هموم العراقيين… العام الدراسي الجديد مكلف وخطر

مع بداية العام الدراسي الجديد في العراق، يجد الأهالي أنفسهم تحت وطأة مبالغ ماليّة كبيرة، بدءاً من تأمين مستلزمات الدراسة وصولاً إلى المدرسين الخصوصيين في وقت لاحق، عدا عن المخاطر الأمنية وكثرة عمليات الخطف.
يبدأ العام الدراسي الجديد في العراق يوم الأربعاء المقبل، في السابع والعشرين من الشهر الجاري، في ظلّ تحديات جديدة وهموم ترافق العائلات العراقية من عام إلى آخر. هموم تشمل تأمين كل احتياجات المدرسة من كتب وزي وقرطاسية ونقل، والتي كانت تتكفّل بها الحكومة قبل الاحتلال الأميركي، إضافة إلى السعي إلى حماية الأطفال أثناء ذهابهم إلى المدرسة وعودتهم إلى البيت، في ظل غياب الاستقرار الأمني وكثرة عمليات الخطف.
ومن بين نحو 10 ملايين تلميذ في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، هناك نحو نصف مليون تلميذ كانوا قد تعلموا تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» على مدى السنوات الثلاث الماضية، مع الإشارة إلى إلغاء التنظيم المناهج الحكومية السابقة وفرض مناهج جديدة.
يقول المستشار التربوي في وزارة التربية، أحمد لطيف السعدي،: «هؤلاء التلاميذ سيحتاجون إلى جهد مضاعف، بعد غسل أدمغتهم بمواد متطرّفة وأخرى ليست ذات أهمية». يضيف: «ستكون المهمة صعبة، لأنهم سيدرسون الدين في إطار أن من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً، وليس جئناكم بالذبح التي علموها للأطفال، باعتبار أنه يجب قتل كل مخالف لهم». ويؤكّد الاستعانة بمرشدين اجتماعيين ومتخصصين نفسيين في المدارس الواقعة في المدن المحررة، في محاولة لمعالجة آثار «داعش».
وبعيداً عن النصف مليون تلميذ عراقي، فإن حال أولياء الأمور بشكل عام واحد. الهمّ المشترك هو تأمين تعليم جيد لأبنائهم، رغم التكاليف المرتفعة وانعدام الأمان. في هذا السياق، تسعى فاتن حسن، إلى ضمان أفضل تعليم لأبنائها. هذه المرأة التي قتل زوجها في تفجير إرهابي في عام 2012، تعمل عشر ساعات يومياً لتوفير تكاليف الدراسة. لديها خمسة أطفال، توأمان في الصف السادس ابتدائي، وثلاث بنات أصغر منهما. خلال الحديث عن أطفالها، تحرص على الإشارة إلى تفوقهم. تشرح: «الراتب التقاعدي الذي أحصل عليه منذ وفاة زوجي لا يكفي لسد احتياجاتنا. لذلك، أعد المأكولات والطرشي (المخللات) وأبيعها للمطاعم والباعة المتجولين». 
فاتن، وهي في العقد الثالث من العمر، تصنع يومياً أنواعاً مختلفة من الكبة، الأكلة العراقية الشعبية الشهيرة، وتقول إنها تكسب من عملها ما لا يقل عن مليون دينار عراقي (نحو 850 دولارا) شهرياً، لكنها تعاني من آلام شديدة في ظهرها، وتتناول الأدوية المسكنة، علماً أن الطبيب ينصحها بالتوقف عن العمل. المهم بالنسبة إليها توفير ما يحتاجه أطفالها لمتابعة دراستهم، «هذا ما أتمناه وأعمل لأجله، وإن خسرت صحتي».
ويُتوقع أن يصل عدد التلاميذ خلال العام الدراسي الحالي إلى 10 ملايين، بدءاً من المرحلة الابتدائية وحتى التعليم الثانوي، وقد بلغ العام الماضي نحو 9 ملايين ونصفا. يقول تربوي في مديرية تربية الرصافة في بغداد، رفض الكشف عن إسمه، إنّ «عدداً كبيراً من التلاميذ يتسرب بعد انطلاق الموسم الدراسي في كل عام، مضيفاً أنه في ظل الفساد المستشري، تجاهلت وزارة التربية احتياجات المدارس والتلاميذ، وضاعت ملايين الدولارات في إطار مشاريع بناء مدارس وهمية، وصفقات خاصة لطباعة مناهج جديدة».
يصف عدد كبير من العراقيّين كل موسم دراسي بـ «الهمّ»، في ظل النفقات الكثيرة استعداداً لانطلاق العام الدراسي وحتى نهايته. تقول جنان البلداوي، التي تعمل في وزارة الثقافة، إنها تنفق ما لا يقل عن خمسة ملايين دينار عراقي (4250 دولارا) على ولديها سنوياً، علماً أنّهما في المرحلة الثانوية، وقد تخرّجت ابنتها من الجامعة قبل نحو عامين. تؤكد أن ما أنفقته على ابنتها وولديها خلال الأعوام العشرة الماضية يوازي قيمة شراء بيت. وتضيف: «ربّما نحن أفضل حالاً من كثيرين. أنا موظفة ولدي راتب وزوجي يملك محلاً يبيع فيه الحلويات، ولا نجد صعوبة في تأمين احتياجات أولادنا ونوفر لهم أجواء مريحة للدراسة، علماً أن عدداً كبيراً من زملائهم يعملون في ورش البناء لتوفير احتياجات الدراسة ومساعدة عائلاتهم».
