ندوة تقارب دور المكون اليهودي في تاريخ المغرب

محمد برص: الفعل الثقافي لعدد من الشخصيات اليهودية في الحزب الشيوعي المغربي ساهم في بلورة منظور مجتمعي مغربي في ظل مفهوم المواطنة 

ادريس اعبيزة: ضرورة إعطاء مساحة معتبرة لدراسة التراث العبري الذي يعتبر مكونا من مكونات الثقافة المغربية

اعتبر أمين الكوهن: إقدام الدولة على إعادة هيكلة الجماعة اليهودية يحمل في طياته كثير من عناصر الإجابة على سياسة الدولة تجاه يهودها

شكلت ندوة ” المكون العبري والهوية المغربية” التي نظمت مساء يوم الاثنين الماضي، في إطار فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته 28 بالرباط، عنوانا عريضا لمغرب متميز بتمازج ثقافة شعبه الأمازيغية الإسلامية واليهودية وعمقه التاريخي الحضاري على هذا المستوى، حيث غاصت مداخلات الأساتذة المحاضرين في جوانب ترتبط بدور المكون السكاني اليهودي في تاريخ المغرب، سواء على المستوى الثقافي والاجتماعي، والاقتصادي والسياسي، وامتداد هذا الدور  إلى المستوى العالمي  في التأصيل للمنظور المغربي من خلال المغاربة اليهود المثقفين الذين عاشوا حياتهم في المغرب أو الذين يوجدون في المهجر ،كما قاربت المداخلات تعاطي الدولة ورهاناتها في الوقت الحالي مع هذا المكون والذي يجسده إعادة هيكلة الجماعة اليهودية عبر إصدار ظهير جديد السنة الماضية.

و دعا المحاضرون في الندوة التي عرفت مشاركة وازنة لفعاليات أكاديمية، ويتعلق الأمر بالأستاذ أمين الكوهن، الباحث في تاريخ العلاقات بين المسلمين واليهود بالمغرب، و الدكتور محمد برص، أستاذ التاريخ المعاصر مختص في تاريخ الأحزاب الوطنية والمغاربة اليهود،عضو الجمعية المغربية للبحث التريخي، والدكتور ادريس اعبيزة، أستاذ اللغة العبرية ومقاربة الأديان والأدب المقارن بكلية الأدب التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، إلى عدم التعاطي مع موضوع المكون العبري بنوع من الاحتفالية بل عبر طرح الأسئلة بشأن تاريخ  اليهود، واستدراك فراغات التأريخ ،خاصة أن الكتابات الخاصة بتاريخ المغرب غيبت الرصيد الوثائقي للأرشيف الذي خلفته الطائفة اليهودية.

ونادى ادريس اعبيزة، في هذا الصدد إلى تغيير المقاربة في التعاطي مع موضوع المكون العبري بإعادة الاعتبار للغة العبرية التي هي فرع من اللغة العربية وإعطاء مساحة معتبرة لدراسة التراث العبري الذي يعتبر مكونا من مكونات الثقافة المغربية، وذلك من خلال الرصيد الوثائقي للمكون اليهودي،و للأدباء اليهود من أصول مغربية الذين استمروا في تشبثهم بهويتهم المغربية التي تنعكس في نصوصهم الإبداعية، والتي نقلوا من خلالها التقاليد والثقافة المغربية إلى حيثما هاجروا عبر العالم.

ومن جهته، اعتبر أمين الكوهن، إقدام الدولة على إعادة هيكلة الجماعة اليهودية عبر إصدار ظهير تنظيم الطائفة اليهودية المغربية وإحداث مؤسسة الديانة اليهودية المغربية” ، بأنه يعد نقلة نوعية بالنسبة للجماعة اليهودية ويحمل في طياته كثير من عناصر الإجابة على سياسة الدولة تجاه يهودها ومعالجة إشكالية يهود الداخل والخارج، وذلك لكونه”استحضر تاريخ الوجود اليهودي بالمغرب، سياسة وثقافة وخصوصيات دينية، بل كان مستوعبا للوقائع والأحداث في سياقاتها، وحاول أن يغطي الكثير من الفراغات الناتجة عن التحول الديمغرافي الذي عرفته الجماعة اليهودية، وتجاوزه نحو منحها مهام وظيفية، وذلك من خلال الأدوار التي أناطها بها، كما أنه يعمل على إدماج الجماعة باعتبارها آلية وطنية للدفاع عن المصالح العليا للبلاد “، وفق توصيف الكوهن.

