ندوة دولية حول “آليات تدبير مرفق النيابة العامة ” نظمتها رئاسة النيابة العامة

في إطار برنامج التعاون  بين رئاسة النيابة العامة ومجلس أوربا حول موضوع “آليات تدبير مرفق النيابة العامة “، احتضنت  مدينة الرباط، يوم الخميس الماضي، ندوة  دولية، ترأسها محمد عبد النباوي الوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة، و حضر افتتاح أشغالها على الخصوص مصطفى فارس الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الرئيس الأول لمحكمة النقض، محمد أوجار وزير العدل، خوسي لويس إيريرو رئيس مكتب مجلس أوروبا بالمغرب، سيدريك فيسار دو بوكارمي الرئيس السابق وعضو المجلس الاستشاري للوكلاء الأوروبيين، وقضاة النيابة العامة والوكلاء العامون بالمملكة وخبراء دوليون.وناقشت هذه الندوة أربعة محاور كبرى يهم المحور الأول، الإطار المؤسساتي الملائم لاستقلال النيابة العامة واستقلالية تدبيرها المالي، وتناول المحور الثاني، حسن تدبير حاجيات مؤسسة النيابة العامة وآليات التدبير الحديثة، فيما ركز المحور الثالث على التدبير الخاص برئاسة النيابة العامة بصفتها السلطة المكلفة بالإشراف على عمل النيابة العامة بالمحاكم ، بينما سلط المحور الرابع الضوء على اعتماد مبدأ الشفافية وإطلاع الرأي العام على المهام التي تضطلع بها رئاسة النيابة العامة. الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الرئيس الأول لمحكمة النقض مصطفى فارس
أكد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الرئيس الأول لمحكمة النقض مصطفى فارس، أن السلطة القضائية تسير في مسارها الصحيح، وذلك بعد محطتي 6 و7 أكتوبر2017، تاريخ فصل رئاسة النيابة العامة عن السلطة الحكومية.وأبرز فارس في افتتاح أشغال هذه الندوة الدولية، أن ما حققه المغرب من مكتسبات على مستوى السلطة القضائية، يعد نتاج التراكمات التي أفرزتها إصلاحات وأوراش كبرى ساهم فيها الجميع، على امتداد السنوات بكل مواطنة ومسؤولية. وقال إن التحدي تمثل في إيجاد نموذج مغربي لاستقلال السلطة القضائية بكل مكوناتها وهياكلها، “نموذج ملائم من جهة لنظامنا القضائي وبنيته ومنسجم مع خصوصية الواقع المغربي ومنفتح من جهة أخرى على كل التجارب العالمية الرائدة والممارسات الحقوقية الفضلى”، مضيفا أنه “نموذج ولد بعد مخاض صعب شاق من أجل إيجاد تصور واضح ملائم مقبول ومنسجم مع واقع ديناميكي ومجتمع تواق إلى نيابة عامة مستقلة شفافة متشبعة بروح حقوقية كبيرة، وقادرة على تفعيل مضامين الوثيقة الدستورية ومقتضيات المنظومة القانونية ومستعدة لتحمل المسؤولية في إطار من المحاسبة والتقييم دون أي حرج أو ضيق”.وبعد أن أكد على ضرورة تكريس الثقة والشفافية والنجاعة وفتح آليات الحوار والتواصل داخليا وخارجيا، أبرز أهمية هذه الندوة الدولية، التي تؤكد الإرادة الحقيقية للسلطة القضائية بالبلاد من أجل التدبير الأمثل لمرحلة التأسيس، مشيرا إلى أن اختيار ” آليات تدبير مرفق النيابة العامة” كموضوع محوري أساسي يعد في مآلاته جوهر الرسالة التي من أجلها وضعت السلطة القضائية، خصوصا مؤسسة النيابة العامة وكيفية خدمة المتقاضين في مجال حماية الحقوق والحريات داخل المجتمعات الديموقراطية.واعتبر فارس أن هذه التساؤلات تختزل الكثير من التدابير ذات الطبيعة الإدارية والقانونية والتنظيمية وتدعو لاعتماد قواعد الحكامة لتدبير مختلف الإشكالات برؤية عصرية ومقاربة منفتحة، تضمن الاستقلال الحقيقي للسلطة القضائية الذي يعد في المقام الأول والأخير حقا للمواطن وليس امتيازا للقضاة، وهو موضوع يضيف السيد فارس، يثير العديد من الإشكالات ذات الطبيعة اللوجستيكية والمالية والتقنية ويستدعي توفير كفاءات بشرية خاصة واكتساب خبرات جديدة في الإدارة والتدبير القضائي لمواجهة متطلبات المرحلة القادمة بكل احترافية وشفافية ومهنية.وأكد الرئيس الأول لمحكمة النقض بالمناسبة على دور قضاة النيابة العامة عبر العالم، الذي كان وسيبقى في صلب انشغالات السياسيين، والقانونيين، والحقوقيين والرأي عام لارتباطه بمجالات حيوية ذات أبعاد مختلفة، تتقاطع مع عدد من السلط والمؤسسات والجهات، مجددا التأكيد على الالتزام بتوفير كافة الضمانات والدعم لقضاة النيابة العامة ليؤدوا مهامهم في أحسن الظروف ويكونوا في مستوى الرهان والتحدي.

