هل يمكن المطالبة بالتعويض عن حوادث السير التي تقع بالمغرب أمام المحاكم الإسبانية؟

لا أحد يناقش أن حوادث السير التي تقع بالمغرب تكون من اختصاص المحاكم المغربية، فهذه المحاكم هي التي تبث في الدعوى الجنائية لمعاقبة مرتكب الحادثة إذا ما نتج عنها قتل أو جرح وفق الفصل 748من ق.م.ج الذي ينص : ” محاكم المحكمة تبقى مختصة بالنظر في أي جريمة تقترف في التراب المغربي أية كانت جنسية مقترفيها”، وتبث كذلك في الدعوى المدنية التابعة للمطالبة بالتعويض عن الاضرر المادية والشخصية الناجمة عن الحادثة.
فنجد كذلك الفصل 27 من قانون المسطرة المدنية المغربية ينص على أنه – في دعاوى التعويض يكون الاختصاص لمحكمة المحل الذي وقع فيه الفعل المسبب للضرر أو أمام محكمة موطن المدعى عليه باختيار المدعي؛ وحتى اتفاقية لاهاي بتاريخ 4 ماي 1971 حول القانون الواجب التطبيق على حوادث السير التي صادق عليها المغرب، حيث ينص الفصل الثالث منها على أن القانون الواجب التطبيق هو القانون الداخلي للدولة التي وقعت باقليمها حادثة السير.
لم أكن مقتنعا أبدا بالتعويض الذي يحدده ظهير 1984 الخاص بالتعويض عن حوادث السير بالمغرب لأن التعويض هزيل جدا بالمقارنة مع التعويض المخول للمتضررين عن حوادث السير التي تقع باسبانيا، وبدأت أبحث عن حل من أجل المطالبة بالتعويض عن حوادث السير التي تقع بالمغرب للمغاربة الحاملين للجنسية الاسبانية أوالمقيمين باسبانيا للمطالبة بالتعويض أمام المحاكم الاسبانية وفق القانون الاسباني،في الشق المتعلق بالمسؤولية المدنية، أما المسؤولية الجنائية تكون من اختصاص المحاكم المغربية دائما نظرا للاختصاص المكاني لمكان وقوع الجريمة.
مثلا قد تصطدم شاحنة مغربية بسيارة اسبانية بها ركاب، حيث ينجم عن هذا الاصطدام وفاة ركاب السيارة الأجنبية وإصابة سائق الشاحنة المغربية متسبب الحادثة بجروح خفيفة.عادة ما يقوم المحامي بالمغرب باسم جميع ضحايا السيارة الأجنبية( لنا مثال في حادثة سير وقعت بفاس واخرى بمراكش…) برفع دعوى أمام المحاكم المغربية التي لها الاختصاص المكاني لمعاقبة متسبب الحادثة في اطار المسؤولية الجنائية ومطالبة شركة التأمين بالتعويض في إطار المسؤولية المدنية، وهذا صحيح من الناحية القانونية، لكن ما دام التعويض المخصص للضحايا وفق ظهير 1984 تعويض ضعيف جدا ولا يغطي أحيانا حتى المصاريف، هل توجد امكانية دفع الدعوى المدنية للمطالبة بالتعويض أمام القضاء الاسباني؟
صحيح، مصلحة الضحايا، المرافقين للسائق تقتضي رفع دعوى التعويض ضد شركة التأمين باسبانيا، إذا ما توفرت بعض الشروط طبعا، خصوصا وأن الفرق في التعويض بين ظهير 1984 المتعلق بحوادث السير بالمغرب والقانون الاسباني رقم 35/2015 الموافق 22 شتنبر، المتعلق بالتعويض على حوادث السير باسبانيا فرق كبير جدا، وهذا فيه إنصاف للضحايا القاطنين باسبانيا، فبالرغم من أن الحادثة وقعت بالمغرب، مادامت السيارة إسبانية والتأمين إسباني والمتضرر قاطن بإسبانيا، تبقى إمكانية المطالبة بالتعويض أمام المحاكم الاسبانية واردة بناء على ما يلي:
ـ القرار الأروبي 2012\1215، الفصل 11 منه يسند الاختصاص في دعاوي التعويض عن حوادث السير الى محاكم دولة الاتحاد الاروبي التي يوجد بها مقر شركة التأمين، حيث يرفع المتضرر دعوى مباشرة ضد شركة التأمين للمطالبة بالتعويض.