ولفت الكوهن في هذا الصدد إلى أن إعادة هيكلة الجماعة اليهودية بالمغرب، سيعرف الكثير من التحديات، لهذا كان المشرع حذرا عندما أشار إلى أن اشتغال هذا الظهير هو على المدى المتوسط، موضحا بالقول “إن ارتباطاتها وولاءها متعددة ومتفاوتة بين يهود الداخل (القاطنين بالمغرب) وهم أقلية، ويهود الخارج الذين يمثلون قوة عددية، ويمكن لمشاكل وأوضاع الشرق الأوسط أن تغير مسارات أولوياتهم، كما يمكن لمشكل الصحراء أن يصبح مرتهنا وأداة مزايدة من طرف قوى لها مصالح متدبدبة، لكنه يبقى أساسي في فهم الارتباط بين اليهود المغاربة، وحل المشاكل العالقة بينهم، مثيرا تساؤلا حول مدى إمكانية الظهير في التأثير على الصراع العربي-الاسرائيلي “، وفق تعبير الأستاذ الكوهن.

وبخصوص مضمون الظهير، أورد المحاضر، أنه تم فيه التنصيص على إحداث ثلاثة مؤسسات جديدة للجماعة اليهودية، مستقل بعضها عن البعض، لكن تلتقي في الكثير من التقاطعات، وتتمثل في المجلس الوطن ، مؤسسة الحاخام وجمعية مؤسسة الديانة اليهودية، كما ينص على إصدار أربع قوانين داخلية تهم كلا من المجلس الوطني، الحاخام الأكبر للمملكة، ولجنة اليهود المغاربة بالخارج، ثم مؤسسة الديانة اليهودية.

وأوضح بخصوص الأدوار المنوطة بهذه المؤسسات حسب منطوق الظهير،حيث جعل المجلس الوطني للطائفة اليهودية بالمغرب، في مرتبة العقل المدبر بل والمنفذ لكثير من القضايا التي تهم يهود المغرب، بل يمكن القول أن قضايا اليهود قد تم تفويتها لهذا المجلس، بدل مجالس الجماعات المحلية الذي كان معمولا بها منذ ظهير 1918، والذي لم يعد لها معنى تشريعي مادامت أغلب الجماعات قد اضمحلت.

ويتشكل هذا المجلس وفق المادة 14 من الظهير، بطريقتين،  التعيين الملكي بالنسبة ل 12 عضو، ثم  عبر إجراء انتخابات جهوية ل 12 عضو آخر من طرف اليهود المسجلين في لوائح انتخابية، وسجل الكوهن حجم الرهان المطروح على هذا المجلس ، يتبدى من خلال الحيز الكبير المخصصة من مواد الظهير لهذه المؤسسة، والتي تشمل جوانب تكوين المجلس والمهام المنوطة به وطرق تسييره ، فضلا  عن تخصيصه في هذا الإطار لمواد تهم لجنة اليهود المغاربة بالخارج التابعة للمجلس السالف ذكره.

وأضاف أن الظهير أفرد حيزا مهما لمؤسسة الحــاخــام الأكـبـــر للمملكة، علما يشير المتحدث أن وضعية الحاخام كانت دائما موضع تقدير واهتمام، ويعتبر دائما هو الفيصل في كل ما يتعلق بالقوانين الداخلية للجماعة اليهودية بالمغرب، وذلك بالنظر لأهمية هذه المؤسسة في الحفاظ على كل ما هو مرتبط بالقضايا الدينية، باعتباره المرجع الأولى، والذي يحوز صلاحية إصدار الفتاوي في كل ما يرتبط بالأحوال الشخصية من إرث وزواج وطلاق. 

كما خص الظهير مواد منه لإحداث «لجنة اليهود المغاربة بالخارج»، وهي لجنة موضوعاتية تابعة للمجلس الوطني، مهامها ترتبط بالتعريف على المستوى الدولي، بالتراث وبالإشعاع العقائدي الثقافي للديانة اليهودية المغربية، في ثرائها وتنوعها والدفاع عن المصالح العليا للأمة في جميع المجالات، بالإضافة إلى الترويج لصورة المملكة بالخارج وإشعاعها، بل منح لها في إطار الظهير القيام بمهام وظيفية عبر إمكانية التصرف في قضايا تحتاج حيوية تتجاوز البيروقراطية الادارية.

