نخبة من الباحثين الأكاديميين يناقشون الإعلام الديني والأفكار التي ينبغي بلورتها لتعزيز ثقافة السلم

تواصلت أول أمس أشغال الندوة الخاصة بالفكر الحاضن للإرهاب المنظمة في إطار الدورة الأربعين لموسم أصيلة الثقافي، حيث تم تعميق البحث في الإعلام الديني ومناهج التربية الدينية والأفكار التي ينبغي بلورتها لتعزيز ثقافة السلم والاختلاف، ففي مداخلة رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية عبد الله الغنيم، اعتبر أن التربية والتعليم من بين الدعائم الأساسية لتعزيز قيم السلم والاختلاف والتعايش مع الآخر، وبالتالي هناك حاجة ماسة لإصلاح ومراجعة مناهج التربية الدينية بما يجعلها مؤسسة على السماحة وإعمال العقل في التأمل والنظر وليس على الانغلاق والتزمت، من أجل بناء إنسان حر مقدر لمبادئ الاختلاف ومتفهم لآراء الآخر ومؤمن بقيمة الحوار.
كما تطرق المتدخل للتأثير الذي تحدثه وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتبرها سلاحا ذا حدين، استغلتها التنظيمات الإرهابية لنشر فكرها المتطرف، مما يستدعي وضع برامج خاصة للتوعية بخطورة أساليبها، والمساعدة على تجنبها ومحاربتها.
وأوضح الكاتب الإيراني عطا الله مهاجراني أن انتشار ثقافة الإرهاب والعنف، راجع إلى سوء فهم النصوص الدينية، وبالتالي من الضروري إصلاح ومراجعة مناهج التربية الدينية عبر تخليصها من كل الأفكار المتطرفة في سبيل تعزيز فقه السلم والاختلاف.
واعتبر الباحث الموريتاني عبد الودود هاشم أن فقه السلم والاختلاف والتنوع حديث ذو شجون وأنه يقتضي معرفة الأسباب التي أدت إلى تأصيل فقه العنف والأحادية، وتحدث بهذا الصدد عن التحول الذي عرفه مفهوم الفقه، فبعد أن كان يعبر عن الفهم العميق للدين، صار اليوم مجرد مدونة أحكام، وصارت له إدييولوجيته وسياسته التي تقوم على اغتيال العقل وقمع النخبة المتنورة، وبالتالي لا بد من استعادة القيمة النوعية للفقه الإسلامي التي تتأسس على السلم والتعايش.
وركز الكاتب العراقي رشيد خيون على مسألة ربط الفقه الديني بالزمن، حيث أشار إلى أن المجتمعات العربية الإسلامية، على العموم، تكاد تكون خاضعة للفقه من غير ربط بالزمن ومستجداته، وأن التعاليم الدينية، الرسمية وغير الرسمية، مهيمنة بشكل لافت للنظر، فعدم ربط الدين بالزمن خلق عقبة أمام التنوير، وبالتالي لأجل بلوغ هذه الغاية، لا بد من حصر الدين في العبادة وعدم جعله يتدخل في معاملات الناس وتحديد علاقتهم بالدولة.
وتحدثت الباحثة المغربية رشيدة بنمسعود عن الإرهاب وعلاقته بالإسلام السياسي، واعتبرته ظاهرة مركبة من الصعب مقاربتها بموضوعية، حيث تتداخل فيها عدة مجالات، ودعت إلى ضرورة العودة إلى التاريخ لفهم التوجهات التي تحكمت في الإسلام السياسي، مؤكدة على أن الاختلاف بين الجماعات الإسلامية كان منذ المنطلق وهو ممتد إلى اليوم، وأن وضع حد لاستمرارية التأويل الظلامي للإسلام، ينبغي أن يمر بالضرورة عبر العمل على مشروع يقرأ التراث الإسلامي ويتمثل الثقافة الكونية، وإعمال قطيعة معرفية مع الماضي وتوفير شروط استقبال داخل المجتمع لبناء المثقف التنويري.