ـ قانون 2015\07 بتاريخ 21 يوليوز الذي عدل الفصل 22 من النظام الاساسي للسلطة الفضائية الاسبانية الذي يرجع الاختصاص للمحاكم الاسبانية عندما يكون المدعى عليه له مقر باسبانيا (شركة التأمين الاسبانية الملزمة بتعويض الضحايا بناء على عقد التأمين الذي أبرمه سائق السيارة التي كانوا متواجدين بها).
ـ قرار المحكمة الاقليمية بمدريد، الصادر عن غرفة رقم25 بتاريخ 25 ابريل 2018 الذي ذهب في اتجاه اختاص المحاكم الاسبانية في طلب التعويض لحادثة وقعت بفرنسا والسيارة مسجلة باسبانيا، والسائق يقطن بخرونا، حيث اعتبرت المحكمة الإقليمية أن الاختصاص يرجع للمحاكم الاسبانية بناء على الفصل 11 و12 من القرار الاروبي 2012/2015 .
ـ قرار المحكمة الاقليمية بمدريد، الصادر عن غرفة 8 بتاريخ 11 ماي 2018 الذي أيد إسناد الاختصاص للمحاكم الاسبانية في حادثة سير وقعت خارج اسبانيا بناء على الفصل 11 من القرار الاروبي 2012\2015
ـ قرار محكمة الاقليمية برشلونة، الصادر عن الغرفة رقم 19 بتاريخ 6 يونيو 2012 الذي يمنح الاختصاص للمحاكم الاسبانية في بث في طلب التعويض لزوجة مقيمة باسبانيا والحاملة للجنسية الفرنسية التي توفي زوجها في حادثة سير وقعت بمدينة مكناس سنة 22 يوليوز 2007، حيث السيارة مسجلة باسبانيا ولها تامين اسباني، اعتمدت المحكمة في تعليلها على الفصل 22 من النظام الاساسي للسلطة القضائية الاسبانية.
ـ قرار المحكمة الاقليمية بلوكو الصادرعن غرفة الاولى بتاريخ 2 يناير 2020، الذي أيد الحكم الصادر عن المحكمة الابتداية والذي يقضي بتخويل الاختصاص للمحاكم الاسبانية للبت في طلب التعويض بالرغم من أن حادثة سير وقعت بالبرتغال، على اعتبار أن المتضرر يسكن باسبانيا والمدعى عليه، شركة التأمين لها مقر باسبانيا، عللت المحكمة قرارها تطبيق التنظيم الأوروبي 2012/1215 المتعلق بالاختصاص القضائي الدولي. بالرغم من أن المستأنف تشبث بتطبيق الفصل 36 من قانون المسطرة المدنية الاسباني واتفاقية لاهاي حول القانون الواجب التطبيق على قضايا حوادث السير، فهذه الاتفاقية تحدد فقط القانون الواجب التطبيق في الفصل الثالثمن الاتفاقية وفي جميع الحالات، فهذه الاتفاقية تحدد القانون الواجب التطبيق وليس المحاكم المختصة للبث في طلبات التعويض، كما أن الفصل الرابع من الاتفاقية يستثني من تطبيق قانون بلد الحادثة : السيارة المسجلة ببلد غير دولة الحادثة، مرافق السائق إذا كان يسكن بأحد دول الاتحاد الأروبي…
فالمرافقين للسائق بالسيارة الاسبانية، ذات التأمين الاسباني لا علاقة لهم بمن كان السبب في الحادثة المميتة، سواء كان مسبب الحادثة هي السيارة المغربية ذات التأمين بالمغرب او السيارة الاسبانية ذات التأمين الاسباني، يبقى الباب مفتوح لرفع دعوى التعويض باسم الضحايا ضد شركة التأمين الاسبانية أمام المحاكم الاسبانية.
قد تتشبث شركة التأمين الاسبانية بالفصل 36 من قانون المسطرة المدنية الاسبانية والفصل 4 من اتفاقية لاهاي من أجل تطبيق القانون المغربي وإرجاع الاختصاص للمحاكم المغربية، لكن على المحامي أن يتشبث باختصاص للمحاكم الاسبانية وتطبيق القانون الإسباني في الشق المتعلق بالمسؤولية، حيث هناك نصوص قانونية مهمة في هذا الاتجاه، منها القرارات الأوروبية، التوجيهات الأوروبية، وأحكام صادرة عن المحاكم الاستئناف الاسبانية ونصوص اخرى.
