مهرجان تطوان المسرحي الـ 18 يقارب السياسة العمومية في المسرح ويسائل مسرح الشارع في المغرب

عرفت الدورة الثامنة عشر للمهرجان الوطني للمسرح التي انعقدت بتطوان في الفترة ما بين 30 نونبر و7 دجنبر الجاري،  والتي اختتمت فعالياتها أمس الأربعاء، تنظيم ندوتين هامتين في إطار النشاط الثقافي والفكري الموازي للمهرجان.
يتعلق موضوع الندوة الأولى بمسرح الشارع، وهي الندوة التي أطرها وقدم لها الدكتور حسن المنيعي، وشارك فيها كل من حسن بحراوي، أمين غوادة، رضوان حدادو، وطارق الربح الذي ناب عنه المخرج عماد فجاج..
أما محور الندوة الثانية فكان موضوعه “آفاق مهننة الممارسة المسرحية في ظل القوانين والأنظمة الجديدة” وأ\رها وقدم لها الدكتور عز الدين بونيت، وشارك فيها كل من محمد الأزهر، رشيد القاسمي، أنوار الزهراوي، وعبد اللطيف برادي..
ونظرا لأهمية المحورين وراهنيتهما، وتعميما للفائدة، تنشر بيان اليوم ضمن مواد هذه الصفحة المداخلتين التقديميتين لكل من الدكتور حسن المنيعي والدكتور عز الدين بونيت.

اعداد: د: عز الدين بونيت

ورقة تقديمية:

عندما طُرحَت الخطةُ الوطنية لتأهيل القطاع المسرحي على طاولة النقاش في فبراير 2012 بعد اللقاء الذي عقده الوزير محمد الصبيحي مع وفد من المسرحيين المغاربة الذين قدموا له الخطوط العريضة للخطة، اعتبر المسرحيون أن مرحلة جديدة من عملهم المشترك مع الدولة ممثلة في القطاع الحكومي المكلف بالثقافة، قد بدأت، لمواصلة الأوراش التي سبق أن فتحت مع القطاع المسرحي منذ 1998، والتي عرفت منطلقها بإقرار برنامج دعم الإنتاج والترويج المسرحيين، وتواصلت بإصدار قانون الفنان في صيغته الأولى سنة 2003، وإصدار البطاقة المهنية للفنان، ثم إنشاء التعاضدية الوطنية للفنانين بدعم من وزارتي الثقافة والاتصال.
كانت الخطة الوطنية ترجمة لمنهجية ورؤية جديدتين في التعاطي مع قضايا المسرح في بلادنا من زاوية مختلفة عما كان عليه الأمر في الماضي، حين كان الجميع يركزون على البحث عن أجوبة ذات طبيعة ثقافية لمواجهة وضع هش للممارسة المسرحية. وبينما كانت المقاربات السابقة تعتبر أن أزمة المسرح بالمغرب هي أزمة من طبيعة ثقافية، بالدرجة الأولى، وتقدم تشخيصا لهذه الأزمة ينحصر في نوعية العلاقة التي تربط المسرح المغربي مع جمهوره، انطلقت الخطة الوطنية لتأهيل القطاع المسرحي من أطروحة مختلفة تعتبر أن الأزمة هي أزمة في التخطيط السياسي للنهوض بالقطاع الثقافي عموما وبالقطاع المسرحي على وجه مخصوص. ولذلك صيغت الخطة الوطنية في شكل برنامج عمل سياسي توخى التكامل والاندماج والشمول. وكانت بذلك أول برنامج عمل ثقافي متكامل يحدد محاور التدخل بدقة، ويعتبر أن نجاح أي سياسة ثقافية يتوقف على مدى الإرادية التي تطبع موقف الفاعل السياسي ومدى وعيه بأهمية نهج سياسة عمومية تستهدف إدماج الثقافة في التنمية بشكل مستدام ولا رجعة فيه.
ومن بين المبادئ الكبرى التي قامت عليها رؤية الخطة الوطنية لتهيل القطاع المسرحي، المبدآن الآتيان اللذان يهمان محور هذه الندوة: مبدأ التعاقد المتفاوض عليه، ومبدأ الشمول والاندماج.

