من مسار نوال المتوكل

الحلقة التاسعة

 تعد نوال المتوكل واحدة من النماذج الناجحة للرياضيات اللواتي تمكن من المحافظة على مسار ناجح بعد نهاية المشوار الرياضي، مقدمة نموذجا للتحول الإيجابي للإنسان الرياضي.
   فقد جعلت نوال من الاعتزال بداية لا نهاية، ومرحلة لإعادة بناء شخصية الرياضي، من ممارسة لا تعرف إلا المضمار أو القاعة والملعب، إلى إطار من مستوى عال تساهم في التدبير والتسيير على أعلى مستوى.
  نموذج فريد وغير قابل للتكرار في سماء البطلات المغربيات، فهي بطلة أولمبية في ألعاب القوى، تجاوزت كل الحواجز، لتبرز كرياضية قادمة من عالم محكوم بكثير من التقاليد والأحكام المسبقة، وهي الآن تتقلد مناصب عليا داخل دواليب التسيير بالمؤسسات الرياضية على الصعيد الدولي، بفضل الكاريزما التي جعلتها رافضة للاستسلام والخضوع والتخلي والتراجع والقبول بالأمر الواقع.
  خلال فضاء رمضان السنة الماضية، قدمنا حلقات الجزء الأول من مسار نوال المتوكل، والتي خصصت للوقوف على تفاصيل مرحلة الممارسة كعداءة، انطلاقا من ملعب لاكازابلانكيز، مرورا بانتمائها للمنتخب الوطني، وصولا إلى انتقالها للولايات المتحدة الأمريكية للدراسة والتدريب، وفق أساليب وطرق متطورة تختلف كليا عما سبق، لتتوج ذلك بميدالية ذهبية في سباق 400م حواجز بأولمبياد لوس أنجلوس.
   خلال رمضان هذه السنة نعود لتقديم تفاصيل مرحلة ما بعد الاعتزال، والتي شهدت الانتقال من مرحلة الممارسة إلى التحول لكسب مكان داخل الأجهزة المشرفة على الرياضة الدولية، وبصفة خاصة الاتحاد الدولي لألعاب القوى واللجنة الأولمبية الدولية، وهذه المرحلة تحفل بالكثير من التفاصيل والمعطيات المثيرة، وهو ما نعمل على تقديمه تباعا عبر حلقات طيلة هذا الشهر الفضيل…       

بعد اعتزال الممارسة طرح الاختيار بين التدريب والتسيير

أكيد أنني أشعر بالفخر والاعتزاز خلال زياراتي لدول العالم لتفقد ملفات الترشيح لتنظيم تظاهرات رياضية. لأني كنت أرجع بذاكرتي للوراء وأتذكر بدايتي والطريق الطويلة التي قطعتها إلى أن وصلت إلى ما أنا عليه الآن؟ بطبيعة الحال لا يجب أن أصاب بنوع من الغرور، لأن من يركبه الغرور سيفشل في مساره لا محالة . في النهاية أصبحت أرى كل شيء بالتساوي وبكثير من التجرد. وأحاول أن لا أسقط فريسة لإغراءات السجادات الحمراء والسيارات الفارهة وفنادق الخمسة نجوم وغيرها من المغريات.
أعتقد أنه يتوجب على الإنسان عقب الوصول إلى مثل هذا المستوى أن يشكر الله على ذلك. كما يجب أن يخدم الرياضة لا أن تخدم الرياضة مصالحه، في سنة 1998 عندما ناداني سامارانش وأخبرني بالتحاقي باللجنة الأولمبية الدولية، فكرت في التريث والانتظار قبل الإدلاء القسم في ظل الهزة العنيفة التي خلفتها فضحية رشاوي سوتليك سيتي الأمريكية.
لم أدل بالقسم. وكانت أول مرة في تاريخ الحركة الأولمبية ينضم فيها عضو إلى اللجنة دون تواجده بقاعة المؤتمر. تعمدت عدم الذهاب. أولا بسبب الفضيحة وثانيا لأنه لا داعي للتسرع خاصة أنني كنت أبلغ من العمر 35 سنة فقط. كما فكرت في أن هناك أشخاصا بالمغرب يحلمون بعضوية اللجنة الأولمبية الدولية، في حين أنا أتواجد سلفا بلجان مجموعة عمل وهذا يكفي وتكفيني أيضا شهادة سامارانش.
هناك أيضا أمر آخر، فلم أكن لأدلي بالقسم حتى تتم تنظيف المؤسسة، ومن حسن الحظ، تم عقد جمعية عمومية استثنائية سنة 1999، وقال لي سامارانش إنني سأنضم إلى لجنة الإصلاح التي ستتولى إعادة النظر في القوانين والأنظمة الخاصة باللجنة الأولمبية الدولية. وهنا أتذكر أنه كان معي في هذه اللجنة جون فرانسوا لامور الذي أصبح بعد ذلك وزيرا للشباب والرياضة بفرنسا، وهو بطل أولمبي في رياضة المسايفة.
في لجنة الإصلاح بدأنا العمل على أفكار وعقدنا مناظرة لعدة أيام لوضع تصور جديد للجنة الأولمبية الدولية في المستقبل. طرحت أمامنا أسئلة كثيرة. هل نحتفظ بالأعضاء التسعين؟ أم نوسع المجال أمام اللجان الوطنية الأولمبية والاتحادات الدويلة والأبطال على اعتبار أنهم القلب النابض للحركة الأولمبية؟ هل نعزز اللجنة الأولمبية ببعض العناصر، أم نبقي على 90 عضوا؟
كما أسلفت الذكر، فيجب عدم الوقوع في فخ الغرور لأنني بت مشهورة وإن بطريقة أخرى. فهناك الرياضي الذي يصبح نجما مشهورا. أما أنا فقد اشتهرت بشكل مغاير، لأني تحملت مسوؤلية تمثيل بلدي وصورته وتمثيل شخصي أيضا، وكان هذا يفرض علي أن أكون دوما في المستوى المطلب، كان يتوجب علي أن أكون واعية لما أقوله وأفعله ومع من أتعامل، كما يجب أن تكون تصرفاتي مدروسة ومحسوبة، حتى أتمكن من القيام بواجبي على الوجه الأكمل، وهذا يتطلب التدرب على الدبلوماسية الموازية…”.

 إنجاز: محمد الروحلي

Related posts

Top