هجرة جماعية نحو الرواية

من الملاحظ خلال العقدين الأخيرين على الأقل، انزياح العديد من الشعراء والقصاصين وحتى النقاد كذلك، نحو الإبداع الروائي.
منهم من لم يعد بصفة مطلقة إلى مجال إبداعه الأصلي، لقد تنكر له تماما، ومنهم من ظل يراوح بين هذا المجال وذاك، غير أنه في كل الأحوال، فإن فن الرواية باتت له جاذبية لا تقهر، وباتت أعين الأدباء على اختلاف مشاربهم متعلقة بهذا الفن بالذات. لعلهم وجدوا فيه ما لم يجدوه في غيره من الفنون الأدبية، بما فيها تلك التي كانت من اختصاصهم، أو على الأقل اشتهروا باهتمامهم بها، من خلال إصداراتهم الأولى التي راكموها على امتداد عدة سنوات.
ما السبب يا ترى في الاهتمام الخاص الذي بات أدباؤنا يولونه لفن الرواية أكثر من غيره من الفنون؟ من المعلوم أن عالم الرواية، عالم شاسع، يتيح للمؤلف أدوات عديدة ومختلفة للتعبير، مثلما يتطلب تفرغا ومراسا طويلا، على عكس القصيدة أو القصة القصيرة أو المقال النقدي الذي يمكن الانتهاء منه في جلسة واحدة.
تاريخ كتابة الرواية في المغرب بمفهومها المتعارف عليه، ليس طويلا، إذ يمكن التأريخ لأول نموذج مكتمل، بالستينات من القرن الماضي، وكانت هناك سنوات تمر دون أن يخرج إلى الوجود سوى عمل روائي واحد أو ثلاثة أعمال على أبعد تقدير.
ومع توالي السنين، بدأت تبرز أسماء بمراكمتها لنصوص روائية محترمة، واستحقت بذلك حمل صفة روائي، أستحضر المرحوم عبد الكرم غلاب: دفنا الماضي، شروخ في المرايا.. أستحضر مبارك ربيع: الطيبون.. محمد زفزاف: المرأة والوردة.. إلى غير ذلك من الأسماء والعناوين.
غير أنه فجأة، وقع ما يشبه الانفجار، خلال العقدين الأخيرين بصفة خاصة، صارت الرواية المغربية تصدر بلا انقطاع عن دور نشر مغربية وأجنبية على حد سواء. انخرطت النساء في هذه المعمعة إذا صح التعبير بعد أن كان عدد الروائيات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، تأتي على رأسهن خناثة بنونة أطال الله عمرها.
ماذا يحدث؟ الكل صار يكتب الرواية، وحتى من لم يكتبها أو لم يستطع أن يكتبها، صار يحلم بأن تصدر له رواية في يوم من الأيام. الكبار والصغار، الإناث والذكور، المبتدئون وذوو الباع الطويل، الشعراء، القصاصون، كتاب القصة القصيرة جدا، النقاد، المفكرون، المحامون، الصحافيون.. الكل منشغل بكتابة الرواية. لماذا؟ هل صارت الرواية مغرية إلى حد أن الجميع يريد أن يكتبها؟ هل بات من السهل كتابة رواية أكثر من أي وقت سابق؟
هناك مثل شعبي أحب دائما أن أستحضره في مثل هذه الحالات، يقول المثل الشعبي المأثور:
إذا شفت النمل طالع هابط مع الدروج، اعرف باللي العسل فالمصرية..
هل هناك بالفعل عسل يغري كل هؤلاء ويدفعهم إلى تجشم عناء صعود سلالم الرواية رغم وعورته وطوله المضني؟ بحثت عن صورة لهذا العسل، فتراءى لي في هيئة مسابقة عربية من تلك المسابقات التي تخصصها دول الخليج للرواية دون غيرها من لأجناس الإبداعية.
وهنا لا بد من طرح علامة استفهام: ما مدى نجاح عمل إبداعي وهو يخرج إلى الوجود بدافع الرغبة في المشاركة في تلك المسابقات؟

حتى لا أطيل، ولأجل معرفة الجواب، أظن أنه يكفي الاطلاع على جزء كبير من الروايات التي صدرت في هذه الظروف بالذات، خلال العقدين الأخيرين على وجه الخصوص.

> عبد العالي بركات

Related posts

Top