التعاقد المتفاوض عليه:

 تكمن أهمية هذا المبدأ في كونه يضع الفاعلين في القطاع، المعنيين به مباشرة، في قلب السياسة العمومية، باعتبارهم شركاء في تنفيذ هذه السياسة، يقع على عاتقهم النهوض بتنفيذ عدد من الالتزامات المحددة بوضوح؛ وليسوا مجرد موضوع لها. وهذا يقتضي أن تكون المخططات متلائمة مع طبيعة عملهم وانتظاراتهم، وتستهدف تذليل الصعوبات التي تعترض ممارستهم المهنية. ومن هنا أهمية عنصر التفاوض، لأن من شأنه أن يجعل التخطيط السياسي في القطاع متمخضا عن إرادة مشتركة بين الدولة والفاعلين في تحديد الأهداف المشتركة والالتزامات المتبادلة. كما أن هذا المبدأ يجعل السياسة العمومية في القطاع تأخذ بعين الاعتبار ضرورة تأهيل هؤلاء الفاعلين ومواكبتهم ليتمكنوا من الوفاء بالتزاماتهم، ومن العمل المستقل تدريجيا. ويمكن أن نستنير في هذا الصدد بالسياسات العمومية في مجال الصناعة التقليدية أو الفلاحة، حيث تتضمن المخططات الموضوعة في هذين القطاعين شقا هاما يخص تأهيل الفاعلين في الميدان ومواكبتهم عبر تنمية قدراتهم لاستيعاب أهداف المخطط والتمكن من النهوض بالتزاماتهم فيه. وتتضمن هذه المواكبة وذلك التأهيل، مساعدة القطاع على هيكلة نفسه بشكل منظم وقادر على التحاور والتعاقد مع الدولة.

الشمول والاندماج:

 وتكمن أهمية هذا المبدأ – من الزاوية التي تهمنا – في كون نجاعة السياسة العمومية مرتبطة بضرورة أن تتوخى التدخل في كل مستويات العمل في القطاع، وتجاوز الإجراءات الجزئية التي أثبتت أنها ليست في كل الأحوال سوى حلول ترقيعية قصيرة النفس. ومن هنا أهمية أن ينبني كل تخطيط على معرفة عميقة بتعقد القطاع وتفاصيله ومستويات التدخل فيه. ولذلك حددت الخطة الوطنية لتأهيل القطاع المسرحي سبعة محاور للتدخل المندمج، هي:
الجانب المؤسسي؛
البنيات التحتية؛
التشريع والتنظيم؛
التكوين العام والمهني؛
المواكبة الإدارية والمحاسبية؛
هياكل الإنتاج والتسويق؛
الجانب الاجتماعي للمهنيين؛
فضلا عن محور تعبئة الموارد المالية الضرورية لتنفيذ هذه السياسة. وهنا يدخل الشق الثاني من مبدأ التعاقد حيز التنفيذ؛ حيث لا بد أن يشمل التعاقد الدولة والجماعات الترابية بكل مستوياتها والقطاع العام والقطاع الخاص ولا سيما القطاع البنكي. لأنه لا معنى لسياسة بلا مصادر تمويل واضحة ومرقمة ومنزلة في الميزانيات.
ومن الواضح أن السياسة الثقافية الحالية، ما زالت لم تصل إلى هذا الحد من الشمول والاندماج، وأمام القطاع الحكومي الوصي الكثير من الجهد للقيام به من أجل إقناع باقي الشركاء في تبني مثل هذه السياسة التي لا تلقي بالعبء على ميزانية وزارة الثقافة المحدودة أصلا، ولا تلقي بالتبعات على الفاعلين وحدهم ولا تحصر التدخل العمومي في شق واحد جزئي هو تمويل جزء من تكاليف الإنتاج.
وإذا ألقينا نظرة سريعة على المنجزات التي حققتها وزارة الثقافة إلى الآن بمعية شركائها المهنيين، فسنجد أنها تغطي ثلاثة محاور فقط من بين المحاور السبعة المحددة أعلاه، وبشكل متفاوت وجزئي في كل منها.
وإذ أثمن الدعوة التي وجهتها الوزارة لإقامة هذه الندوة على هامش الدورة 18 من المهرجان الوطني للمسرح، أعتبر أن فتح هذا الورش الآن هو مناسبة للوقوف على انتظارات كل من الفاعل السياسي من جهة والفاعل الإداري القطاعي والفاعل المهني من جهة أخرى. ومناسبة لتقويم عقلاني إيجابي للخطوات التي تم إنجازها وفهم مكامن الخلل وأسباب الانحباس التي نلاحظها في السياسات العمومية المتصلة بالمجال الثقافي وخاصة في شقه المسرحي. كما أنها مناسبة ليتم التعرف على أدوار كل فاعل وأشكال التدخل المنتظرة منه وصيغ وأدوات العمل المستقبلية. وأملنا أن تكون الأسئلة التي ستثار والمقاربات التي سيتم الاستماع إليها في مستوى انتظار المنظمين. وأن تشكل الندوة منطلقا لرؤية متجددة وأفق للعمل جديد.