وتركزت الجلسة الموالية حول موضوع الإعلام وعلاقته بالخطاب الديني، ففي مداخلة رئيس مجلس أمناء مركز الحوار الوطني عبد العزيز السبيل تحدث عن أن هناك حضنا إرهابيا مسكوتا عنه يسهم في تهيئة الشباب للفكر المتطرف يتمثل في دعوة علماء إسلاميين للزهد في الدنيا وترسيخ فكرة أن الإنسان خلق ليموت، في حين أن ذلك يقوم على فهم خاطئ للنصوص الدينية حيث أنه لا يتم الأخذ بها في إطارها التعبدي، وتحدث عن الوسائل التي يتم بواسطتها نشر الفكر المتطرف وتزييف الحقائق، معتبرا أن الأنترنت لعب دورا أساسيا في ذلك وأنه تم ضبط عشرات الآلاف من الصفحات الافتراضية التابعة للتنظيمات الإسلامية الإرهابية، من قبيل داعش وغيرها. وبالتالي من الضروري وضع برنامج وقائي من التطرف يستهدف الشباب، من خلال تعليمهم الاستخدام السليم للأنترنت.
وأوضح الباحث المغربي علي بنمخلوف أن القول بأن الشريعة معطى قطعي لا يتغير، فكرة خاطئة، ذلك أن الشريعة ليست جامدة فهي تتماشى مع متغيرات الظروف، وأن من يصرون على ترسيخ تلك الفكرة الخاطئة، لديهم مصلحة في التأسيس لدوام سلطة سياسية معينة.
واعتبر الكاتب الصحافي اللبناني أحمد الزين أن حرية العقل تظل لها قيمة أساسية، ذلك أن المأساة التي نعيشها اليوم المتمثلة في التطرف باسم الدين، هي نتيجة عدم قراءة هذا الدين قراءة مؤسسة على العقل، فالشعوب العاطفية التي تجتر موروثها، من الطبيعي أن تخرج منه أصوات نشاز مرعبة تقوم على مبدأ قتل كل من يخالف ثوابتها الدينية، وبالتالي من الضروري القيام بإصلاح ديني عن طريق قراءة نقدية جريئة لمضامينه.
وتحدث بعد ذلك عن علاقة السلطة بالدين ودور الإعلام، مؤكدا على أنه تم تسخير تكنولوجية الإعلام الحديثة بكل أبعادها: الأنترنت، الفضائيات.. لفرض السلطة، وقد كان لذلك دور أساسي في استقطاب الشباب الذين ليست لديهم حصانة فكرية.
وذكر الكاتب الفلسطيني يحيى يخلف أن الفقر والجهل والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية تعد البيئة الحاضنة للفكر المتطرف والإرهابي، كما اعتبر أن هناك عاملا أساسيا في تكريس هذا الوضع يتمثل بالخصوص في تدخل بعض الدول ودعمها عن طريق إقامة ما يسمى بالفوضى الخلاقة، وتوقف عند الكيان الصهيوني باعتباره يمثل إرهاب الدولة التي تقوم على سياسة التوحش، مذكرا بأن إسرائيل تعد مستفيدة من وضع الإرهاب في العالم العربي والإسلامي، وأنها تحبذ أن يكون الصراع دينيا، لأن ذلك يساهم في تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، ويسهل عليها بالتالي تهويد القدس، غير أنه بالرغم من كل شيء ظلت القضية الفلسطينية حية، في حين أن إسرائيل توجد حاليا في عزلة، ودعا المتدخل المشاركين في هذه الندوة إلى الخروج بموقف ضد الإرهاب بكل أشكاله.
وأشار الأمين العام للمركز الإسلامي الثقافي الإيطالي عبد الله رضوان إلى أن ضبط الإعلام الديني أمر صعب ومستحيل، وعيا بأن أي مستعمل للأنترنت بإمكانه أن يصير له منبر إعلامي خارج عن كل سلطة، فقد استفاد الإعلام الديني من التكنولوجية الإلكترونية لنشر خطابه المتطرف، الذي يخدم أجندات معينة، وهو ما أفرز لنا وضعا خاصا يتمثل في أن المعلومة باتت حاضرة فيما المعرفة غائبة والحقيقة ضائعة، فقد ابتعد الإعلام الديني عن غايته الأساسية في إبلاغ رسالته الكونية.
