واجب احترام مبدأ التدبير الحر

عقد مجلس جهة سوس ماسة دورة استثنائية يوم الخميس 16 يناير 2020، تضمن جدول أعمالها نقطتين؛ تتعلق الأولى بتفويت سهم واحد من رأسمال شركة التنمية المحلية “أكادير الكبير” للنقل والتنقلات الحضرية من قبل مؤسسة التعاون بين الجماعات “أكادير الكبير” لفائدة وزارة الداخلية، فيما الثانية تهم إعادة الدراسة والتصويت على النظام الأساسي لشركة التنمية المحلية “أكادير الكبير” للبيئة والتنمية المستدامة.
فبخصوص التعديلات المقترحة على النظام الأساسي لشركة التنمية المحلية “أكادير الكبير” للبيئة والتنمية المستدامة، وخصوصا المادة 3 التي تهم الغرض الاجتماعي، سبق لأعضاء المجلس الجهوي أن تداولوا بشأنها، وأغنوها باجتهاداتهم ومقترحاتهم، ثم صادق عليها مجلس جهة سوس ماسة بالإجماع، في دورة استثنائية عقدت يوم الاثنين 26 نونبر 2018، فعرضت مجددا على أنظار المجلس ليتبين لنا أن المقترح أبقى على غرض الشركة العام، والذي يتمثل في القيام بجميع الأنشطة المتعلقة بتدبير النفايات المنزلية والمماثلة لها، التي تنتجها الجماعات الأعضاء في مؤسسة التعاون بين الجماعات ” أكادير الكبير” وذلك بصفة مباشرة أو غير مباشرة:
وفي تفاصيل المهام تبين لنا أنه تم حذف نقطتين نرى أنهما تبينان محتوى المشروع وأهميته وإستراتيجيته، والذي من أجله أنشئت الشركة المحلية كشركة مساهمة تخضع في تدبيرها إلى قواعد القانون الخاص. ويتعلق الأمر بوظيفتين:
– إنشاء وتدبير وحدات الاستغلال ومعالجة النفايات المنزلية والمماثلة لها، وكذلك تثمينها من أجل إنتاج الطاقة،
– إبرام جميع العقود المتعلقة بتدبير واستغلال مرفق النفايات المنزلية والمماثلة لها؛ الجمع، التنظيف، النقل، المعالجة والتثمين،
وإلغاؤهما واستبدالهما بالنقطة التالية:
– تنظيف الطرقات والساحات العمومية وجمع النفايات المنزلية والمشابهة لها، ونقلها إلى المطارح ومعالجتها وتثمينها،
فالفكرة هنا تكمن في إشراك قطاعات مختلفة في ابتكار وإبداع مشروع ذي طابع تنموي واستراتيجي ومهيكل اقتصاديا، وإحداث آليات تضمن المرونة في التدبير مقارنة مع تعقد مساطر الإدارة الترابية، لتحقيق أهداف الشراكة على المدى القصير والمتوسط والبعيد.
وهذه الشركات يكون لها طابع اقتصادي يدخل في مجال اختصاصات دعم التعاون بين الجماعات في تدبير مرفق تابع للجماعات، باستثناء تدبير الملك الخاص للجماعة.
على أساس هذه القواعد، تم تأسيس هذه الشركة. فجاء في المادة 3 الخاصة بالغرض الاجتماعي، بكل أبعاده الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، ليفتح آفاق للابتكار والاجتهاد في مجال التنمية المستدامة…
وفي هذا إسقاط وتحييد لإرادة المنتخبين، الذين تداولوا منذ مدة في الموضوع، وفي أغراضه بعمق وبأفق واسع، وبالتالي، تحويل المشروع إلى شركة شكلية لا يسمح غرضها بما يزيد عن الحالة التي توجد عليها المصالح المكلفة بجمع النفايات بالجماعات دون أن تضيف أي تجديد أو قيمة مضافة تذكر.
وقد كنا ننتظر أن يعطى لمفهوم الإرادة الحرة من احترام وتشجيع لإرادة المنتخبين ومبادرتهم في حقل الإتيان بالنقلة النوعية الإضافية لتجاوز المشاكل التي تعاني منها الجماعات والدفع بها ووضعها في إطار حداثي يضمن توفير الحكامة الرشيدة والتطور بجانب المرونة المطلوبة، والتمكين من التقدم التكنولوجي المتاح في هذا المجال، وتوفير مناصب الشغل.