********

مسرح الشارع

>  إعداد: د. حسن المنيعي

يعد مضحك الجماعة أو العامة أول نموذج لمسرح الشارع، (وهو موجود في كل مدن العالم). إلا أن مؤرخي المسرح يؤكدون على أن مسرح الشارع ارتبط حقيقة بالأعياد التي كان اليونانيون يقيمونها احتفاء بالإله ديونيزوس، وذلك بما تنطوي عليه من شعائر وطقوس احتفالية..
وقد كانت هذه الأعياد تحمل اسم “كوموس” comos وهي التي ستحقق استمراريتها لدى الرومان في الاحتفالات المعروفة بـ “اللودي ludi” التي كانت في الغالب عبارة عن فرجات شعبية ينتقد العامة خلالها الحكام ورجال السلطة، كما يمارسون ألعابا رياضية في نطاق التنافس والمرح..
وقد كان تنظيم هذه الفرجات يخضع لرقابة السلطة، الشيء الذي يؤكد لنا أن مسرح الشارع كان منذ بدايته الأولى مسرحا مؤسساتيا، لأن ما سيعرفه في القرون الوسطى من ظواهر احتفالية كـ “عيد الحمقى” و”الكرنفال” وغيرهما كان يراعي قانون المدينة خشية التعرض للعقاب. ومن ثم، فإذا كان تاريخ المسرح يفيض بأشكال فنية تعبيرية تقدم في ساحات المدن، فإن مسرح الشارع الحديث قد حرص في الجوهر على أن يكون الحي أو الشارع مكانا يرسخ علاقة بين الفن والسياسة: الفن باعتباره انعكاسا لجماليات تكتسي طابعا جماهيريا (نظرا لتحققها خارج جدران القاعة)، والسياسة باعتبارها صلة وصل بين فضاء مشترك ومسؤولية جماعية.
لقد تجسدت هذه العلاقة منذ بداية القرن الماضي في أعمال كل من “مسرح التحريض والدعاية” الذي ظهر في روسيا بعد ثورة أكتوبر، وكذا كل الأشكال المسرحية الراديكالية التي سادت في أمريكا إبان الأزمة الاقتصادية (1929)، وبعد ذلك في أعمال الفرق المسرحية الأمريكية التي مارست مسرح الشارع خلال الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين كمسرح “الوقعة” ومسرح الخبز والدمى والمسرح الحي، والمسرح المفتوح إلخ.. إضافة إلى ما عرفته فرنسا من انفتاح على فنون الشارع بعد ثورة مايو 1968.
أما اليوم فقد أصبح مسرح الشارع فنا يسود في عدة دول، كما يؤكد حضوره عبر مهرجانات محلية وعالمية خصوصا في فرنسا وبلجيكا (المهرجان الدولي لمسرح الشارع بمدينة أورياك / فرنسا، المهرجان الدولي لفنون الشارع / بلجيكا)، وذلك نظرا لدعمه من لدن الجماعات الحضرية، ونظرا لكون عروضه تقدم مجانا.
وهذا ما جعله يظل في الغالب مسرحا مؤسساتيا يقوم على الترفيه من خلال ما يقدمه من فرجات توظف خليطا من الأجناس الفنية كالرقص والموسيقى، وفنون السيرك، والألعاب البهلوانية، وصفحات من التاريخ والحياة اليومية.
أما الفرق الملتزمة سياسيا، فإنها تسعى إلى ممارسة مسرح يهدف إلى تأسيس ثقافة ديمقراطية، وإلى دعم مفهوم المواطنة أو المواطنين الذين يعيشون لحظات في “فضاء عام” وفي نطاق وحدة جماعية عابرة لمناقشة بعض المشاكل التي تهم المدينة أو البلد عبر اللعب المسرحي (مسرح أوغيستو بول مثلا).
على ضوء هذه الإشارة المقتضبة إلى مسرح الشارع في الغرب، هل يحق لنا الحديث (كما تؤشر إلى ذلك ورقة الندوة) عن تقاليد مغربية في ممارسة مسرح الشارع؟
 وهل عرف هذا المسرح تراكما جديرا بالتمثل والصيانة، وأسماء حقيقية على مستوى الممارسة؟
وهل نحن بالفعل إزاء تطور جدي لمسرح الشارع؟ وهل هذا التطور منذور للترسيخ والاستمرار؟
هل يستقيم هذا اللون مع متطلبات وإواليات الممارسة الفنية المهنية (أي الاحترافية) بالنظر إلى اعتماده – إلى حد الآن –  كلية على الدعم (نظرا لتعذر بيع التذاكر)؟
وما هي خصوصيات مسرح الشارع؟.
وأي تحديات وإكراهات؟

تصوير: محمد سعيد الدردابي

Related posts

Top