ندرة الكتب الموسيقية في المكتبة المغربية

من خلال إلقاء نظرة على رفوف أغلب مكتباتنا، يلفت انتباهنا شبه غياب الكتب المتعلقة بالموسيقى، مما يترجم حقيقة كون الباحثين المغاربة في هذا المجال لا يعنون بطبع إنتاجاتهم العلمية والنقدية.
من المعلوم أن الإنتاج الموسيقي والغنائي المغربي قد قطع أشواطا بعيدة وحقق تراكما لا يستهان به، هذا التراكم الذي يشمل اتجاهات متعددة، علما بأن رصيدنا من هذا الإنتاج يتسم بغناه وتعدده، سواء ما تعلق منه بما هو تراثي أو معاصر.
وبالتالي من غير المنطقي بتاتا أن لا يتم مواكبته ببحوث نقدية وعلمية، لسبر أغواره والتعريف بما ينطوي عليه من قيمة فنية وجمالية.
هناك ورش كبير لا يزال بانتظار الباحثين المهتمين بالمنتوج الغنائي المغربي، يشمل الدراسة والتوثيق والتصنيف.. إلى غير ذلك من الآليات التي تساعد في مقاربة ما تم إنتاجه من أعمال في مجال الغناء والموسيقى، على امتداد سنوات لا يستهان بها.
إن ما تعرضه المكتبة المغربية من إصدارات نقدية وعلمية ذات الصلة بالموسيقى والغناء، لا تعكس بتاتا حجم ما تم إنتاجه بهذا الصدد.
إن البرامج الإذاعية والتلفزية التي تهتم بمجال حديثنا لا يمكن أن تعوض ما يفترض أن يصدر من كتب في هذا المجال. بصرف النظر عن قيمة ما يقدمه المنتوج الإعلامي.
المثير للانتباه أن أغلب الكتب المتعلقة بالموسيقى التي أغنت المكتبة المغربية، يقف وراءها أفراد، بمعنى أن المؤسسة الحكومية أو تلك التابعة للقطاع الخاص، التي من المفروض أن تضطلع بهذه المهمة، من خلال تكليف فريق عمل لأجل مواكبة ما يتم إنتاجه من أعمال موسيقية وغنائية، بالدراسة والبحث، تقاعست عن فعل ذلك، وكان من نتائجه إهذار زمن لا يستهان به، يصعب استدراكه، سيما مع تواصل الإنتاج الفني، وإن كانت وتيرة هذا الإنتاج قد ضعفت خلال العقود الأخيرة، بسبب عدة عوامل، لا مجال للتفصيل فيها.
لكن يظل الشيء الأكيد هو أن الكتب المتعلقة بالمجال الموسيقي والغنائي، الصادرة حتى الآن، تعد شحيحة، كما أنها أتت انطلاقا من مبادرات ومجهودات فردية.
هناك باحثون أكاديميون يعدون على رؤوس أصابع اليد الواحدة، قد تحملوا مشاق إصدار مؤلفاتهم العلمية، كما هو الحال بالنسبة لأحمد عيدون: موسيقى المغرب، والنوبة، والموسيقى الأمازيغية المغربية.. وسواها من المؤلفات العلمية.
كما أن عبد الجليل ناظم له كذلك مجموعة من المؤلفات في مجال البحث الموسيقي..
فضلا عن ذلك نجد بعض الموسيقيين قد انخرطوا بدورهم في مجال التأليف والنشر، كما هو الشأن بالنسبة لعازف آلة القانون المرحوم صلاح الشرقي، الذي خلف كتبا قيمة بهذا الخصوص، وأغلبها يحمل طابعا تعليميا تربويا:
القانون في الموسيقى المغربية، المستظرف في قواعد الفن الموسيقي، أضواء على الموسيقى المغربية، الإيقاع والمقامات، ثلاثي- رباعي- خماسي.. إلى غير ذلك من المؤلفات.
وهناك من الفنانين الذين انشغلوا بتوثيق مذكراتهم بمساعدة إعلاميين في غالب الأحيان، والبعض الآخر اكتفى بطبع النصوص التي قام بأدائها، يحضرني بهذا الخصوص عضو فرقة ناس الغيوان الفنان عمر السيد الذي صدر له قبل حوالي عقدين؛ كتاب اشتمل على أغلب ما أدته هذه الفرقة من أغاني، منذ تأسيسها إلى حين تاريخ صدور ذلك الكتاب.
إذن، الكتب المتعلقة بمجال الموسيقى والغناء، تعد قليلة من حيث العدد، ومحدودة من حيث مجالات البحث التي انخرطت فيها.
وبالتالي، يظل من الملح إعادة الاعتبار للإنتاج الغنائي والموسيقي بالمغرب، من خلال مواكبته بالبحث والدراسة، والعناية بطبع هذا المنتوج العلمي والنقدي في كتب ورقية وإلكترونية على حد سواء، حتى تتعرف الأجيال الحالية والقادمة على قيمة ما أنتجه المغرب من أغاني وإيقاعات موسيقية.

> بقلم: عبد العالي بركات

Related posts

Top