مهرجان الجامعة السينمائية بالدار البيضاء والمحمدية

بعد إلغاء نسخة 2020 بسبب حالة الطوارئ الصحية المرتبطة بوباء كوفيد 19، تستعد الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، لتنظيم الدورة الحادية عشرة لمهرجان “الجامعة السينمائية ” في الفترة من 20 إلى 24 أكتوبر القادم بمدينتي الدار البيضاء والمحمدية .
أطلق على هذه الدورة الجديدة، التي ستزاوج بين الحضوري والرقمي وفقًا لمستجدات البروتوكول الصحي المعمول به في بلادنا والتي أنجز ملصقها الفنان المبدع عزيز باعقا، إسم أول رئيس للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب من 1973 إلى 1983.

فمن هو هذا الرئيس؟  الأب الروحي للثقافة السينمائية بالمغرب

لا يجادل أحد في كون الراحل نور الدين الصايل (1947- 2020) كان بمثابة الأب الروحي للثقافة السينمائية بالمغرب، فعطاءاته المتعددة على امتداد ما يفوق نصف قرن من الزمان شملت مختلف أوجه السينما وثقافتها ببلادنا، بحيث يصعب اختزالها في بضعة صفحات.
كانت البداية من طنجة، مسقط رأسه، حيث انفتح على قاعاتها السينمائية وهو طفل يافع أو تلميذ بثانوية إبن الخطيب لمشاهدة أفلام إسبانية ومصرية وأمريكية وأروبية وغيرها. وعندما انتقل إلى الرباط لمتابعة دراسته الجامعية في شعبة الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في النصف الثاني من عقد الستينيات انخرط في حركة الأندية السينمائية آنذاك وأصبح رئيسا للنادي السينمائي الرباطي ثم كاتبا عاما للفيدرالية المغربية لنوادي السينما، التي أصدرت أربعة أعداد من مجلة “سينما 3” تحت إدارته سنة 1970، وفي مارس 1973 ساهم إلى جانب فاعلين آخرين في تأسيس الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب (جواسم) التي ستلعب ابتداء من هذا التاريخ دورا مهما في نشر الثقافة السينمائية في مختلف ربوع المملكة.
الفضل كل الفضل يرجع إلى حركة الأندية السينمائية، في عهده كأول رئيس لجواسم (1973- 1983) وعهد الرؤساء اللاحقين آيت عمر المختار وعبد السلام بوخزار ورشيد عبد الكبير والراحل محمد اعريوس (1959- 2018) وحفيظ العيساوي وعبد الخالق بلعربي، في تعزيز مكانة الثقافة السينمائية والسمعية البصرية داخل الحقل الثقافي المغربي وفي دعم المنتوج السينمائي الوطني والتعريف به في زمن كان فيه أرباب القاعات ومستغلوها يفضلون برمجة الأفلام الأجنبية ويهمشون الأفلام المغربية على قلتها.
كان الصايل رحمه الله، بالموازاة مع اشتغاله كأستاذ للفلسفة بثانوية مولاي يوسف بالرباط (ابتداء من سنة 1969) ثم كمفتش عام لمادة الفلسفة بعد ذلك (ابتداء من سنة 1975)، نشيطا على المستويات الثقافية والجمعوية والتربوية والإعلامية. وفي هذه المرحلة من حياته ساهم إلى جانب فاعلين آخرين في تأسيس مهرجان السينما الإفريقية بمدينة خريبكة سنة 1977، وهو أقدم مهرجان سينمائي لا زال ينظم بالمغرب منذ ذلك التاريخ، وقد أصبح الراحل رئيسا لمؤسسته التي تم إحداثها سنة 2009. كما انفتح من خلال كتاباته على منابر صحفية مختلفة كجريدتي “مغرب- أخبار” (بالفرنسية) و”أنوال” (بالعربية) ونشط عدة برامج سينمائية بالإذاعة الوطنية (“شاشة سوداء” بالقسم الفرنسي و”المجلة السينمائية” بالقسم العربي) والتلفزة المغربية (“أفلام”، “سينما منتصف الليل”، “سينما المخرجين”…).