وأوضح الكاتب المغربي مبارك ربيع أن المعتنق للدين يوجه التعاليم نحو أغراضه ويصنع القيم ويستصدرها حسب مراده، وأن التوجهات السياسية الدينية على العموم، وفي الإسلام على الخصوص لا تخرج عن الصراع على السلطة، وأنه يمكن أن نستخلص من ذلك مفهوم الإيديولوجية الدينية أو الدين عندما يصبح إيديولوجيا سياسية، ويمكن أن نستنتج أن سيرة المسلمين أو الإسلام من خلالهم، رسخ لدولة الاستبداد. وخلص من ذلك إلى أن دولة الإسلام كانت قد صنعت تقدمها وحضارتها بالتبادل والأخذ والعطاء، وهو ما يعني أن الإنسان بإرادته يستطيع أن يصنع تقدمه بالتفاعلات الحضارية الإنسانية على نهج النهوض والتقدم والارتقاء. وبالتالي إذا كنا اليوم عربا ومسلمين، نجد أنفسنا في الدرك الأسفل من التخلف، فذلك لأننا نبقى في جهل بأن صانع قيم التقدم هو الفكر والإنسان وليس الدين المجرد في ذاته ولا الإيديولوجية المجردة في ذاتها.
وخلص إلى أن التخلف ليس قدرا مقدورا على أي أمة أو دولة أو مجتمع، وأن معدل عقدين إلى ثلاثة عقود على الأكثر، يعتبر كافيا لصنع وتحقيق التقدم، والمناط في ذلك على الإصلاح والتجديد التربوي واعتماد مناهج البحث بموازاة مع مخطط التثقيف المجتمعي العلمي.
وركز الباحث الأكاديمي السوري أحمد حلواني مداخلته على الإعلام الموجه للناشئة من منظور إسلامي، لأن هذا الإعلام إلى جانب التربية والتعليم، يستطيع أن يؤهل ناشئتنا وجيلنا القادم للوصول إلى صورة صحيحة لواقع الاختلافات والتعددية المذهبية من منطلق منطقي عقلي وظروف موضوعية وأهداف مجتمعية سليمة تتماشى مع متطلبات الحياة المعاصرة. كما تحدث عن مقومات الإعلامي، وهي مقومات لا بد من توفرها عند كل متجه إلى العمل في هذا الميدان، فالإعلامي هو المتخصص في موضوع يهم المجتمع ويمتلك في الوقت نفسه المؤهلات الاتصالية والفنية لإعداد موضوعه.
وقامت الكاتبة البحرينية فدوى بن عامر بعملية إحصائية حول علاقة الإرهابيين بالمستوى التعليمي ونوع الجنس، فتوصلت إلى أن أغلبهم هم من الذكور ومن الحاصلين على الشهادات ذات التخصص العلمي وليس الأدبي، وأوضحت أن السبب في تعاطيهم للإرهاب، يعود إلى انسداد آفاق الشغل أمامهم. كما دعت إلى ضرورة إعادة النظر في أسس النظام التعليمي بجعله يتلاءم مع حاجيات العصر، عن طريق الاعتماد على آليات حديثة تشجع على الفهم والتدرب على كيفية البحث عن المعلومات الصحيحة، من أجل صنع إنسان صاحب فكر حر وله الحق في التعبير عن تفكيره.
وبدوره ألح الباحث المغربي عبد الوهاب رفيقي على ضرورة إصلاح مناهج التعليم، حيث أن هناك إيديولوحيات استطاعت النفاذ إلى المؤسسات التعليمية وإعداد المقررات الدراسية التي تبث فيها فكرها الإرهابي.
وأشار كذلك إلى أن عدم الحسم في شكل الدولة التي نريدها: عصرية أم قديمة سلطانية، أفرز هوية هشة قابلة للاستقطاب من أي تنظيم.
ودعا إلى ضرورة تربية الأطفال على كيفية التعامل الصحيح مع التراث، يقوم على أساس الإيمان بالأفكار التنويرية.
وخلص إلى أن الغلط لا يكمن في التفسير، ولا في النص ولا في المفسر، بل المشكل أنه لا يتم تربية الأطفال على أن النصوص الدينية مرتبطة بسياقها التاريخي وأنها ليست صالحة لكل العصور، مع أهمية أن تكون هذه التربية تتماشى مع مستوى مداركهم، وليس إغراقهم بأحكام فقهية.

> مبعوث بيان اليوم إلى أصيلة: عبد العالي بركات

Related posts

Top