من يحمي غذاء المواطن؟

كشفت الوقائع الأخيرة عن الحاجة الماسة لتحقيق مأمونية الغذاء (Food Safety)، التي تعد من أبعاد الأمن الغذائي الأساسية، المتجسدة في ضمان صحة الغذاء وسلامته وصلاحيته للاستهلاك البشري، حتى لا يصبح مهددا لصحة المواطن خصوصا في ظل الأحداث والوقائع المتعاقبة مؤخرا، وفي سياق يتبنى فيه الفاعلون السياسيون ومعهم بعض المؤسسات المعنية سياسة الصمت ويطبقون حكمة “كم حاجة قضيناها بتركها”.
لا تفتأ شرارة إحدى القضايا التي تبسط حقيقة وواقع سلامة المنتجات الغذائية التي يستهلكها الشعب المغربي بشكل يومي حتى تنفجر أخرى، ليتأكد بالملموس اللامبالاة التي تتعامل بها مختلف المؤسسات والفاعلين بمجال صحة التغذية ومراقبة المواد الاستهلاكية.
إذ لم تمر إلا أسابيع، عن كشف نظام الإنذار السريع للأغذية والأعلاف الأوروبي “RASFF” عن وجود آثار للمبيد الحشري المسرطن Chlorpyrifos، بالبرتقال المغربي، الموجه نحو هولندا، حتى علمنا من المصدر نفسه باحتواء “بيتزا بيتوني” المملوكة لمجموعة “نستله” السويسرية على بكتيريا الإشريكية القولونية، وهو المنتج الذي يتم تسويقه في المغرب أيضا.
ووسط الأخبار المتداولة دوليا بخصوص حظر إنتاج بيتزا “Buitoni” بعد سلسلة من الحالات الخطيرة لتلوث الأطفال ببكتيريا الإشريكية القولونية، وسحبها من الأسواق، لم تخرج الجهات الوصية بالمغرب، حتى الآن، لتقدم أي توضيح بخصوص الموضوع، وما إذا كانت قد قامت بخطوات وإجراءات عملية في هذا الشأن وأيضا إن كان وصل إلى علمها أم ليس بعد.
وبين البرتقال المسرطن، الذي اكتفى المسؤولون بإصدار بعض التوضيحات غير الشافية لمنابر بعينها، تاركين المواطن حائرا أمام سلامة المنتج المعروض في السوق الداخلية من عدمها، وبيتزا بيتوني المسببة في متلازمة “انحلال الدم اليوريمي” (HUS)، وما يواكب الخبر -إلى حدود الآن- من صمت ولامبالاة، هناك آلاف من “بيضات كيندرسيربريز” التي تهدد صحة الأطفال، لا زالت معروضة بمحلات تجارية كبيرة، رغم إعلان “أونسا” عن السحب الفوري للمنتج من دائرة التسويق للاشتباه في حملها لمكونات مواد سامة.
ما تم بسطه مجرد أمثلة بسيطة، عن ما يستهلكه الشعب بشكل يومي، من منتجات يفترض فيها أن تكون خاضعة للمراقبة بدرجة كبيرة، لاعتبارات عدة منها مكانة الشركات المنتجة والقيمة المادية للمنتوج، ومساطر المراقبة المتعلقة بالاستيراد أو التصدير، وأيضا فضاءات تسويقها، والتي أمست (هذه المنتجات) تشكل خطرا على صحة المستهلك، ليبقى السؤال في ظل هذا الوضع، حول مدى خطورة المأكولات السريعة التي يقدمها أصحاب العربات المجرورة بأغلب الأحياء، وبقلب مراكز المدن، بأثمنة بخسة، على صحة المستهلك وتهديدها له، فضلا عن المصبرات والمعلبات التي تدخل أرض الوطن بشكل غير قانوني ودون مراقبة وتسوق بمحلات تجارية بشوارع رئيسية، وأيضا ما يستهلكه الأطفال من مأكولات يتم تسويقها بشكل عشوائي أمام جل المدارس العمومية…
أما السؤال الأبرز والعريض، هو من يتحمل مسؤولية مراقبة ما يعرض للمستهلك المغربي من منتجات مختلفة، وأي قيمة للسلطات المخولة له ليقوم بالمراقبة واتخاذ القرارات الزجرية اللازمة متى لزم الأمر؟! -على سبيل المثال “أونسا” أعلنت عن ضرورة السحب الفوري لمنتجات “كيندر” المشكوك في سلامتها إلا أنها لا تملك سلطة السحب-، وبالتالي فمن سيقوم بالأمر التنفيذي غير الحكومة ومصالحها المختلفة إن كانت هناك ذرة مخاوف على الصحة العامة والأمن الغذائي للمواطن؟!
لقد حان الوقت أكثر من أي وقت مضى، للتعامل مع سلامة الغذاء الذي يستهلكه الشعب بمسؤولية وجدية، وربما أصبح من اللازم تجاوز الشكليات المعتمدة منذ عقود في المراقبة المستمرة، حيث يجب إعطاء مؤسسة “أونسا” الصلاحيات والسلط اللازمة للقيام بكل ما يلزم لحماية صحة المستهلك والحرص على تمكينه من منتجات سليمة وصحية، بدل اللجان المختلطة التي يستحيل في كثير من الأحيان تشكيلها، لكثرة المتدخلين وصعوبة المساطر، ثم أنه يجب تكوين مراقبين مختصين يعملون بشكل مستمر، على خلاف هذه اللجان الموسمية التي يصل خبر انطلاقها -في أغلب الأحيان- بأيام عدة للمعنيين بشكل أو بآخر، مما يصعب من عملها وينقص من مردوديتها.
وكما سبق وقلنا، إن حكومتنا اليوم، ملزمة أكثر من أي وقت مضى، بالاهتمام بشكل مسؤول وجدي بالأمن الغذائي للمواطن المغربي، الذي يصارع الحياة لأجل قوته، في ظل كل التحديات الآنية، منها أساسا ارتفاع أسعار الغذاء والبحث عن أقل الأثمان ولو على حساب صحته، كما يجب على الجهات المعنية القطع مع سياسة الأذن الصماء، ونهج سياسة تواصلية حقيقية حتى تصبح مصدرا رسميا للمعلومة، بدل الاكتفاء بتأكيد أو نفي ما تروجه مؤسسات خارج أرض الوطن من أخبار، بعد أن تنتشر وتصل لأعلى نسبة ممكنة… فهل هناك من مستجيب؟

 عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top