هل يخضع النفط لقانون العرض والطلب أم تحكمه عوامل أخرى..؟

يعد النفط أو البترول مادة استراتيجية في العالم، فضلا عن كونه مصدرا هاما من مصادر الطاقة الأولية، لذلك يطلق عليه اسم «الذهب الأسود»، نسبة إلى أهميته الاقتصادية وقيمته المادية العالية، خاصة وأن بدائله لازالت تعتبر مكلفة إلى يومنا هذا.
يحدد ثمن البترول ظاهريا حسب قانون العرض والطلب بسوق النفط العالمي، كحال باقي الأسواق الاقتصادية، في حين أن الواقع يظهر لنا جليا أن هذه المادة الإستراتيجية لها مقوماتها الخاصة التي تجعلها خاضعة لعوامل أخرى قوية، منها الاقتصادية و السياسية والتقنية.
في الآونة الأخيرة، شهد العالم انهيارا كبيرا لأثمنة البترول، ويعود ذلك لعدة عوامل مختلفة خفية ومتشابكة، قد نعتبر أن من بينها المصالح المتضاربة بين الشركات وسياسات اللوبيات وكذلك سوء التقدير أو ما نسميه أخطاء في الرؤى والتدابير..
فجاءت جائحة كورونا – كوفيد 19 – لتكون القشة التي قسمت ظهر البعير وزادت الأزمة استفحالا… وذلك نظرا للركود الاقتصادي الذي عرفناه بسببها، حيث أدت إلى إيقاف الإنتاج في مجموعة من المعامل الصناعية وكذا الحد نسبيا من عدد التحركات التجارية والسياحية، ومن بين أقوى الانخفاضات في هذه الظرفية نجد أن في الولايات المتحدة الأمريكية ثمن البرميل الواحد وصل لـ 37- دولار، مما يعني أنهم يعطون 37 دولار لمن يقبل بأخذه، أمر قد يبدو لنا غير عقلاني بالمنطق التجاري ولكن للذهب الأسود خصوصيته…
وسبب هذا الانهيار راجع أساسا إلى العقود المستقبلية التي أمضتها مجموعة من الشركات لشراء كمية معلومة من النفط، في حين أن الاستلام لن يكون إلا بعد مدة محددة من تاريخ إبرام الاتفاق. لتنبثق الأزمة عند اقتراب التاريخ المحدد – ماي من العام الجاري -، فالمشكل لا يتمثل في تقنية العقود المستقبلية المتداولة دائما، بل في المخازن التي كانت ممتلئة على آخرها ولم يكن لتلك الشركات إلا أن تعطي براميل النفط بخسارة تعتبر أقل ضررا من تكبدها لتكاليف التخزين.
وما هذه الأزمة قصيرة المدى المحدودة في الكمية المسلمة في شهر مايو، إلا جزء صغير من سلسلة الأزمات البترولية التي نشهدها مؤخرا.. فالكميات المسلمة في شهر يونيو ستباع بـ 22 دولارا والذي يعتبر بدوره سعرا منخفضا…
إن أهمية هذه المادة تكمن في دورها الأساسي في تحريك عجلة الاقتصاد، مما يجعلها أداة فعالة في فرض الحصار على مجموعة من الدول عند كل اختلاف سياسي…
ونأخذ بعين الاعتبار الحدث السياسي الأخير، إذ حاولت إيران وفنزويلا فك الحصار المفروض عليهما من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بإرسال 3 بارجات من حاملات البترول من إيران نحو فينزويلا في مشهد يبدو كفتيل حرب عسكرية، ولكن اختيار الظرفية وكذا الموقع الإستراتيجي لإيران وتحكمها في معبر هرمز البحري وربما عوامل أخرى… تجعلها تضمن نسبيا عدم إيقاف عملياتها التجارية.
لقد اعتبرنا النفط كمادة إستراتيجية لهذا السبب تحديدا، فتجارته تربط دائما ما هو اقتصادي بما هو سياسي، لاسيما أننا نلاحظ على مر العقود الماضية أنه لطالما تأثر ثمن البرميل بالأحداث السياسية في العالم.. كارتفاع ثمنه فترة ثورات الربيع العربي إلى 100 دولار للبرميل الواحد سنة 2011، ثم انخفاضه سنة 2016 إلى 30 دولار بسبب ارتفاع الإنتاج، الأمر الذي دفع دول الأوبيك لأن تخفض الإنتاج ليرتفع الثمن مجددا لـ 70 دولار للبرميل الواحد.
ثم يتأثر الثمن مجددا بسبب القرار السياسي للولايات المتحدة الأمريكية، المتمثل في خروجها من الاتفاق النووي الإيراني، ليرتفع الثمن لـ 80 دولار للبرميل الواحد وذلك نظرا للخوف من ضعف الإمدادات مستقبلا…
والأوپيك “OPEC” هي منظمة تضم مجموعة من الدول المنتجة والمصدرة للبترول، تأسست عام 1960 ببغداد ومقرها الرئيسي في فيينا، تشرف على صياغة السياسة النفطية العامة للأعضاء، مثل الإنتاج وكميته وحصص كل دولة من الإنتاج والتسعير والدفاع عن مصالح الأقطار المنتجة.
وقد يتساءل البعض عن سبب عدم إيقاف بعض الآبار مؤقتا ريثما يرتفع الثمن في السوق، وهو طرح منطقي وصحيح، فخفض الإنتاج مقابل الطلب سيؤثر مؤكدا على ثمن البرميل.
ولكن المشكلة هنا تقنية، فمن الصعب جدا إغلاق بئر بترول وإعادة فتحها لاستئناف الإنتاج، فقد تكلف ماديا أكثر من فتح بئر جديدة، وعلى الرغم من ذلك لن يعود الضخ بالجودة المعهودة. لأن الأمر لا يشبه فتح صنبور ماء، بل هو عملية طبيعية تعتمد أساسا على الضغط الغازي الذي سيفقد لحظة إيقاف الضخ، ويبقى هذا الوصف سطحيا جدا مقارنة بتعقيد العملية فنيا على أرض الواقع.
ومن المهم أن نشير إلى أنه، مهما بحثنا وحللنا، سيظل هذا الموضوع أكبر بكثير من أن نستطيع الإحاطة به من كل الجوانب، تساؤلات عديدة ستظل معلقة ومعطيات كثيرة ستظل غائبة أو تائهة ما بين الرأي والرأي الآخر.

بقلم: فاطمة الزهراء حمدوشي *

أستاذة علوم اقتصادية، خريجة المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير

Related posts

Top