وداعا الفنان أحمد الصعري

انتقل إلى عفو الله، صباح أول أمس الأحد بالدار البيضاء، الفنان المغربي القدير أحمد الصعري عن عمر ناهز 75 سنة. ويعد الفنان أحمد الصعري من الجيل الأول للمسرحيين المغاربة، إذ بدأ مساره الفني في المسرح في سن مبكرة صحبة فرقة التمثيل المغربي، التي كانت تضم مجموعة من رواد المسرح الوطني.
وإلى جانب نشاطه الفني الغني على خشبة المسرح، عمل الراحل أستاذا لفنون المسرح بالمعهد البلدي للمسرح والموسيقى بالدار البيضاء، حيث تكونت على يديه أجيال عديدة.
وشارك أحمد الصعري خلال مسيرته الفنية الحافلة في مجموعة من الأعمال المسرحية الكبرى، كممثل ومشرف على التنظيم، ولاسيما إلى جانب الراحل الطيب الصديقي، من قبيل ملحمة «نحن»، وملحمة «العهد» الأولى والثانية، و»رسالة الغفران»، و»مقامات بديع الزمان الهمذاني»، و››الحراز»، ومدينة النحاس»، و»بنت الخراز». كما يحفل سجل الراحل بالعديد من الأعمال التلفزية، من بينها؛ «ثمن الراحل»، و»مي تاجة»، إلى جانب مشاركته في أعمال سينمائية دولية من قبيل؛ «الرسالة»، و»ملاك البحر».
ونعته النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية، التي كان عضوا مسؤولا فيها، بالقول: «بكل الإيمان بقضاء الله وقدره، وبقلوب مكلومة، وببالغ الأسى؛ تنعي النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية الفنان المناضل الأستاذ أحمد الصعري؛ تغمده الله بالرحمة والمغفرة، وأسكنه فسيح الجنان جزاء لروحه الطيبة المشبعة بكل معاني الوطنية والنبل والعطاء السخي بنكران مثالي للذات.
ولقد فقد المغرب برحيل أخينا وقدوتنا في النضال النقابي الشريف، قامة شامخة من رواد الدراما المغربية على امتداد ستة عقود؛ ظل خلالها الراحل العزيز مثالا راقيا للفنان المتعدد المواهب وللإنسان الطافح بكل الحيوية اليومية في مختلف المهن الدرامية إبداعا وإدارة وتأطيرا نقابيا.
ويحفل السجل الغني للفقيد بكم كبير من الانجازات الدرامية في المسرح والتلفزة والسينما؛ إلى جانب حضور متميز في تدبير إنتاج وترويج أعمال درامية عالمية؛ وكذا المشاركة في بعضها كممثل.
وإن النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية، وهي تنعي و تودع واحدا من أبرز مؤسسيها، فإنها ستظل وفية لخصاله ومناقبه التي تعتبر جزءا من أدبيات وأخلاقيات العمل النقابي في مجال المهن الدرامية. فالعزاء الصادق لأفراد أسرة فقيدنا ولكل الأسرة الفنية والأصدقاء ومحبي الحاج أحمد الصعري؛ أسكنه الله الفردوس».
وفي تصريح بهذه المناسبة الأليمة، أشار المخرج المسرحي ونقيب مهنيي الفنون الدرامية مسعود بوحسين، إلى أن الراحل «يعتبر من قيدومي الفنانين المغاربة في المشهد المسرحي والسينمائي والتلفزيوني الوطني بصفة عامة، والبيضاوي بصفة خاصة».
وأضاف بوحسين، أن أحمد الصعري «كان فنانا متعدد المواهب، حيث كان ممثلا وأستاذا بالمعهد البلدي للمسرح بالدار البيضاء. كما راكم تجربة مهمة في الإدارة الفنية والثقافية، حيث اشتغل مع كبار الأسماء المسرحية الوطنية من قبيل المرحوم الطيب الصديقي».
وسجل أن «الراحل كان معروفا بالعمل النقابي والنضالي، حيث كان من مؤسسي النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية (النقابة الوطنية لمحترفي المسرح سابقا)، وتميز بروحه التطوعية، ووقوفه الدائم إلى جانب زملائه الفنانين».
وخلف رحيل الفنان أحمد الصعري أثرا عميقا في نفوس أصدقائه ومجايليه، عكسته العديد من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فقد أشار الناقد السينمائي مصطفى العلواني قائلا: «المعمورة، فرقة التمثيل المغربي، فرقة الطيب الصديقي، المعهد البلدي، الائتلاف المغربي للثقافة والفنون، كلها كانت منارات فنية وثقافية وطنية كان فيها المرحوم أحمد الصعري القلب النابض.
أحمد الصعري الإنسان الفنان الذي أسبغ رعايته على الكل من المسرح إلى التلفزيون إلى السينما.. لا يكاد تكون هناك مبادرة فنية مغربية، كانت جماعية أو فردية إلا وكانت مدينة لخدمات الفنان أحمد الصعري الاستثنائية. لقد كان الرجل بمثابة (البارشوك) بكل ما يمكن أن تحمل هذه الكلمة من دلالات نبيلة.. كان صمام الأمان.
أحمد الصعري كان ظاهرة فنية بامتياز، وخير العزاء أن يكون فقدانه وازعا وحافزا لبعث القيم النبيلة التي آمن بها هذا الرجل، هذه القيم النبيلة التي ما أحوجنا اليوم إليها ونحن نعلق قبل أي وقت مضى على قاطرة الفن والثقافة، كبير الآمال في تعويض وتجاوز خساراتنا وخيباتنا السياسة والاجتماعية».
وعبر الباحث والكاتب المسرحي أحمد بلخيري عن تأثره البليغ وأبدى أسفه قائلا: «كنا قد اتفقنا على أن أنجز كتابا عن حياته الفنية عموما، ومنها حياته المسرحية، على شكل حوار طويل. أعددت تصميما ومخططا للكتاب ثم قرأته عليه في مقهى «باليما» بالرباط وأعجب به، لأن المشروع كان سيؤرخ لتجربته الفنية. لكن الظروف مع الأسف حالت دون ذلك. لقد كان ذاكرة مسرحية حقيقية ضاعت مع الأسف».
إن رحيل الفنان أحمد الصعري، مناسبة للالتفات إلى جيل من الرواد الأحياء في مختلف الميادين الفنية والثقافية، لأجل توثيق ذاكرتهم وأعمالهم، ولعل ذلك يعد أفضل العزاء.
يشار إلى أنه تم عصر أول أمس الأحد، تشييع جثمان الفقيد الصعري في مقبرة الرحمة بمدينة الدار البيضاء، فيما حضر مراسم الدفن عائلة وأقارب الصعري وعدد من الممثلين أبرزهم نعيمة لمشرقي، صلاح الدين بن موسى، وحسن فلان، سعدية ازكون، عبد اللطيف هلال، محمد حراكة، نعيمة إلياس، عبد الرحيم المنياري، عبد الكبير حزيران، بالإضافة إلى مسعود بوحسين رئيس النقابة الوطنية لمهنيي الفنون الدرامية.
رحم الله الفقيد أحمد الصعري، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

Related posts

Top