كما أفرد الظهير مواد إحداث مؤسسة الديانة اليهودية، والتي يمكن اعتبارها وفق تعبير الأستاذ الكوهن، مؤسسة ثقافية مادام المشرع حصر مهامها على الخصوص في«النهوض بالتراث اللامادي اليهودي المغربي والاعتناء به وصيانته والمحافظة علي تقاليده وخصوصيته واستمرار ارتباطه الثابت والمنتظم بالمغرب زمنيا وروحيا”.

وأورد أن المشرع ربط مهام مؤسسة الديانة اليهودية في النهوض بالتراث اللامادي اليهودي، سواء تعلق الأمر بالمتاحف اليهودية، أم بالمقابر والبيعات، ملفتا بالقول” ربما سيكون هذه المؤسسة بديلا لمؤسسة غير رسمية  قائمة لحد الآن وهي« مؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي»،وهي المؤسسة الوحيدة التي ستكون مفتوحة في وجه المغاربة غير اليهود”.

ومن جانبه اختار محمد برص مقاربة المكون العبري في تاريخ المغرب الثقافي بين إشكالية التأريخ ومطلب الموضوعية، حيث استعرض مختلف المراحل التاريخية للمغرب وحضور الطائفة اليهودية سواء داخل المجتمع أو على المستوى السياسي وصولا إلى دواليب السلطة والقرار وتجليات ذلك على المستوى الثقافي.

واستحضر في هذا الجانب الآخر  أسماء وقامات من المثقفين اليهود التي بصمت تاريخ المغرب الثقافي المعاصر ، وأحد تمظهراته  ضمن الحقل السياسي المغربي تحديدا، واشار في هذا الصدد إلى تجربة إدمون عمران المالح ضمن ما يمكن التعبير عنه ب”مفهوم الثقافة السياسية”، وفق تعبير المحاضر.

واستعرض في هذا الصدد تجربة العمل السياسي الذي خاضه  إدمون عمران المالح الذي انخرط مبكرا في الحزب الشيوعي، وتبنى مبادئه التي زاوجت في اهتماماتها ما بين القضايا المحلية والدولية، حيث لعب إدمون عمران المالح دورا قياديا ، حسب شهادة المناضل الراحل الكبير “سيمون ليفي، دور انسجم مع التحولات التي عرفها الحزب في إطار تطوره التاريخي من مرحلة إلى أخرى. كما ساهم عمران المالح في النقاش الدائر حول إصلاح لجن الطوائف اليهودية .

واضاف المتحدث مشيرا إلى أن الحضور الوازن لإدمون عمران المالح في الحزب الشيوعي ،تعد أحد تجلياته الاستقبال الذي حظيت به هيئته التمثيلية يوم خامس دجنبر من العام 1955، من طرف السلطان محمد بن يوسف بقصره بالرباط. وهي هيئة كانت تتألف من أهم العناصر القيادية في الحزب من مسلمين ويهود، إذ ضمت كلا من :  عبد السلام بورقية وعبد الله العياشي وعبد الكريم بن عبد الله وإدمون عمران المالح والحداوي مرشيش.

ونبه الدكتور برص، إلى أن الوقوف عند عدد من الشخصيات اليهودية المغربية، في مرحلة بعد الاستقلال، يبرز قيمة الفعل الثقافي لتلك العناصر في بلورة منظور مجتمعي مغربي في ظل مفهوم المواطنة، غير أن الفعل السياسي كان عاملا مؤثرا في إقصاء تلك الجهود، خاصة أمام الصراعات السياسية التي عرفها المغرب بعد الاستقلال ما بين عدد من الفرقاء السياسيين.

وأوضح  في هذا الصدد بالقول” إن تلك الصراعات تم الاهتمام بتدوينها بشكل أو بآخر، بينما ظل الحضور الثقافي المغربي اليهودي والمسلم على حد سواء مغيب في الكتابات التاريخية للفترة، من قبيل دور النخب المغربية لمرحلة ما بعد الاستقلال في الحفاظ على بناء الدولة المغربية، خاصة أمام الفراغ المهول الذي تركته الأطر الفرنسية التي كانت تعمل بالمؤسسات المغربية، بما في ذلك المهتمة بالشأن الثقافي”.

فنن العفاني

Top