وزير العدل محمد أوجار
ومن جهته، أكد وزير العدل محمد أوجار، أن استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية لم يكن وليد الصدفة، بل كان محل نقاش مستفيض وطويل عاشه الحوار الوطني العميق والشامل لإصلاح منظومة العدالة الذي شهدته البلاد على مدار سنتين تنفيذا للتعليمات الملكية.أوجار أوضح، أيضا، أن عراقة مؤسسة النيابة العامة التي لا يخلو منها أي نظام قضائي ونبل رسالتها ،يفرض توفير السبل الكفيلة لإنجاح مهامها سواء على المستوى الجنائي أو خارجه، خاصة في ظل ما تعيشه من تحديات ورهانات كبيرة، منها تزايد خطر الجريمة الذي تطور كما وكيفا وتجاوز الحدود.ودعا أوجار إلى ضرورة التحديد الدقيق لاحتياجات النيابة العامة، من أجل إعداد ميزانية وفق حوار تدبيري وحسب الوسائل والإمكانيات المتوفرة، كما أوضح أن وزارة العدل اتخذت  مجموعة من التدابير للمساهمة في التدبير الأمثل والناجع لآليات العدالة الجنائية وعلى رأسها النيابات العامة، من خلال تسريع وتيرة المصادقة على مشروع قانون نقل اختصاصات وزير العدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض الذي حاز مصادقة البرلمان، وهو القانون الذي تم بمقتضاه منح رئاسة النيابة العامة مجموعة من الأدوات و الآليات التدبيرية لضمان أداء مهامها على الوجه الأمثل ولاسيما ما يتعلق بإحداث بنيات إدارية ومالية وتقنية مع رصد اعتمادات مالية ومنح رئيسها صفة الآمر بالصرف وصلاحية توظيف الموارد البشرية والاستعانة بخبراء ومستشارين خارجين.
رئيس مكتب مجلس أوربا بالمغرب خوسي لويس إيريرو
من جانبه، أكد رئيس مكتب مجلس أوربا بالمغرب السيد خوسي لويس إيريرو، أن المرحلة الحالية مهمة بالنسبة للعدالة المغربية، خاصة النيابة العامة، بالنظر إلى تنصيب مجلس جديد للسلطة القضائية ودخول قانون نقل اختصاصات السلطة الحكومية لرئاسة النيابة العامة حيز التنفيذ، معتبرا أن هذا التطور مهم ويتماشى لا محالة مع قيم مجلس أوروبا، لا سيما في ما يتعلق باستقلال القضاء. وأبرز إيريرو، أنه تم من خلال هذه الخطوة تحسين الإطار المؤسساتي، مضيفا أنه لا تزال هناك ضرورة للتطبيق الفعلي وتطوير العقليات والممارسات، “وهو الأمر الأصعب”. وأضاف أن ممارسة الاختصاصات في مجال التسيير تعطي مسؤوليات إضافية للمسؤولين القضائيين وتساهم بشكل ملحوظ في تحسين استقلالية النيابة العامة. وسجل أن هذه الندوة، التي تعد أول نشاط ينظمه برنامج دعم الإصلاح بقطاع العدالة ( اللجنة الأوربية من أجل فعالية العدالة) مع النيابة العامة، تروم التفكير بشكل مشترك في تدبير وسائل النيابة العامة، مؤكدا أن التحول في اتجاه مسؤولية أكبر للهيئة القضائية في تدبير وسائلها حظي بتقدير عدد من بلدان مجلس أوروبا وبلدان الجوار، كما يعد دليلا على رغبة الحكومة في وضع ثقة