لا ننسى كذلك أن الفصل 76 من قانون التأمين الاسباني، يفيد أن المتضررين لهم الحق في رفع دعوى مباشرة ضد شركة التامين ـ”يكون للطرف المتضرر أو ورثته دعوى مباشرة ضد شركة التأمين للمطالبة بالتعويض “.
وأخيرا، تطرق قانون التعويض على حوادث السير 35/2015 الموافق 22 شتنبر الذي كان قبله قانون يعود لسنة 1995، كان قانون مهم جدا يضمن الأمن القانوني و معايير موحدة في التعويض عن حوادث السير، لكن من عيوب هذا القانون كان لا يحدد بشكل جيد بعض المفاهيم التي يعتمد عليها في تحديد التعويض، كان يخلط الى حد ما بين التعويض عن الأضرار المعنوية والأضرار المادية، كان فيه نوع من ظلم بالنسبة للقاصرين وذوي الاحتياجات الخاصة.
قانون التعويض على حوادث السير 35/2015 ، بتاريخ 22 سبتمبر 2015 جاء بمعايير جديدًة لتحديد التعويض على حوادث السير، يطبق على حوادث السير وحوادث الشغل وعلى الأضرار الناتجة عن الإهمال الطبي، جاء بمجموعة من الإصلاحات من أجل أن يكون التعويضً أكثر عدلا، يعتمد على مبدأ جبر الضررالكامل الناتج عن حوادث السير، يلزم شركات التأمين بدفع المصاريف الصحية بما في ذلك المصاريف ولو نتجت عن اللجوء الى الخدمات العمومية، يهدف هذا القانون الى ترسيخ تعويضات توافق الحالة الصحية للضحية مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الشخصية والعائلية والمهنية والعملية للضحية والمتضررين.
كما قرر بالزيادة في حجم التعويضات: 50 ٪ في التعويض عن الوفاة ، و 35 ٪ في حالة العجز البدني الدائم ، و 12.8 ٪ في التعويض عن عجز الموقت، يلزم شركات التأمين بدفع التعويض في أجل 3 أشهر، مع الإحالة في حالة عدم الاتفاق على مسطرة الوساطة والمصالحة ، قبل الذهاب إلى القضاء، إذا لم تقدم شركة التأمين بعرض معلل في أجل 3 أشهر، وتم اللجوء إلى المحكمة، ـ البادي أظلم ـ فشركة التأمين ملزمة بأداء الفوائد ب 20 بالمائة في السنة الأولى و ب 50 في السنة الثانية، كما نص هذا القانون على إمكانية تقاسم المسؤولية بالاستثناء القاصر أقل من 14 سنة. ويتناول هذا القانون التعويض عن الوفاة والتعويض عن العجز البدني الدائم والتعويض عن الإصابات المؤقتة، وكل نوع يشمل التعويض عن الضرر الشخصي العادي، والتعويض عن الضرر الشخصي الخاص والتعويض عن الضرر المادى. يمكن الجمع بين التعويضات الثلاثة،كل نوع من التعويض ملخص في جداول، و هذه الجداول تنقسم في بعض الأحيان إلى جداول أخرى مثلا،المتعلقة بالتعويض الخاص بالزوجة الضحية وتعويض خاص بأطفال الضحية عن خسارة الدخل، التعويض عن الضرر المالي،التعويض عن المساعدة من طرف ثالث.
وختاما، نؤكد على أن رفع دعوى التعويض عن المسؤولية المدنية أمام المحاكم الاسبانية في الحالات السالفة الذكر، لا يعني بأي حال من الأحوال أن سحب الاختصاص من المحاكم المغربية، بل فقط فرصة لطلب التعويض امام المحاكم الاسبانية، تعويض مهم بالمقارنة مع التعويض عن حوادث السير المحدد في ظهير 1984، لا يمكن أن تستغل هذه الإمكانية بسوء النية من طرف المتضرر وطلب التعويض عن المسؤولية المدنية بالمغرب وباسبانيا، فالأنسب رفع دعوى جنائية أمام المحاكم المغربية ورفع دعوى المطالبة بالتعويض أمام المحاكم الاسبانية، إذا تعلق الأمر بالحالات والشروط المذكورة في القرار الاروبي 2012/2015.
*- دكتور في القانون
– محامي بمدريد

Related posts

Top