لقد كان من المأمول وفقا لهذا المقترح الذي تم حذفه في الصيغة الجديدة أن تتكلف شركة التنمية المحلية «أكادير الكبير للبيئة والتنمية المستدامة» بمهام تتمثل في الاجتهاد والابتكار والخلق وسبر أغوار التقنيات الحديثة والصديقة للبيئة من أجل تدبير وتثمين النفايات المنزلية والمماثلة لها التي تنتجها الجماعات الأعضاء في مؤسسة التعاون بين الجماعات «أكادير الكبير» بهدف إنتاج الطاقة من خلال إحداث وحدة صناعية لتدوير وفرز النفايات المنزلية.
لكننا نظن أننا أفرغنا هذا النص من مفهوم الشراكة على مبدأ التفاوض للوصول إلى غاية مثلى، كما أفرغنا مفهوم الحكامة الترابية من مدلوله القائم على نسق جديد من العلاقات يقوم على تذويب التراتبية وتشجيع التشارك بين مختلف الفاعلين والمساهمين، وحسن التنظيم والتواصل وصقل القدرات وإبداع أنماط جديدة للتدبير… لأن الاتفاقية المتفاوض عليها بشكل جيد هي التي تضمن انخراط وتعاون الأطراف المعنية لإنجاز المرفق أو المشروع المنتظر وإنجاحه.
وأن إفراغ النص من عناصره الإبداعية، ومن عناصر استشراف الإمكانات المستقبلية المتاحة والممكنة، هو مؤشر من مؤشرات احتواء ومحاصرة إرادة الناخبين المحليين والجهويين وتذويبها في قالب محدد ومهيئ مسبقا، وتحويلهم إلى غرف أصداء caisse de résonnance لتحقيق رغبات إدارية متحجرة، وتحويل الشركة المحدثة إلى حديقة خلفية قابلة لإعادة التدوير، دون الانتباه إلى أن من أسباب فشل كثير من التجارب التي مورست وجربت في مختلف مناطق البلاد في مجال تدبير عقود الامتياز، سواء بين القطاع العام والقطاع الخاص هو تحجيم دور المنتخبين ووضع قيود على حرية ابتكارهم وإخضاع تداولهم إلى مراقبة مفرطة، بعيدا عن كل مفاهيم التدبير الحر. مما جعلهم في مقدمة المنخرطين وغير المهتمين بتقييم وتتبع تطور تعاقدات جماعاتهم وتدبيرها لمرافقها العمومية.
فيما يقتضي توطين التنمية مسارا معاكسا يتمثل في تعبئة كل الفاعلين والمساهمين على مستوى المجال الترابي المحلي في إطار صيرورة مشتركة وتفاعلية من أجل المصلحة المشتركة (العامة والخاصة)، ودراسة أفضل السبل للاستفادة من القدرات الابتكارية والخلاقة للقطاع الخاص ومن ليونة ويسر تمويله، بجانب تحفيز التنمية المحلية وفتح المجال للجماعات الترابية للانخراط في الاستثمار والولوج إلى اقتصاد السوق، ومن ضمان توفير الخدمات بصفة تعاقدية وتقديمها في الآجال وبالجودة المتوخاة وبصيغ تدبيرية تشاركية بديلة، إضافة إلى تجاوز أحد الأسس الكلاسيكية لاتخاذ القرار التنموي في الجماعات الترابية والمنحصر في الحدود الترابية لهذه الأخيرة بتوسيع الآفاق والانتقال إلى تحديد البرامج على أساس الأهداف والنتائج وأداء المستحقات جزئيا أو كليا من طرف السلطات العمومية، وبحسب المعايير المحددة سلفا.
لقد فرضت ممارسة اختصاصات الجماعات الترابية الذاتية والمنقولة والمشتركة، تبني آليات متعددة من أجل تطبيق المخططات الترابية بامتداداتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. وأهمها التدبير المفوض، والاقتصاد المشترك، وشركات التنمية المحلية.
ولقد استثمرت تجارب الشراكة بين القطاع العام والخاص، التي راكمها المغرب في مجال شركات الاقتصاد المختلط – بما لها وما عليها- منذ عقود. وقد عبر العديد من المنتخبين منذ البداية، عن معارضتهم لإحداث شركات التنمية المحلية مخافة إبعادهم عن تدبير المرافق المرتبطة بخدمات القرب وتهميش الجماعات والهيئات المنتخبة .
