإنتاجات المغربية الرائدة، وما يؤسف له أن بعض المحطات الإذاعية الخاصة، بصفة أساسية، باتت تقدم تلك الأغاني بتوزيعها الجديد وبأصوات جديدة، وتم حجب الأعمال الأصلية وربما إتلافها.
اللافت للانتباه أن بعض الفنانين الذين يعدون من الأجيال السابقة، عادوا إلى أغانيهم القديمة وسعوا إلى تقديمها بتوزيع جديد، وبأصواتهم التي أنهكها الزمن، وحين عقد مقارنة بينها، لا نملك إلا التأسف على ذلك؛ فعوض أن ينتجوا أعمالا جديدة، عادوا إلى أعمالهم القديمة ومارسوا عليها القسوة.
العمل الأصيل يظل أصيلا، وليس في حاجة إلى إعمال اليد فيه؛ فذلك لن يشكل سوى إساءة له.
الأدهى من ذلك أن بعض المستشهرين صاروا يستغلون الأعمال الغنائية الخالدة، ويوظفونها في إعلاناتهم التلفزية والإذاعية بمشاركة أصحابها، وهو ما يدعو إلى التساؤل باستنكار: كيف سمح هؤلاء لأنفسهم بأن يبخسوا أعمالهم مقابل تعويض مادي زائل، سيما أن بعضهم في غنى عن هذا التعويض.
مجموعة كبيرة من الفنانين المغاربة، وظفوا انتاجاتهم الغنائية في وصلات إشهارية: نعيمة سميح في أغنية “الخاتم”، عمر السيد في أغنية “الصينية”، سعد المجرد في “أنت”، زينة الداودية في “اعطني صاكي”، تكدة في إحدى أغانيهم أيضا.. إلى غير ذلك.
لا نلوم المستشهرين، علما بأنهم تجار، هدفهم هو ترويج سلعتهم بأي وسيلة كانت، سواء من خلال القيام بتحوير إنتاجات غنائية شهيرة، أو استغلال شهرة فنان ما، إلى غير ذلك من الوسائل، لكن من واجب هؤلاء الفنانين أن يحصنوا إنتاجاتهم، وأن يتحلوا بقليل من العفة، صحيح أن بعضهم يشكو من قلة ذات اليد، وقد يرى الدعوة إلى تنشيط وصلة إشهارية، ضربة حظ، لا ينبغي عليه أن يضيعها، وكما يقال: كاد الفقر أن يكون كفرا.
غير أنه من واجب الأطراف المعنية بالدفاع عن الأغنية المغربية، مواجهة كل الأشكال التي ترمي إلى الإساءة إلى أغنيتنا، سواء من طرف أصحابها أو من طرف الغير.
بعض الفنانين صاروا ينتجون أعمالهم وهم يفكرون- من بين ما يفكرون فيه- أن يتم توظيف منتوجاتهم تلك، في وصلة إشهارية لإحدى الشركات الكبرى.
لقد رأينا كيف أن أغاني مغربية حققت أرباحا مادية كبيرة في ظرف زمني قياسي جدا، حيث تلقى أصحابها دعوات لتنشيط حفلات غنائية داخل الوطن وخارجه، وبلغت نسبة مرتفعة جدا من المتابعة عبر شبكة الأنترنت، وتم توظيفها في وصلات إشهارية.. إلى غير ذلك، ومثلما تحقق ذلك في وقت وجيز جدا، كان العمر الافتراضي لتلك الإنتاجات في حد ذاتها قصير جدا.

***
الأغنية المغربية تواجه الإساءة على أكثر من صعيد، ومع ذلك نتساءل من أين تأتي أزمة الإبداع. الفنانون بحاجة إلى القيام بوقفة تأمل في مسارهم الإبداعي، وتغليب هاجس الإبداع على سواه من الأمور الزائلة.

بقلم: عبد العالي بركات

Related posts

Top