« نزهة في أرض المعركة».. محاولة لكشف قيمة الحياة الجوهرية وتذكير الفرد بحقيقته

> منى سعيدي/ الجزائر
حين يجسد عرض مسرحي ويلات حرب مأساوية، فهو يعبر عن رموز وعلامات إيحائية، تكشف لنا مدى فرارنا من واقع يسوده تشوهات لا مقدرة لنا عن مجابهتها ومواجهتها خاصة في مجتمع يحمل ثقافات مغايرة عن الأخرى.
عرضت مسرحية “نزهة في أرض المعركة” من إعداد وإخراج محمد مؤنس، مقتبسة عن نص لفرناندو أرابال، في قالب كوميدي ساخر طرح العديد من القضايا السوسيو – سياسية، وجعل شخوصه ينفسون عن مكبوتات وخلجات نفسية تبحث عن هويتها، لأن ثمة حروبا عانت منها الشعوب، ولا تقتصر على الدمار المادي فقط الذي آلت إليه البشرية، وإنما حروب أهلية فكرية على الصعيدين السياسي والاجتماعي.
هذه الفكرة بلورها المعد في صبغة جمالية نحت نحو منحى اغتراب الوعي والفكر وغربتهما.. اغتراب الوجدان في أرض يشوبها تناقض الأفكار، وإرغام الأفراد والتحكم في مصيرهم، والفساد الأخلاقي والخيانة والتشتت الأسري.
هذا ما دفع بالمخرج إلى تعرية الواقع، بدلالات تصور عرض “نزهة في أرض المعركة”، والإسهام في كشف قيمة الحياة الجوهرية وتمظهراتها في إرجاع وتذكير الفرد بحقيقته وبعالمه.
وللتقرب منه، وظف المخرج لغة مزدوجة في العرض المسرحي، لغة فصيحة ولغة عامية مغربية، باعتبارها العنصر الأساسي لبنية العرض المسرحي.. الهدف من هذا هو الغوص في أحاسيس المتلقي والانسجام معه والتعبير عنه، إلا أن لغة العمل المسرحي لا تخلو من بعض الهنات التي يجب التنبيه إليها نحو “قنابل لطيفة، شم رائحة القنابل…” وغيرها من الألفاظ.
    جسدت الشخصيات أدوارها بجماليات حركية وجسدية تصارع شعورها النفسي وهروبها من الواقع المهمش التعس والتوجه إلى نزهة في مكان بائس، وهذا التناقض يوضح مدى يأس الأفراد من الوضع الراهن الخالي من المشاعر الإنسانية، وهذا ما نلحظه من خلال المشهد الأول من العمل المسرحي عند رؤية الممثلين جثث القتلى وهما يضحكان على المنظر “قتلى وجرحى، طفل رجله مقطوعة، أمه المسكية،…”، وهنا يتضح انعدام الإنسانية وزوالها من مشاعر الأفراد أنفسهم.
وما يعيب في الشخصيات أنها لم تكن منسجمة فيما بينها في أولى المشاهد خاصة تشخيص الأم الذي ينقصه الخبرة، بحيث أنها لم تدخل عالم الأمومة، ولم تغص في الدور المقدم لها، كما أن تمثليها كان رتيبا مملا لم يتجاوب معها المتلقي.
أما شخصيتا “الأب” و”الابن” فقد تعايشتا مع أدوارهما، إلا أن أداءهما  يعتمد على الإضحاك المبالغ فيه دون أن يكونا قادرين على تحويله إلى فعل يجذب المتلقي لهما.
وتبدو شخصية “الجندي العدو” أكثر إقناعا، فقد كان حضوره قويا، واثقا بأدائه، إلا أن المخرج لم يعطه حصته الكافية فوق الركح.
  إن عملية استشهاد الشخصيات في نهاية العرض، لم تكن مدروسة، بحيث كانت مفاجئة لم يفهم من خلالها المتلقي ماذا يحدث على الركح.
لقد قام المخرج بتوظيف الديكور من خلال فضاء عبارة عن منظر لساحة معركة بها خنادق وألغام ورمز للحدود، ورغم تغير المشاهد والأمكنة، إلا أن منظر الساحة ظل ثابتا لم يتغير، فضلا عن استعمال أكسسوارات مثل (البندقية- الحبل – صينية الشاي – مأكولات) حيث تحمل دلالة خاصة في العمل المسرحي، وهذا الفضاء يرمز إلى المتلقي ويستحضره كما يستدعيه إلى تأمل مأساوية الحياة ومكائدها.
   لنقل إننا شاهدنا عملا كوميديا فيه شيء من الموسيقى المستمدة من التراث المحلي والعالمي، إلاّ أنها لم تمنح العرض بعدا جماليا، فهي غير منسجمة وغير متناغمة مع المشاهد، لكن هذا لا يمنع من توظيف مؤثرات صوتية أخرى متمثلة في إطلاق الرصاص والقنابل والتي كانت متجانسة والعرض المسرحي.
أما الإضاءة فقد كانت منسجمة مع الفضاء وشعور الممثلين وأضفت عليه إيحاءات جمالية، فالظلام في بداية المشهد الأول لا يحمل دلالة درامية، ووظف إضاءة ساطعة في معظم المشاهد باستثناء بداية المشهد الأول عند ربط الجندي رجله المصابة، حيث تستخدم بقعة الضوء مركزة، وفي نهاية العرض المسرحي حيث أعيدت بعض من لقطات المشاهد، واستعملت الإضاءة استعمالا مدروسا أعطى للعرض جمالية.
 وفيما يخص العناصر الأخرى فلم تكن لها أهمية بقدر ما كانت الأهمية متجهة نحو توصيل الفكرة للمتلقي، وهذه الفكرة مفادها رفض الحروب مهما كان نوعها.

Related posts

Top