وحسبنا أن يساعد حسن تقدير موقف ورأي المنتخبين، وتقوية الحمولة الرمزية لمشاركتهم في صنع وبلورة القرار، في الرفع من مكانة المؤسسات، واحترام الموقع القانوني والاعتباري للجماعات الترابية، بكون الفاعل المحلي والجهوي عنصرا مجسدا للإرادة الشعبية، ومترجما لتطلعاتها، ومساعدا على تحقيق التنمية المحلية وتوسيع دائرة المتدخلين بطرق مشروعة.
وهذا الإجراء يتطلب قرارا سياسيا مسؤولا ومعللا يهدف إلى خدمة الصالح العام انطلاقا من عناصر الكفاءة والمردودية والحكامة والعمل المندمج والمقاربة التشاركية وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وهذه المبادئ تحتم على الهيآت المنتخبة وعلى السلطات الحكومية المختصة التتبع والمراقبة لعمل هذه الآليات، وحسن الإنصات لبعضها البعض من منطلق التكامل و….. والمؤشر هو حسن الإنجاز بناء على احترام المقتضيات القانونية والتنظيمية، واحترام إرادة المنتخبين …
إن عدم احترام رغبة المنتخبين، والالتواء على مشروعية التداول يجعل من هذه الشركات نقمة على الشأن المحلي بدل أن تكون نعمة كما أرادها المشرع، والعيب ليس في بنيتها وتركيبتها، ولكن في إفراغها من جل الغايات التي من أجلها وضعت.
إن هذا النوع من الآليات يحتم على كل الفاعلين إعطاء النموذج التدبيري الذي يتسم بالدقة في الانجاز، والاقتصاد في المال والوقت، والجودة في الإنتاج، والعقلنة في التدبير، وإبداع نموذج تكون لديه قابلية للتعميم.
ففي ظل المقتضيات القانونية المنظمة لشركات التنمية المحلية، لا يمكن تحقيق التكافؤ إلا بالاحتكام للتراضي وحسن الإنصات عند اتخاذ القرار، إذا تعلق الأمر بشراكات تدبير البرامج الكبرى في مجال التنمية الاجتماعية والبيئية …، والتي تتطلب إشراك ومشاركة جميع الأطراف بغض النظر عن حجم مساهمتهم في الرأسمال.
لقد أعيد طرح هذا النظام الأساسي للتداول، من أجل مناقشة جزئيات غير مفيدة للجوهر، وفي هذا هدر للوقت والجهد من طرف السلطة الحكومية المراقبة. والسؤال المطروح بالنظر إلى التعديلات التي تمت إضافتها هو: ما هي القيمة المضافة لهذه التغييرات؟ ولماذا تم بثر أهم عناصر الغرض الاجتماعي؟ وإلى أي حد استطاعت هذه التعديلات جعل شركة التنمية المحلية هاته أكثر ضمانا للاندماج الترابي، وللمأسسة، وللتوازن، والعقلنة، والسرعة، واحترام الكفاءات وتنمية المردودية؟
نخلص مما سبق أن مشروع شركة التنمية المحلية خطوة مهمة في مسار تحسين مردود البنيات التحتية وتحسين الخدمات، لكن يجب احترام مبدإ التدبير الحر، المنصوص عليه في الدستور، وتطوير هذا النموذج من خلال اعتماد إطارات قانونية وتنظيمية تؤصل للإبداع والخلق وللتعاقد والشراكات المبنية على حسن الإنصات، وتقدير رأي المنتخبين، والتضامن، من أجل تطوير العقلنة والمردودية والفاعلية في مواجهة التحديات الكبرى لمجتمعاتنا.
إن هذا النوع من الشركات يدخل في إطار التجديد للآليات المساعدة على التنمية المحلية، ويمكن أن نبدع آليات أخرى، ويبقى الهدف واحدا، هو الرقي بجهتنا، من خلال تحسين البنيات التحتية التنموية المحلية على جميع المستويات.
وهذا ما يتطلب قدرا كبيرا من الثقة وحسن النية مع توفير كل الضمانات لتطوير البنيات التنموية المحلية، وتفعيل الديمقراطية المواطنة والتشاركية في تكاملها مع الديمقراطية التمثيلية.

> عبد اللطيف أعمو

Related posts

Top