نخبة من الباحثين يقاربون إشكالية الفلسفة والمدينة

>  ‎ محمد أمزيان (صحافي متدرب)

في إطار أنشطته الثقافية، احتضن المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، ندوة حول “الفلسفة والمدينة”، اعتبارا للمكانة التي تحتلها الفلسفة في الفكر الإنساني الثقافي، وذلك يوم الجمعة الماضي بقاعة عبد الهادي التازي، بحضور باحثين وأساتذة جامعيين، وشكلت العلاقة بين الفلسفة والمدينة والفيلسوف والعامة محور النقاش.
 وقال الباحث عز العرب لحكيم بناني، الذي ترأس الندوة وسيرها، إن دور الفكر الفلسفي يكمن في التمييز بين المصلحة الخاصة التي ترتبط بالبيت الأسري والمصلحة العامة التي تعد أساس تشكل المدينة، ذلك أن المصلحة الخاصة تفسد المدينة أو الجماعة السكانية، إذ أن المصلحة العامة هي القادرة على خلق نمط منسجم للمدينة، مستحضرا كتاب أفلاطون “المدينة الفاضلة”، كما تحدث كذلك عن الحداثة ودورها في تحديث الفلسفة، حيث ذكر الفلسفة الأرسطية بقوله إن التحديث قد تجاوزها، إلا أنها ورغم ذلك بقيت حاضرة في ذهن الكثيرين وخصوصا السياسيين الرومانسيين.
 ومن جانبه استحضر الباحث محمد الدكالي فلسفة أرسطو في تنظيم المدينة من خلال الوقوف على رغبة الناس في السعادة والمتعة حيث أوضح أن الناس يتجمعون داخل فضاء المدينة ليعيشوا، لكنهم يواصلون العيش فيها “ليتمتعوا بالحياة”، غير أن هذه المتع مشروطة بإيجاد أرضية وسطى توفق بين رغبات كل الأفراد المشكلين للمجتمع، حيث أعطى الباحث نظرته على الفلسفة والمدينة من ناحية السعادة والابتهاج التي يطمح إليها المجتمع، وأشار الدكالي في ختام تدخله، أن الفلسفة باعتبارها فكرا متقدما يجب أن تساهم في تقديم أفكار مدعمة للشأن العام، مشددا على ضرورة الاعتماد عليها بدل تهميشها واعتبارها فكر مجرد.
 ومن جانب آخر عرج الباحث والأستاذ الجامعي عادل حدجامي على العلاقة التي تربط الفيلسوف بالمدينة، حيث أبرز في هذا الصدد علاقة الكراهية المتبادلة بينهما، حيث قال إن الفيلسوف يكره المدينة والمدينة تكره الفيلسوف، فالمدينة تحتاج لثقافة تؤسس لها، في حين أن الفيلسوف يرى في المدينة نمطا مجتمعيا يقيد التفكير الحر، فالفيلسوف يحاول دائما أن يسير عكس الكثيرين، وأشار الباحث كذلك إلى أن العيش داخل الجماعة السياسية يحتاج إلى حد أدنى من التواطؤات، كما يحتاج إلى عدة توافقات ومشتركات أخلاقية، الأمر الذي لا يؤمن به الفيلسوف ولا يهادنه.
 وفي ذات الطرح استرسل الباحث نبيل فازيو في الحديث عن علاقة الخصام التاريخية التي تجمع بين الفلسفة والمدينة  حيث يرى أن أفلاطون، بإنشائه أكاديميته اختار الانزواء عن الشأن اليومي، مستحضرا الفيلسوفة الألمانية حنا أرنت التي قالت إن الفلسفة انكفأت على نفسها بينما هي مدعوة إلى الانخراط في إيجاد أجوبة على المستوى التأملي والسياسي والأخلاقي، كما طرح الباحث عدة أسئلة جوهرية يتساءل فيها عن دور الفلسفة في تقديم فهم مفيد لمجال الحياة التنشيطة، ودورها في تغيير بعض الأفكار، مسترجعا الفلسفة اليونانية القديمة ومحاولا في ذات الآن ربطها بالحاضر وما تعيشه الفلسفة.
 هذا واختتمت الندوة ببعض تعليقات الجمهور الحاضر الذي أشاد بدور المعرض الدولي للكتاب في خلق نقاش فعال في مختلف المجالات خصوصا الندوة التي خصصها للفلسفة باعتبارها فكرا راقيا.

Related posts

Top