من يؤمن خبز المغاربة غدا؟

في سياق عالمي يتسم بالحرب والجفاف ونواتج جائحة كورنا، تشهد أسعار القمح ارتفاعات مهولة، نتيجة القرارات التي اتخذتها مجموعة من الدول والقاضية بمراجعة أو إلغاء تصدير هذه المادة في إطار حرصها على أمنها الغذائي، وهو ما يؤثر على المخزون الوطني الذي لم يعد يتوفر منه إلا ما يكفي لمدة أربعة أشهر قادمة، وفق ما أكده الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، الأسبوع الماضي.
الوزير نفسه، كان قد أكد في بداية أبريل الماضي، على أن مخزون القمح الذي يتوفر عليه المغرب حين ذاك، يكفي لضمان حاجيات المملكة من هذه المادة الغذائية لمدة خمس أشهر، مما يعني ضمنيا أنه منذ التصريح السابق حتى الأخير -أزيد من شهر-، الحكومة لم تتمكن من تعزيز المخزون بأي قنطار قمح إضافي، وتكتفي فقط بالتصريح بحجم المخزون المتبقي، وقد يستمر الحال على ما هو عليه، ليخرج علينا الوزير كل شهر يطلعنا على حجم المخزون المتبقي، وكأن دوره هو بث الرعب في نفوس الشعب وضرب استقراره النفسي والاجتماعي، دون تقديم أي خطط بديلة من المفروض أن يتم العمل عليها بشكل مستعجل.
للأسف، في كل وضعية ومناسبة، تكشف حكومتنا عن الهوة الشاسعة بينها وبين الشعب المغربي، خاصة الطبقة المتوسطة والفقيرة، حيث من البديهي أن لا يستشعر من ينتمي للطبقة الرأسمالية البورجوازية، واعتاد على الأكل في الفنادق المصنفة وعلى الموائد الفاخرة، أهمية ومكانة “الخبز” عند باقي الطبقات الاجتماعية الغارقة في بحر من الديون والغلاء المعيشي اليومي.
وما يزيد الطينة بلة، هو خرجات (قفشات) أعضاء الحكومة في مناسبات مختلفة، والتي تؤكد بدورها، أنها بعيدة كل البعد عن واقع الشعب المغربي، وليس لها أدنى اطلاع بما يجري، وآخرها قول مصطفى بايتاس، خلال كلمته في أشغال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الجهوي بجهة الرباط سلا القنيطرة، للحزب الذي يقود الأغلبية، إن “معدل إنتاج الحبوب في المخطط الأخضر قدر في 70 مليون قنطار”، لافتا إلى أن “متوسط إنتاج المادة طيلة السنوات الأخيرة يفوق هذا المعدل، مشيرا إلى أن السنة الماضية سجلت لوحدها 102 مليون قنطار”.
لكن عضو المكتب السياسي للحزب الذي يقود الحكومة الحالية، لم يكلف نفسه سؤال رئيسه في الحكومة وأمين عام الحزب الذي كان على رأس وزارة الفلاحة لأزيد من عقد من الزمن، -لم يسأله- عن حجم الإنتاج، وحتى إن خجل من سؤال رئيسه المباشر، أن يبحث في وكالة الأنباء الرسمية، ليعرف أن الإنتاج النهائي من الحبوب الرئيسية الثلاثة بالنسبة للموسم 2019 – 2020 ما لم يتجاوز ما مجموعه 32 مليون قنطار، بانخفاض يقدر ب57 في المائة مقارنة بمعدل سنة متوسطة، إبان مخطط المغرب الأخضر (75 مليون قنطار) وبانخفاض بنسبة 39 في المائة مقارنة بالموسم الذي سبقه، والذي اعتبر سنة متوسطة في إنتاج الحبوب (52 مليون قنطار)، وأما فيما يهم الإنتاج الوفير والاستثنائي خلال الموسم الأخير 2020-2021، الذي وصل إلى قرابة 103,2 مليون قنطار، فإنه يرتبط أساسا بالأمطار الاستثنائية التي شهدتها المملكة.