أكبر في القضاء، وتمكينه من مسؤولية إدارة اهتمامات الممارسين. واعتبر أن هذا التحول يتطلب من مسؤولي العدالة انخراطا حقيقيا على مستوى التدبير والتنظيم، وإرادة للتكوين وتلقي العناصر الأساسية للتدبير، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بمهنة جديدة يتعين على الوكلاء العامين للنيابة العامة تعلمها، كما يتعلق بانشغال تقريب القضاء من المواطنين وجعله أكثر مرونة وسرعة وشفافية.
الوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة محمد عبد النباوي
 أكد الوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة محمد عبد النباوي ،أن الاطلاع على مختلف الممارسات الدولية الفضلى في مجال تدبير مؤسسة النيابة العامة وعلى تجارب دول أخرى كان لها السبق في اختيار تبني استقلال النيابة العامة .وأبرز عبد النباوي في افتتاح أشغال هذه الندوة الدولية، أهمية هذا اللقاء الذي يشكل فرصة للاستفادة من تجربة الخبراء الدوليين في مواضيع مرتبطة بتنمية القدرات المؤسساتية في المجالين التدبيري والميزانياتي انطلاقا من الرأي الاستشاري رقم 7 للمجلس الاستشاري للوكلاء الأوروبيين لسنة 2012، وكذا من خلال استعراض الآليات الحديثة لتدبير مرفق النيابة العامة والمبنية على مؤشرات تخول تحديد الأهداف وقياسها ثم تقييم نتائجها على نحو يمكن من إضفاء الشفافية على عملها.وأشار إلى أن اللجنة الأوروبية لفعالية العدالة والمجلس الاستشاري للوكلاء الأوروبيين تعد خير شريك وخبير يمكن الاعتماد عليه للانفتاح على التجارب الدولية المقارنة، من أجل اختيار أحسن السبل لتطوير القدرات المؤسساتية لرئاسة النيابة العامة المغربية. وأكد الوكيل العام للملك أن اضطلاع مؤسسة النيابة العامة بالمملكة المغربية بدورها رهين بتمكينها من الوسائل المادية واللوجستيكة والبشرية الضرورية لحسن سيرها، مسجلا أن الاستقلال المؤسساتي والحياد الفعلي للمؤسسة، يقتضيان لزوما ضمان استقلال هيكلي ثم استقلال وظيفي وآخر ميزانياتي. من جهة أخرى، أكد أن تأسيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية وإنشاء مؤسسة رئاسة النيابة العامة يعتبران حدثين تاريخيين يؤسسان البناء الديمقراطي الحديث لدولة الحق والقانون، ويضعان المغرب في طليعة الدول التي اختارت تنزيل مبدأ فصل السلط مع ضمان توازنها وتعاونها في نفس الوقت. وأضاف أن رهان تفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية يتطلب منا جميعا حشد الهمم وعدم التراخي في البناء المؤسساتي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، مضيفا أن “إرادة المملكة المغربية ملكا وشعبا اختارت الرقي بالقضاء إلى سلطة مستقلة، سلطة قوية قادرة على حماية الحقوق والحريات وتطبيق القانون بكل حياد وتجرد”.

حسن عربي

Related posts

Top