إضافة إلى تكلفة شراء الملابس والقرطاسية، والاستعانة بمدرسين خصوصيين، هناك مشكلة أخرى تتعلق بالجانب الأمني، في ظل انتشار عمليات الخطف. ويتوجب على الأهالي مرافقة أبنائهم في الصباح وعند الظهيرة. ومحظوظون الأشخاص القاطنون على مقربة من المدارس. أما العائلات المقتدرة، فتعتمد على سيارات خاصة لنقل أولادها من وإلى المدارس.
خليل إبراهيم (48 عاماً) يرافق أولاده صباحاً إلى مدرستهم القريبة من البيت. يقول لـ «العربي الجديد»: «ابنتي سحر في الصف الخامس ثانوي. صحيح أنها تبلغ من العمر 17 عاماً، لكنني أخاف عليها وأفضل مرافقتها، خصوصاً أن الوضع الأمني مقلق جداً، ونشهد الكثير من عمليات الخطف. وينسحب القلق على إخوتها الأصغر سناً».
في 10 ماي الماضي، اتّهم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عناصر من «الحشد الشعبي» بالوقوف وراء عمليات الخطف في البلاد. وقال إن تمكن «المليشيات الوقحة» عسكرياً وأمنياً وسياسياً يعني «تسلط السلاح على رقاب الشعب من دون رادع ولا وازع».
من جهته، أعلن رئيس الحكومة حيدر العبادي في يونيو الماضي أن السلطات العراقية كشفت عن «الكثير من خلايا الخطف في بغداد، وبعض الذين يعتقلون على علاقة بالفصيل الفلاني، والفصيل يتبرأ منه»، في إشارة إلى الفصائل المسلحة المنتمية إلى «الحشد الشعبي». أضاف أن «بعض عصابات الخطف تضم أفراداً ضمن قوات الأمن العراقية».
من جهة أخرى، يتحدّث مازن حمادي عن أزمة الدروس الخصوصية. لديه ولد وحيد يُدعى علي، ويدفع نحو 13 ألف دولار في العام الواحد في مقابل الدروس الخصوصية، لافتاً إلى أن «المدرسين يطلبون مبالغ كبيرة، وكأن تراجع المستوى التعليمي في المدارس بات مقصوداً».
محمد الدليمي، وهو مدرس لغة عربية، يشير إلى مشاكل كثيرة تقف عقبة أمام إيصال المعلومات إلى التلاميذ، ما يضطرهم إلى الاستعانة بمدرسين خصوصيين. ويقول إنّ «العراق يفتقد إلى العدد اللازم من المدارس، بعد تدمير عدد من المباني جزئياً أو كلياً، بفعل ما تعرّضت له البلاد منذ الاحتلال الأميركي في عام 2003، ما أدى إلى زيادة عدد التلاميذ في الصف الواحد. وبالتالي، يعجز المدرس عن إيصال المعلومة كما يجب». يضيف: «عدد كبير من التلاميذ، في ظل الظروف الحياتية الصعبة، يهملون دراستهم بهدف العمل ومساعدة عائلاتهم، ما يضطرهم إلى الاستعانة بمدرسين خصوصيين». ويستدرك قائلاً: «لا أنكر وجود مدرسين يستغلون الظروف، ولا يؤدون واجبهم سعياً إلى الربح من خلال إعطاء الدروس الخصوصية».
وكان مؤشر جودة التعليم الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، قد أظهر تخلّف العراق عن معايير جودة التعليم في عام 2016. ويستند المؤشر إلى جودة المؤسسات والابتكار، والبيئة الاقتصادية والصحية والتعليم الأساسي، والتعليم الجامعي والتدريب وسوق العمل والجهوزية التكنولوجية، وتطوير سوق المال والأعمال، وحجم السوق وبيئة الابتكار، علماً أن هذه المجالات تدهورت في البلاد، بسبب ما تمر به من أعمال عنف، إضافة إلى وجود جهات مسلحة ومتعددة الولاءات.
وفي شتنبر الماضي، أصدرت منظّمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» تقريراً حمل عنوان «التعليم تحت النار»، أظهر أن ثلاثة ملايين طفل خارج المدارس. وبحسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، كان العراق في فترة ما قبل حرب الخليج الأولى في عام 1991، يملك نظاماً تعليمياً يعد من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة، وكانت نسبة المسجلين في التعليم الابتدائي مرتفعة، إضافة إلى القادرين على القراءة والكتابة. إلا أن قطاع التعليم عانى كثيراً بسبب ما تعرض له العراق من حروب وحصار وغياب الأمن.

Related posts

Top