وحتى إنتاجية الموسم الأخير، الذي تمت محاولة الركوب عليها، وربطها بالبرامج الحكومية، وتناسلت البلاغات والبيانات الصحفية، وقامت الدنيا ولم تقعد، للتنويه والافتخار بما شهده الموسم من مروعة وخصوبة، على أساس أنه “نتيجة لعمل مضني” للقائمين على القطاع، كشفت الطبيعة حقيقتها وزيف الشعارات والأرقام، ليتأكد بالملموس أن الفلاحة المغربية لا تعتمد إلا على هبات الطبيعة وما تجود به السماء.
وعندما نتأمل حجم الإنتاج، فهو يثير سؤالا مهما للسيد الوزير: حتى وإن افترضنا أن قولكم صحيح، فكيف بعد أشهُر فقط فصلت عن جني محصول زراعي كان وافرا جدا، وفاق كل الانتظارات والحاجيات، تدخل البلاد في أزمة غير مسبوقة مرتبطة بالمادة التي تعد على رأس قائمة حاجيات المواطن المغربي ؟ أين الخلل ؟
الوزير نفسه، في اللقاء عينه مع حاشية حزبه، قال أيضا “إن مخطط المغرب الأخضر مكّن من تحقيق الاكتفاء الذاتي في عدد من المواد بينها اللحوم والحليب والخضر والفواكه”، متجاهلا الزيادات التي عرفتها اللحوم قبل أيام فقط من خرجته هذه، والتي تراوحت بين 5 إلى 10 دراهم في الكيلوغرام الواحد، -من المؤكد أن لا يعرف وأن حاجياته تصله إلى “فيلته الفاخرة” دون أن يعرف ثمنها كالمواطن العادي-.
وعلى ذكر أثمان الخضر والفواكه، فعلى السيد الوزير أن يعلم أن آلاف الأسر المغربية يعد الخبز والشاي وجبتهم الأساسية طيلة اليوم، وأن الفواكه التي يتبجح بإنتاجيتها تضر بالوطن أكثر مما تنفعه، حيث إن أغلب هذه الفواكه التي يتم إنتاجها تنسف الفرشة المائية التي أصبحت الخطر الأكبر الذي يهدد البلاد، كما أن القدرة الشرائية للمواطن وفي ظل غلاء الأسعار، تحول دون تفكيره في اقتناء الفاكهة، التي تعد أسفل قائمة أولوياته -حتى الموز والتفاح اللذان يعدان من فواكه الطبقات الفقيرة والمتوسطة ارتفع سعرهما بشكل صاروخي- رغم أننا بلد نتبجح بانتاجهما.
أخيرا، على السيد الوزير، أن يعلم أن المواطن لن “يعجن” خبزه بالبطيخ والأفوكادو، ولن يستطيع تناول وجباته البسيطة بالشوكة والسكين، لأن قدرته الشرائية ضعيفة جدا، وبالتالي لا يجد ما يعزز به وجباته الضعيفة ويملأ به بطنه غير الخبز باعتباره الوجبة الرئيسية.
ينبغي اليوم التفكير بجدية ومسؤولية، في إنشاء مخزون استراتيجي للحبوب تحت إشراف وتدبير هيئة مختصة مسؤولة عن عمليات التخطيط والرقابة لإدارة وتكوين هذا المخزون، ثم التنسيق بين الجهات ذات العلاقة بالإنتاج أو الاستيراد أو الاستثمار، حتى يتم استغلال المواسم الفلاحية الوفيرة، واستثمار لحظات انخفاض أسعار الاستيراد بشكل جيد، قصد تغطية أزمات السنوات العجاف، أو فترات غلاء أسعار استيراد الحبوب، بل أضحى لزاما على الحكومة، ترشيد أنواع الزراعات وفق الحاجيات الأولوية للمواطن، ومدى ملاءمة الزراعات الجديدة للظروف المناخية والبيئية، وأيضا مدى استنزافها للمياه الجوفية -تشجيع الزراعات غير المستهلكة للمياه-، حتى لا نفقد ثروة بلادنا من المياه الجوفية.
ونؤكد أيضا للقائمين على القطاع الفلاحي، على أهمية التفكير في سبل تحول دون بقاء آلاف الهكتارات من الأراضي الفلاحية الجيدة “راكدة”، واستغلالها في الزراعات الأساسية، فضلا عن سن قوانين تقطع أو على الأقل تقنن اكتساح الاسمنت الأراضي الصالحة للزراعة، حتى لانستيقظ يوما ولا نجد ما نعجنه في المخابز، فمن سيؤمن خبز المغاربة غدا ؟

< عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top