هل تغير 20 خطوة خطاها ترامب العالم

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يثبت مرة أخرى قدرته على الإدهاش، ليصبح أول رئيس أميركي تطأ قدماه كوريا الشمالية. 20 خطوة، فقط، خطاها جنبا إلى جنب مع الزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ أون، داخل الأراضي الكورية “المحرمة”. واصفا الحدث بقوله “إنه يوم عظيم بالنسبة للعالم”.
مجرد مصافحة سريعة وخطوة يأمل ترامب أن تكون خطوة “في الاتجاه الصحيح”، ويأمل كيم أن تمهد لتجاوز الماضي و”المضي نحو المستقبل”. معتبرا أن هذا الاجتماع ما كان له أن يعقد لولا العلاقة، التي وصفها بالرائعة، بينه وبين ترامب.
ترامب عبر الحدود الفاصلة بين الكوريتين، من نقطة رمزية، في قرية بانمونجوم، حيث تمّ توقيع الهدنة بين الكوريتين عام 1953.
وكان ترامب قد فاجأ الجميع باقتراح عقد اللقاء قبل يوم عبر “تويتر”، في وقت لا تزال المفاوضات بشأن برنامج كوريا الشمالية النووي متعثرة، منذ القمة الأخيرة التي عقدها الزعيمان في فيتنام في فبراير الماضي.
ويبقى الوعد بالخروج بـ”أخبار جيدة لا يتوقعها أحد”، رهن بما يخبئه ترامب في جعبته من مفاجآت.
لقد أثبت الرئيس الأميركي أنه معلم في فن المساومة. زرع الطريق إلى قمة العشرين بالألغام، محتفظا لنفسه بخارطة انتزاعها، وبقرار بسيط واحد حلّق بالأسهم الأميركية والأوروبية لتسجل أعلى مستوياتها في عشرين عاما.
يعلم ترامب أن العالم غير مستعد لحرب تجارية تفضي إلى نتائج كارثية على الاقتصاد العالمي، ورغم ذلك اتخذ خطوات في هذا الاتجاه، ليذيق الجميع مرارة حرب مثل هذه. وبلغت المواجهة ذروتها بإعلانه الحصار على شركة الاتصالات الصينية هواوي. موحيا أنه لن يتراجع عن قراره هذا، مهددا كل من يتعامل معها.
وفي الوقت الذي بدا فيه ترامب يقود العالم نحو الهاوية، قلب الطاولة على الجميع، بعد 80 دقيقة جمعته مع الرئيس الصيني شي جينبينغ في قمة العشرين بأوساكا اليابانية، فجر “المعلم” المفاجأة، معلنا إلغاء الحظر الذي فرضه على هواوي.
لم يكن ترامب في علاقته مع الصين مفاوضا سياسيا، بل مساوما أراد انتزاع أكبر حجم من التنازلات، وبلغة التجارة أكبر حجم من التسهيلات والخصومات. وتتحكم شركة هواوي بأدوات تطوير اتصالات الجيل الخامس، التي تعد منصة هامة في تطوير ودعم الذكاء الاصطناعي، وتحويل حلم السيارات ذاتية القيادة إلى واقع ملموس، والتحكم بالمدن الذكية.
لم يترك “المعلم” باب التنازلات مفتوحا على مصراعيه، بل أبقاه مواربا بعض الشيء، معتبرا أن الخلاف حول هواوي قضية تنطوي على الكثير من التعقيدات، إشارة يفهم منها أنه لا يريد حسم ملف التكنولوجيا بالكامل مع الصين.
استخدم ترامب هواوي طعما يجرّ به بكين إلى تقديم تنازلات على الصعيد التجاري، وبالتالي وضْع حد لاستنزاف ما قيمته 500 مليار دولار من الاقتصاد الأميركي سنويا.
رفع الحظر عن هواوي كان الثمن الذي قدمه ترامب للرئيس الصيني الذي اضطر إلى قبول الحوار والتخلي عن خيار المواجهة، للوصول إلى اتفاق تجاري “عادل” مع الولايات المتحدة.
استطاع ترامب توظيف قمة العشرين، في خدمة حملته الانتخابية، التي بدأها منذ أيام، موجها تحذيرا للناخبين من انهيار وشيك في السوق، في حال عدم انتخابه لفترة رئاسية أخرى في عام 2020.
الرئيس الأميركي غرد عبر حسابه الرسمي على موقع “تويتر” للتواصل الاجتماعي قائلا “إن اقتصاد ترامب يسجل أرقاما قياسية، وهناك طريق طويل لنقطعه. ومع ذلك، إذا تولى أي شخص غيري المنصب في عام 2020، سيكون هناك انهيار في السوق، لن نرى له مثيل”.
سيعود ترامب من أوساكا وهو يشعر بالانتشاء، متجاوزا سنين عمره الـ72 “ينبض بالحيوية والشباب”، لقد كسب الجولة الأولى ضد منافسيه دون إسالة قطرة دماء، وكسب إلى صفه أسواق المال التي ستدعم حظوظه بالفوز ولاية ثانية. ليكون أمامه أربع سنوات أخرى يسوس بها العالم وفقا لقوانين لعبته المفضلة، اللعبة الاقتصادية.
بالتأكيد، سيقلق هذا العديد من الدول، خاصة بعد أن شهد العالم قدراته على التلاعب بالآخرين، وقدرته على خوض حروب لا يستخدم فيها سلاح.
تركيا وإيران مدعوتان قبل غيرهما إلى إعادة التفكير بقدرات ترامب والتراجع عن إثارة غضبه.
نجح ترامب في تقديم عيّنة لما يمكن أن يحدث، وثبت أنه قادر على تغيير العالم. المهرجان أقيم في أوساكا، أما القربان المعدّ للذبح فهو في طهران وأنقرة.

> علي قاسم  كتب سوري

Related posts

Top