هل تسقط صفقة القرن بسقوط نتنياهو؟

قد يكون فشل بنيامين نتنياهو في تأمين عدد كاف مؤيد له من أعضاء الكنيست الإسرائيلي لاسترداد منصب رئيس الوزراء مفاجأة قوية ليس له ومؤيديه فقط، لكن للرئيس الأميركي دونالد ترامب وحاشيته النشطة العاملة على تنفيذ مبادرته للتوصل إلى سلام دائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وبينما تتناثر أخبار عن اتفاق مبدئي بين حزب الليكود وتجمّع أبيض أزرق على التشارك في حكومة وفاق وطني، إلا أنهما لم يتفقا على من يرأسها ولا يبدو أنهما سيتفقان حول هذه النقطة في وقت قريب.
إن الاحتمالات المتبقية لتجاوز تلك العقبة ليست عديدة وليست حاسمة، حول من وكيف سيتم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، وإن كانت التوقعات تميل إلى رئاسة نتنياهو في الفترة القادمة، وليس ذلك لأسباب متعلقة بنتائج الانتخابات، لكنها ذات علاقة واضحة وقوية بموضوعين أساسيين مهمين للولايات المتحدة، وهما الصراع مع إيران ومبادرة العصر التي اقترحها الرئيس ترامب ولم يعلنها بعد.
أدرك تلك الحقيقة الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين حين أعلن منذ أيام عزمه على تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة، أو ما نقل عنه من دعمه لانتخابات جديدة ثالثة، وهي التهديد الذي يلوّح به نتنياهو من حين لآخر. وهناك ثلاثة احتمالات لهذا المأزق.
الاحتمال الأول يكمن في اختيار الرئيس الإسرائيلي لواحد من رئيسي حزب الليكود أو تجمّع أبيض أزرق لتشكيل الحكومة. لكن ذلك يقود إلى تنصيب وزارة ضعيفة خاضعة لشروط ومطالب أحزاب صغيرة لا تملك أكثرية برلمانية مريحة.
كما أن هذا الخيار قد يجبر أبيض أزرق على الاستعانة ببعض الأحزاب الدينية أو التجمّع الفلسطيني العربي الذي حل ثالثا بـ13 مقعدا في الكنيست، وهو ما قد يكون مكلفا في بند التوزير في المرحلة الحالية. لكن السبب الأساسي لرفض هذا الاحتمال هو الفيتو الأميركي على وزارة يشكلها تكتل أبيض أزرق باعتباره عقبة في طريق تنفيذ صفقة العصر الأميركية، المعروفة بصفقة القرن، والتي لم يعلم بها ولم يستشر في شأنها بيني غانتس.
الاحتمال الثاني هو الذهاب إلى انتخابات برلمانية جديدة. وهذا احتمال مقبول من حزب الليكود، وغير مرغوب فيه من قبل أبيض أزرق إلا مرغما، ومرفوض من الولايات المتحدة لأن إجراء انتخابات يعني أنه يحتاج وقتا لا يقل عادة عن أربعة أشهر، ما يجعلها تتداخل مع الانتخابات الأميركية التي سوف تأخذ كل اهتمام الرئيس ترامب، وبالتالي تؤجل إعلان طرح صفقة العصر التي طال انتظارها.
الاحتمال الثالث هو تشكيل وزارة اتفاق وطني من حزب الليكود وتجمّع أبيض أزرق. وأول صعوبة في تنفيذ هذا الاحتمال هي رئاسة الحكومة. من الواضح تصميم كل من الطرفين على الاحتفاظ بمنصب الرئاسة.
وإذا تم الاتفاق على التقاسم بين الطرفين فمن سيأخذ الفترة الأولى، وفيما لو تم تجاوز هذه العقبة بأي وسيلة، فإن الطرفين الأكبر والأقوى في الساحة السياسية سيركنان إلى حزب المعارضة، بكل الصلاحيات الدستورية الممنوحة للتجمع العربي الذي جاء ثالثا في ترتيب النجاح.
