نجاح النموذج الألماني

نجحت ألمانيا في العبور بكثير من الثقة نحو إنهاء دوري كرة القدم،  لتكسب بذلك الرهان الصعب الذي اتخذته متفردة مطلع شهر ماي، بعدما قررت استئناف مسابقة الدوري، في خطوة وصفت حينها، بالقفز نحو  المجهول.
هذه الحقيقة وقف عليها كريستيان سيفرت رئيس  الرابطة الألمانية لكرة القدم، عندما اعترف بخوض معركة قوية على واجهتين، الأولى تتعلق بالأمن الصحي، والثانية محاولة إقناع الرأي العام، الذي كان ممانعا لفكرة استئناف النشاط الكروي، لكن الخيار الوحيد كان هو ما أسماه، بالكفاح من أجل تحقيق العودة السريعة.
اعتمد الألمان على بروتوكول صحي جد صارم، كما تم اتباع ما عبروا عنه ب”لوجستية عسكرية”، الأمر الذي تطلب منهم بذل مجهود إضافي من أجل إقناع اللاعبين، بصفتهم الحلقة الأهم، بعدما كان يساورهم تخوف وقلق منطقيان. 
هذا النجاح كما يفسره الألمان أنفسهم، جاء بفضل العزيمة القوية للرابطة، وتضامن أسرة كرة القدم الألمانية، وخاصة الأندية القوية منها، وفي مقدمتها البارين ودورتموند…
اعتبر هذا الخيار قبل عودة مسابقة الدوري رسميا في 16 ماي الماضي، مغامرة كبيرة، تحملت فيها الرابطة مسؤولية مباشرة، إلا أن هذه الخطوة كانت بالغة الأهمية، في سبيل إنقاذ الأغلبية الساحقة من الأندية، والتي كانت تواجه صعوبات مالية، بعد أسابيع من التوقف، جعلتها على حافة الإفلاس.
إلا أن الإصرار على العودة، والدور الذي لعبته جيوب المقاومة، أخرج القضية من إطارها الرياضي الصرف، وارتباطها بكل ما هو صحي ووقائي، ليرمي بها وسط حسابات السياسية، وهذا المنحى فرض على الرابطة الألمانية، بذل مجهود آخر  من أجل محاربة الأخبار الكاذبة، وما ترتب عن ذلك من اتهام بتزوير نتائج الفحوصات، والاشتغال بلا ضمير، وغيرها من فصول الحرب، التي شنت من طرف بعض المعارضين، رغم أنهم كانوا قلة…
نجحت ألمانيا أخيرا في تحقيق ما أخفقت فيه دولا أخرى كفرنسا مثلا، والأكيد أن هذه الخطوة المتسمة بالشجاعة، اتخذت في وقت كان هناك تردد وتخوف كبيرين، وغياب للأفق يخيم بظلاله القاتمة على القارة العجوز، ومعها بقية العالم.
جرأة ألمانيا، شجعت دولا أخرى على ركوب نفس التحدي، والإقرار بضرورة استكمال منافسات الدوري المتوقف، كما فعلت ذلك إسبانيا، إنجلترا، إيطاليا وغيرها… 
إنه النموذج الألماني المتفوق في الكثير من المجالات، والمحرك الأساسي للاقتصاد الأوروبي، المعروف بالفعالية والجودة والإتقان، إلى درجة أن كلمة “صنع بألمانيا” أصبحت سمة من سمات التميز، ومرادف للقيمة العالية وقوة التحمل، والتكنولوجيا البالغة في التطور.
وجاءت جائحة كورونا لتقدم ألمانيا الدليل مرة أخرى على نجاحها، حيث أبدعت تجربة أبهرت العالم، إلى درجة أن الجارتين فرنسا وإيطاليا، لجأتا لنقل عدد من مرضاها، للعلاج بالمستشفيات الألمانية، والسر في هذا التفوق الجرماني، يعود إلى الاعتماد على التضامن بين الأفراد داخل المجتمع الواحد،  وهي خاصية تاريخية اكتسبتها هذه الدولة العريقة، من مأساة مريرة مرت بها خلال الحربين العالميتين  الأولى والثانية.
نفس هذه الخاصية اعتمدت عليها لكسب قصب السبق في اتخاذ قرار تكملة الدوري، وجعل النشاط الرياضي، دليلا آخر على النبوغ الألماني اللافت، في وقت كان مجرد التفكير في الأمر، مغامرة محفوفة بكثير من المخاطر.
على هدي هذا النجاح الألماني، اتخذ المغرب نفس الخطوة الشجاعة، بالإعلان رسميا عن استئناف بطولات كرة القدم بكل الأقسام، بل إن الضوء  الأخضر شمل باقي الأنواع الرياضية على الصعيد الوطني، وهو قرار يحمل في ثناياه الكثير من الأهداف والأبعاد، تتجاوز الإطار الرياضي الصرف، لتؤكد أن المغرب تجاوز بالفعل المرحلة الأصعب، ويقدم نفسه كبلد اعتمد كليا على إمكانياته الذاتية، محققا نجاحا مغربيا، عجزت عن الوصول إليه دول رائدة اقتصاديا، تمتلك بنيات تحتية قوية.

محمد الروحلي

Related posts

Top