وعندما تم تعيينه مديرا للبرامج بالتلفزة المغربية سنة 1984 أحدث تغييرات مهمة في خريطة البرامج واستقدم العديد من أصدقائه السينمائيين والمثقفين (محمد ركاب، مصطفى المسناوي، عبد القادر لقطع، مصطفى الدرقاوي، إدريس المريني، حكيم نوري…) لإنتاج برامج فنية وثقافية (“بصمات” و”وثيقة” نموذجان) وأعمال درامية وغيرها.
ساهم كذلك كمستشار في انطلاقة القناة الثانية “دوزيم” سنة 1989، وعين مديرا لها من 1999 إلى 2003، بعد تجربة تلفزيونية مهمة راكمها بفرنسا داخل “كنال بلوس أوريزون ” كمدير مبيعات البرامج ثم كمدير عام مكلف بالبرامج والبث. كما عين بعد ذلك مديرا للمركز السينمائي المغربي من 2003 إلى 2014.
في كل هذه المحطات ترك الأستاذ نور الدين الصايل بصمته الخاصة، ففي قناة عين السبع، مثلا، أصبحت هذه القناة التلفزيونية في عهده ولأول مرة منتجة للأفلام التلفزيونية ومدعمة للأفلام السينمائية، وتحت إدارته للمركز السينمائي المغربي تم تشجيع الشباب على إنتاج الأفلام القصيرة والأفلام الطويلة بغزارة غير مسبوقة من قبل إيمانا منه بأن الكم يولد الكيف. كما تم التشجيع على إحداث المهرجانات والتظاهرات السينمائية المختلفة ودعم تنظيمها ماديا ولوجيستيكيا.
لقد راكم الراحل معرفة سينمائية واسعة مبنية على أرضية ثقافية صلبة، وهذه المعرفة عززتها تجربة معتبرة على مستوى إدارته لبعض المؤسسات المرتبطة بالسينما والسمعي البصري. ولم يبخل يوما على الجمعيات والتظاهرات السينمائية والمؤسسات التعليمية وغيرها بخبرته هته، فقد ألقى العديد من المحاضرات هنا وهناك، وشارك بمفرده أو مع غيره في كتابة سيناريوهات أربعة أفلام روائية طويلة هي: “إبن السبيل” (1981) و”بادس” (1988) و”للا حبي” (1996) لمحمد عبد الرحمان التازي و”وجها لوجه” (2003) لعبد القادر لقطع، وأصدر رواية يتيمة بعنوان “ظل الحاكي” سنة 1990، لكنه ظل يفضل الشفوي على المكتوب ولم يعمل على توثيق هذه المعرفة السينمائية (النظرية والعملية) الواسعة في كتب لتستفيد منها الأجيال الحالية والقادمة.
توفي نور الدين الصايل ليلة الثلاثاء 15 دجنبر 2020 بمستشفى الشيخ زايد ودفن بمقبرة الشهداء بالرباط صباح يوم الجمعة 18 دجنبر. ومن بين آخر المهام التي كان يضطلع بها قبل وفاته ترؤسه لمؤسسة مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة وللجنة الفيلم بورزازات وعضويته في المجلس الأعلى للتربية والتكوين وإلقاؤه لمحاضرات حول فلسفة لودفيغ فيتغنشتاين (مجال تخصصه) في بعض الجامعات الألمانية.
وأعتقد أن أفضل تكريم لروحه الطاهرة هو العمل على تجميع كتاباته ومحاضراته وحواراته ودروسه المختلفة وغير ذلك في كتاب أو مجموعة كتب، بالإضافة إلى إنجاز  أفلام وثائقية وبرامج إذاعية وتلفزيونية وغيرها توثق لتجربته السينمائية والثقافية والإعلامية والجمعوية والتدبيرية على امتداد عقود منذ الستينيات إلى لحظة وفاته.

أحمد سيجلماسي

Related posts

Top