كما أن نتنياهو سوف يدخل وزارة اتفاق وطني وفي جعبته أحزاب وتجمعات دينية، الأمر الذي لن يقبل به غانتس، زعيم أبيض أزرق، وفق وعوده الانتخابية.
يبدو أن الحدثين الأهم في منطقة الشرق الأوسط، هما الصراع الأميركي الإيراني، وصفقة العصر الرامية للتوصل إلى حل سلمي ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
يرتبط مستقبل الصفقة في النجاح أو الفشل، بوجود حزب الليكود في الحكم وعلى رأسه نتنياهو. كما أن مستقبل حسم الصراع الأميركي الإيراني يرتبط أيضا بوجود حزب الليكود في الحكم بقيادة نتنياهو.
التوقعات الأكثر واقعية تشير إلى إمكانية إعادة نتنياهو لرئاسة حكومة توافقية، مع منح زعيم تجمّع أبيض أزرق منصبا، مثل نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع، وعددا أكثر من الوزراء وصلاحيات ملموسة في اتخاذ القرار.
هذا ما سوف تدعمه وتضغط لتنفيذه الولايات المتحدة وبقوة. بينما يعيد التوقع الآخر الكرة إلى منتصف الملعب وفق ما يريد نتنياهو، بدعوة الرئيس ريفلين إلى انتخابات برلمانية ثالثة.
يبقى أن نقول إن النجاح الذي اكتسبته القائمة العربية جاء نتيجة للتعاون والاتفاق بين المرشحين العرب وارتقاؤهم إلى مستوى المسؤولية الوطنية، وتلاحم الشعب في موقف موحد دفاعا عن حقوق الفلسطينيين العرب. لكن هذا الإنجاز يحمل معه مسؤوليات هامة وخطيرة.
ويعني فوز القائمة العربية بالمركز الثالث قيادة المعارضة البرلمانية، إذا تشكلت الحكومة باتفاق وعضوية الفائزين الأول والثاني، وهذا تأكيد على كون المعارضة جزءا من النظام السياسي ولها دور في طلب المشاركة في اجتماعات الحكومة والإطلاع على بعض المعلومات والخطط.
هل قرار القائمة العربية بدعم ترشيح بيني غانتس زعيم أبيض أزرق لرئاسة الحكومة يعني عدم الاعتراض في الجلسات الحكومية، على بعض القرارات التي سيصدرها أو يوافق عليها؟
أثبتت القائمة العربية قدرتها وجدارتها بأن تكون عاملا فاعلا في تمثيل الفلسطينيين العرب والدفاع عن حقوقهم وحرياتهم، ولقد تطلب ذلك الكثير من العمل والجهد. ما يتطلب في المستقبل الكثير من الصمود والعمل الجماعي واستعمال العقل والتواصل مع الناخبين والانفتاح على كل أصدقاء الشعب الفلسطيني.
قد تسفر الأيام المقبلة عن مفاجآت غير متوقعة، لكن حقائق الواقع تشير إلى أن نتنياهو سوف يبقى في الصورة كقائد لإسرائيل في المرحلة القادمة، سواء بالنسبة للوضع مع إيران، أو بخصوص الصراع مع الفلسطينيين والمبادرة الأميركية للسلام.
لقد تم رسم وتصميم المبادرة الشهيرة صفقة القرن بمعرفة وموافقة نتنياهو، وهو الوحيد القادر على تنفيذها إسرائيليا. كما أن الحروب والهجمات المجهولة المصدر التي تظهر وتختفي في منطقة الشرق الأوسط ليست بعيدة عن التخطيط والتنفيذ الإسرائيلي. ولا تملك الولايات المتحدة بقيادة ترامب الوقت أو الاهتمام لإقناع أو العمل مع أي زعيم إسرائيلي آخر.

 مروان كنفاني

Related posts

Top