موقع الصور الفوتوغرافية والسينمائية من البحث التاريخي بالمغرب

نوقشت يوم الخميس 20 يوليوز الجاري برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية – سايس بفاس أطروحة جامعية بعنوان “الصورة والسينما في التاريخ: حالة المغرب خلال الفترة ما بين 1900 و1912″، تقدم بها الطالب الباحث بوشتى المشروح لنيل شهادة الماستر في تخصص “المغرب والمحيط الدولي في التاريخ الحديث والمعاصر”، وذلك أمام لجنة علمية مكونة من الدكتور سمير بوزويتة مشرفا ومقررا والدكتور محمد حاتمي رئيسا والأستاذ أحمد سيجلماسي عضوا. وقد توجت هذه المناقشة بنجاح الطالب الباحث بوشتى المشروح بتفوق وحصوله على الرتبة الأولى ضمن فوج ماستر هذا التخصص.
فيما يلي التقرير الذي استهل به الطالب الباحث بوشتى المشروح جلسة المناقشة، التي حضرها ثلة من زملائه الطلبة وبعض أفراد عائلاتهم، وهو عبارة عن مقدمة تضمنها البحث وخاتمة لخص فيها ما انتهى إليه من نتائج:

يعتبر الفن من الوسائل التي أرخ بها الإنسان لذاته ومحيطه، فارتباطه بوجدانه جعله يبدع ويتذوق الجمال. ومعلوم أن الفنون أنواع وأشكال كثيرة، منها المرتبط بالكتابة، ومنها المرتبط بالرسم وبالتصوير وغيرهما. فمن خلال الرصيد الفني الذي تركه الإنسان عبر القرون، يمكن التعرف على الأحداث والظواهر التي كانت محيطة بالجماعات البشرية، فالفنون عامة تعبر عن شخصية الفنان الفردية وعن شخصية المجتمع المحيط به الجماعية، لذلك فتناول الفن للأحداث التاريخية يعطيه أهمية كبيرة، فالفنان باعتباره عضوا داخل مجتمعه يقدم رؤيته الخاصة لحدث تاريخي معين، الشيء الذي يجعل عمله بمثابة وثيقة تاريخية نكتشف من خلالها بعض المعلومات التي لم ترد في المصادر المكتوبة. ومن بين الفنون التي وثقت بشكل مباشر للأحداث التاريخية، نجد الصورة الفوتوغرافية ثم السينما، فرغم حداثتهما مقارنة بباقي الفنون، فقد استطاعتا تقديم متن تاريخي وجب استغلاله من أجل كتابة تاريخية منتجة للمعرفة.

طبيعة الموضوع:

تعتبر الفوتوغرافيا والسينما من الفنون الحديثة التي تناولتها حقول معرفية كثيرة اهتمت بدراسة منتجاتهما وتحليلها والبحث في الجوانب المحيطة بها، فالصور الفوتوغرافية والسينمائية وسائل لحفظ أجزاء من الزمن وتخليدها، وبالأخص صور السينما التي استطاعت اقتطاع جزء من الزمن العام والاحتفاظ به، منتجة بذلك وثائق تاريخية تعتبر مصدرا مهما لكتابة التاريخ.
يهتم التاريخ بالبحث في الجزء الماضي من الزمن، وكتابة التاريخ تتجاوز التأريخ والتحقيب وذكر السير والبطولات، إلى إنتاج المعرفة التاريخية عن طريق فهم ودراسة الأحداث وتحليلها اعتمادا على مصادر مكتوبة وعلى الرواية الشفهية والذاكرة. وقد لوحظ عدم الاهتمام بشكل كبير بالصورة وبالفيلم السينمائي، فالصورة تأتي في الغالب كوثيقة داعمة فقط لما تم تناوله من أحداث، في حين أن الفيلم السينمائي يدرج للاستئناس فقط ببعض المعطيات دون اعتباره مصدرا من المصادر المعتمدة في كتابة التاريخ. الشيء الذي أثار نقاشا مستفيضا حول الصورة و السينما وعلاقتهما بالتاريخ و بالكتابة التاريخية.
تتجلى طبيعة موضوع بحثنا الموسوم بـ ” الصورة والسينما في التاريخ – حالة المغرب خلال الفترة ما بين 1900 و 1912″  في كونه يزاوج بين قضايا نظرية وأخرى معرفية، فالجوانب النظرية متعلقة بطبيعة العلاقة بين صور السينما والفوتوغرافيا والبحث التاريخي، على اعتبار أن التاريخ يشمل الصورة والسينما، في حين أنهما لا تشملان كل التاريخ أو كل الأحداث التاريخية، الشيء الذي فرض علينا الانفتاح على حقول معرفية أخرى كالفلسفة والسيميولوجيا والأنتروبولوجيا والسوسيولوجيا والسيكولوجيا.. بشكل خاص لمقاربة الجوانب النظرية، بالإضافة إلى البحث في أنظمة العد.
أما القضايا المعرفية فألزمتنا بتصنيف الصور وانتقائها والاشتغال عليها بمبادئ تحليل الصورة و مضمونها.
ونظرا لهذه الازدواجية في طبيعة الموضوع،  ولقلة الدراسات التي تناولته، آثرنا الإسهام في إغناء النقاش حوله من خلال ربط الشق النظري بالشق المعرفي، وذلك بتناول بعض الجوانب في تاريخ المغرب خلال الفترة ما بين 1900 و1912.
أهمية الموضوع:

تتجلى أهمية الموضوع في دراسته للصورة باعتبارها مصدرا تاريخيا يمكن أن يزود الباحث بمعطيات ومعلومات لم تذكرها المصادر المكتوبة، أو تغافلت عنها. فالصورة استخدمت في جل الكتابات التاريخية كداعم ثانوي للمضمون، فغالبا ما كانت تدرج بعد فقرات من الحديث عن موضوع ما، فيكتفي الباحث بإدراج صورة مرفوقة بعنوان أو يتم إدراجها ضمن ملحق في آخر الدراسة، فكثيرا ما كان الباحث يتحاشى تحليل الصور التاريخية و مضمونها، نظرا لما يتطلبه ذلك من انفتاح على حقول معرفية أخرى وامتلاك لحد أدنى من ثقافة الصورة و ما يرتبط بها.
ومن جهة أخرى فموضوع الصورة بالمغرب قبل سنة 1912، لم يحظ بالاهتمام والدراسة من طرف جل الباحثين المغاربة، علما أن هناك متنا فوتوغرافيا مهما خلفه مصورون أجانب زاروا المغرب خلال الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، كما أن مجموعة من الأحداث التاريخية التي شهدها المغرب تم تصويرها أو كانت موضوع تصوير، ما استوجب دراستها و تحليلها باعتبارها مصدرا من مصادر التاريخ.
تظهر أهمية الموضوع كذلك من خلال تناوله لبدايات الفعل السينمائي بالمغرب، بعيد ولادة السينما ، فجل الكتابات (بالعربية والفرنسية) لم تتطرق بشكل واف للموضوع، حيث تذكر بالكاد بضع معلومات متعلقة به، وأغلبها غير دقيقة، ما يجعل موضوع الدراسة مناسبة للبحث والنبش في تاريخ بدايات السينما بالمغرب، و التدقيق في المعطيات الموجودة، وتقديم معلومات جديدة لم تتطرق إليها أغلب الدراسات التي تناولت الموضوع.
الإشكال:

يطرح موضوع دراسة “موقع الصور الفوتوغرافية والسينمائية من البحث التاريخي بالمغرب” إشكالات وتساؤلات، يمكننا من خلال الإجابة عنها فهم العلاقة التي تربط بين الصور والبحث التاريخي والكيفية التي ينبغي من خلالها الاستفادة من المضامين التي تحملها الصور الفوتوغرافية والسينمائية وجعلها في خدمة الكتابة التاريخية. فما علاقة الصورة بالأحداث التاريخية؟ وهل يمكن اعتبار الصورة مصدرا من مصادر التاريخ؟ وما مكانتها في عمل المؤرخ؟ وكيف يتناول المصور الفوتوغرافي الحدث التاريخي ويجعل من عمله الفني وثيقة تاريخية؟ وما القيمة التي يضيفها مضمون الصورة للكتابة التاريخية؟ ومن جهة أخرى، هل كل الأفلام السينمائية تشكل مصدرا من مصادر التاريخ؟ وإذا كان الفيلم الوثائقي تسجيلا للأحداث التاريخية، فهل يمكن اعتبار الفيلم الروائي وثيقة تاريخية يمكن اعتمادها في كتابة التاريخ ؟ وكيف يتناول المؤرخ والسينمائي الحدث التاريخي؟ وهل الزمن التاريخي مشابه للزمن السينمائي؟ وكيف يمكن تحقيق الموضوعية في الكتابة التاريخية و في السينما التاريخية؟.
المنهج:

حاولنا اتباع منهج علمي يعتمد على طرح الأفكار والنصوص والصور  ومناقشة مضامينها بموضوعية ودون تحيز، وقد فرضت علينا طبيعة البحث أن نتبع منهجين: أولهما المنهج الوصفي التحليلي، وذلك من خلال عرض الأفكار والنصوص والصور والوثائق وتحليلها دون إغفال التفاصيل الصغيرة المتعلقة بها ، وثانيهما المنهج المقارن، وذلك من خلال استخراج مضامين ومعطيات من الصور والوثائق التاريخية المعروضة ومقارنتها بما تضمنته المصادر والمراجع المكتوبة، والتدقيق فيها بهدف الوصول إلى معطيات موضوعية.
الدراسات السابقة:

نشير إلى أننا لم نعثر على أي دراسة تناولت موضوع بحثنا بتفصيل، باستثناء بعض الدراسات التي تناولت أجزاء منه فقط، خصوصا فيما يتعلق بالفصلين الأولين وهما فصلين نظريين، وأغلب هذه الدراسات التي عثرنا عليها كانت بلغة أجنبية، كما أن مجموعة من الكتابات التي تناولت أجزاء من الموضوع كانت كتابات صحفية و ليست دراسات تاريخية.
الدراسة البيبليوغرافية:

اعتمدنا في هذا البحث على مجموعة من المصادر والمراجع التي ذكرناها بتفصيل في نهايته، وسنحاول في هذه الدراسة البيبليوغرافية المختصرة أن نذكر أهمها، علما أن موضوع بحثنا لم يتم تناوله بتفصيل في أغلب الدراسات العربية، واحتل مكانة ثانوية في الدراسات الأجنبية. ويمكن تقسيم بيبليوغرافية البحث وفق ما يلي:
1- القرآن الكريم.
2- مصدر غميس غير منشور يحمل عنوان: Mes Impressions De Voyage، و هو لصاحبه Gabriel Veyre، و قد حصلنا على نسخة منه، من صديقنا المخرج الفرنسي Bruno Ulmer، الذي تسلمها من السيد Philippe Jacquier حفيد Gabriel Veyre، و نشير إلى أننا بدورنا التقينا هذا الحفيد وسلمنا نسخا من جل أعمال جده سواء الصور الفوتوغرافية أو الأفلام السينمائية.
3- مصادر مكتوبة: هي عبارة عن مجموعة من الوثائق المخزنية و الدبلوماسية التي استطعنا الوصول إليها خلال بحثنا في أرشيف المديرية العامة للوثائق الملكية،     و أرشيف المكتبة العامة بتطوان، إضافة إلى وثائق موجودة في مؤسسة أرشيف المغرب. كما اعتمدنا على مصادر مكتوبة مثل : كتاب ” الإستقصا في أخبار المغرب الأقصى ”  للناصري، و” إتحاف أعلام الناس بأخبار جمال حاضرة مكناس “.
4- أرشيف الصور و الفوطوغرام: هو عبارة عن صور تسلمنا بعضها من حفيد Gabriel Veyre، و عثرنا على أغلبها في المواقع الالكترونية المهتمة بالتاريخ، أو في الجرائد و أغلبها أجنبية.
5- المراجع: يمكن تقسيمها إلى قسمين : مراجع عبارة عن كتب مستقلة ، تتضمن مواضيع متخصصة في حقول معرفية و في مجال الصورة و السينما، ومراجع عبارة عن دوريات ومجلات تناولت جوانب من موضوع بحثنا. و نشير إلى أن أغلب هذه المراجع هي باللغتين الفرنسية والإنجليزية، ما جعلنا نترجم النصوص التي اعتمدنا عليها في بحثنا.
6- المعاجم: عربية وأجنبية ، كانت ضرورية للتدقيق في مفاهيم و مصطلحات تضمنها البحث.
7- الموسوعات: كان اعتمادنا عليها بهدف طرح بعض التفاصيل المتعلقة بالبحث.
خطة البحث:

اقتضت طبيعة الموضوع أن نقسمه إلى مقدمة وأربعة فصول وخاتمة.
المقدمة: تطرقنا فيها إلى طبيعة الموضوع وأهميته، بالإضافة إلى الإشكالية التي تتمحور حولها الدراسة، ثم حددنا فيها المنهج الذي اتبعناه في دراستنا للموضوع،   و أتبعناه بالدراسات السابقة التي تناولته والدراسة البيبليوغرافية المعتمدة فيه.
الفصل الأول: عنوناه بالصورة والأحداث التاريخية وقسمناه إلى ثلاثة مباحث، تناولنا في المبحث الأول جوانب من تاريخ الصورة، وتطرقنا في المبحث الثاني إلى الصورة باعتبارها مصدرا تاريخيا، أما المبحث الثالث فأبرزنا فيه كيفية تناول المؤرخ والمصور للحدث التاريخي.
الفصل الثاني: عنوناه بالسينما والكتابة التاريخية وقسمناه إلى ثلاثة مباحث، تطرقنا في المبحث الأول إلى ميلاد السينما من خلال تتبع مسار الصورة وصولا إلى ميلاد السينما، أما المبحث الثاني فتطرقنا فيه إلى السينما باعتبارها مصدرا من مصادر التاريخ، و في المبحث الثالث أبرزنا تناول المؤرخ والسينمائي للأحداث التاريخية.
الفصل الثالث: عنوناه بالصورة والسينما بالمغرب خلال الفترة ما بين 1900 و 1912، و قسمناه كذلك إلى ثلاثة مباحث، تناولنا في المبحث الأول الصورة و السينما في المغرب قبل سنة 1900 ، وفي المبحث الثاني تناولنا الصورة بالمغرب خلال العهد العزيزي، و تطرقنا في المبحث الثالث إلى السينما بالمغرب خلال الفترة ما بين 1900 و 1912.
الفصل الرابع: عنوناه بجوانب من الأحداث التاريخية بالمغرب خلال الفترة ما بين 1900 و 1912، وقسمناه كذلك إلى ثلاثة مباحث، تناولنا في المبحث الأول الدولة المغربية في مواجهة الأطماع الأجنبية، وفي المبحث الثاني، جوانب من تاريخ المقاومة المغربية للتدخل العسكري الأجنبي خلال الفترة ما بين 1900      و 1912، وتطرقنا في المبحث الثالث لجوانب من تاريخ المغرب خلال فترة حكم المولى عبد الحفيظ.
خاتمة:

يعتبر موضوع الصورة والسينما من المواضيع التي تحتاج إلى المزيد من الدراسة والبحث، كما وجب ردم الهوة بين المؤرخ والسينمائي والمصور، وذلك خدمة للمعرفة التاريخية، فكل تخصص له ضوابطه وقوانينه، ولكن الانفتاح على حقول معرفية مغايرة، يولد حتما المزيد من الفهم للظواهر والأحداث.
شكلت الصورة والسينما ثورة في ميدان الفن، واستفاد منها التاريخ في تجديد الكتابة التاريخية وتنويع مصادرها، لذلك وجب اعتبار الصورة (الثابتة والمتحركة)  مصدرا من مصادر التاريخ شأنها شأن الرواية الشفهية والذاكرة.
ارتبط المغرب بالصورة منذ ستينيات القرن التاسع عشر، وتميز المتن الفوتوغرافي للأجانب الذين تناولوا المغرب في صورهم بتكريس الغرائبية والنظرة الاستشراقية المترسخة في أذهان الغربيين. وقد أدى تكوين اتجاهات سلبية تجاه الصورة من طرف بعض المغاربة إلى تأخر الحركة الفنية عموما والجانب المرتبط بالصورة والتصوير خصوصا. ورغم ما قام به السلطان مولاي عبد العزيز من انفتاح على الفنون، وخصوصا فن الصورة والسينما، فإن تلك المبادرة بقيت حبيسة القصر، ولم تخرج منه، كما أن اعتماده على أطر أجنبية جعل مجهوداته تتوقف بمجرد توقف خدمة المصور الأجنبي، إضافة إلى تأثير خلعه عن الحكم على مسار هذا الاهتمام بالصورة عموما.
تناولت الصحف الأجنبية مواضيع مهمة من تاريخ المغرب خلال مطلع القرن العشرين، سواء عبر الكاريكاتير أو الصور الفوتوغرافية أو الصفحات الأولى من تلك الجرائد، ما يوفر رصيدا مهما للباحث والمهتم، لذا وجب الاهتمام بتجميع هذا الرصيد وتنظيمه وتصنيفه، ثم دراسته، باعتباره يضم وثائق هامة لا غنى للباحث عنها لفهم الحدث التاريخي وما يحيط به.
وأخيرا، وجب الاهتمام بكل ما له علاقة بموضوع الصورة والسينما في التاريخ، وتخصيص مواد دراسية مستقلة لتحليل الصور والأفلام وعلاقتها بالتاريخ، من أجل تكوين جيل متسلح بثقافة الصورة، لأن التحديات المجتمعية والتواصلية مبنية على الصورة ومرتبطة بها، ألم يقل الصينيون: الصورة بألف كلمة؟

Related posts

Top