وداعا ‎الحاج محمد بنزاكور..

ودعت الرياضة الوطنية الحاج محمد بنزاكور،  اللاعب والمسير المثقف  والمدبر الحكيم، بعد صراع مرير مع الألم، قبل أن يسلم الروح لباريها في بيته عن سن الثامنة والثمانين..
وظهرت مدينة فاس حزينة، مساء أول أمس الأحد، وهي تودع واحدا من أبنائها الأوفياء، نموذج البهاء والنخوة والنقاء، فهو من مواليد 22 نونبر 1932 من عائلة فاسية عريقة، ومحافظة، ومتجذرة في المدينة القديمة.
يعتبر الحاج محمد خريج ثانوية مولاي إدريس، حيث تلقى التكوين في الدراسات العليا في مجال الصيدلة، قبل أن يلتحق في الصغر بفريق الشباب الرياضي الفاسي ثم المغرب الرياضي الفاسي عند إندماج الفريقين، وعايش مؤسسي الماص من بينهم، الحاج إدريس بنزاكور، ومولاي عمر العلوي ، والحاج التهامي الزروالي، ومحمد بنسليمان، ومحمد التازي سعود وغيرهم من المؤسسين، ونهل من تجاربهم وحضورهم المميز بالتربية ونبل الأخلاق.
وفي تلك الفترة، حمل قميص الفريق رفقة جيل ذهبي من الرواد كالجامعي، وكوسكوس، وبنعلال، والزموري، شكيليط، وميسوم، ولحبابي، والودغيري، وبنشقرون وغيرهم..  وحقق مع الفريق التأهل لكأس فرنسا بالفوز في منافسات شمال إفريقيا على الوداد البيضاوي، والإتحاد الإسلامي لوهران.. واستقبل رفاقه في فريق الماص بباريس عندما انتقلوا إلى فرنسا لمنازلة فريق ريد سطار  في يناير 1954 في دور الثمن، ولضعف تجربة فريق المغرب الفاسي اعتمد لاعبوه أحذية من صنع تقليدي، أحذية  كان ينتجها في فاس اللاعب السابق والصانع سيد الغوتي بالجلد الأصيل، لكنها غير مسننة (بدون كرامبون)، وإنهزم المغرب الفاسي بحصة ثقيلة 9 – 0 ولم تكن النتيجة هامة بالنسبة لوفد النادي المغربي، لأن عناصره نقلوا معهم مناشير وزعوها في باريس، يطالبون من خلالها برجوع المغفور له محمد الخامس إلى عرشه، وسجلت المبادرة الوطنية صدى مدويا في الإعلام بأوروبا.
وترأس الحاج محمد بنزاكور المغرب الفاسي سنة 1961، وكان أصغر مسير في مدار كرة القدم الوطنية، وقاد الفريق للفوز بلقب البطولة الوطنية سنة 1979 معتمدا جيل علال، والزبير، والفيلالي، والبوزيدي، ومولاي إدريس، والتازي، وجنان، وبوطيب، والسادني، وعلوش وغيرهم بقيادة المدرب عبد الحق القدميري.
وفي الموسم الموالي 1980 أحرز المغرب الفاسي لقب كأس العرش بالتفوق على الإتحاد القاسمي في النهائي 1 – 0، كما شارك في منافسات كأس محمد الخامس في نفس السنة، وكان للرجل تفكير احترافي علمي مكنه من توفير نادي وسط المدينة -مقصف- يمكنه من دخل شهري قار إضافة إلى قطعة أرضية مساحتها 330 متر مربع توجد بها المدرسة، بالإضافة إلى مبادراته العديدة الرامية إلى تشغيل اللاعبين وتأمين مستقبلهم.
وعاشت الماص في زمنه فترة زاهية، وشارك الراحل محمد بنزاكور في تسيير جامعة كرة القدم في عهد ثلاثة رؤساء، وهم المهدي جوريو، وبدر الدين السنوسي وأرسلان الجديدي، وكانت له علاقات مع مسيري الكرة في مختلف المدن وكان رجل مواقف وأخلاق رفيعة، وقاد النادي الفاسي بحكمة وتبصر رفقة أعضاء من أبناء المدينة من بينهم الداودي عبد اللطيف، وعبد العزيز التازي، والدكتور العراقي، وعلي الزغاري، وشكيب بنعمر، وعمار، ومولاي علي الخمليشي، ومولاي إدريس الخمليشي وغيرهم، ولن ينسى التاريخ قرار المكتب المسير برئاسة الحاج محمد بنزاكور عندما تعرض الماص للاعتداء من طرف التحكيم في موسم 1972 في لقاء، استقبل فيه الإتحاد القاسمي في الدورة قبل الأخيرة، في وقت كان مهددا بالنزول ويسعى لتفادي الهزيمة، وشهد ملعب الحسن الثاني أشكالا من الظلم في حق الماص وحتى الحكم أنهى اللقاء قبل موعده بـ 13 دقيقة ليظفر الفريق القاسمي بالتعادل، ونظرا لعدم تجاوب الجامعة مع احتجاج المغرب الفاسي قرر الحاج محمد بنزاكور ومن معه في الماص مقاطعة الدورة الأخيرة في البطولة، لم يتنقل الفريق إلى الدار البيضاء لمواجهة الوداد.
وحكى الراحل الحاج محمد بنزاكور، أنه تخلى عن رئاسة المغرب الفاسي بتدخل من عامل المدينة آنذاك مولاي المهدي لمراني الذي دفعه للتنحي، بدعوى أن مجموعة من الشباب المثقف يرغبون في تسيير الماص، وجاء تدخل العامل في زمن شهدت فيه المدينة تغييرا في مجال الألوان السياسية، وغادر السي محمد بنزاكور التسيير ليعود إليه لفترة وجيزة في موسم 89 – 90 ويتخلى من جديد تاركا الماص بطلا الخريف.
وهكذا لم يكن الحاج محمد بنزاكور رياضيا عاديا، كان لاعبا أنيقا حمل القميص برقم 10 بجدارة وإستحقاق وكان مسيرا مثقفا محترما ساهم في تنمية المؤسسة، وفي زمانه كان المغرب الفاسي أول فريق يملك حافلة يطور أملاكه، ويهتم بالتكوين واللاعبين، ويغذي المنتخبات الوطنية.
وقد شارك لاعبوه آنذاك في المونديال بالمكسيك 1970 وضمن المنتخب الوطني الذي أحرز كأس إفريقيا في إيثيوبيا 1976، وفي الحياة عاش مواطنا وفيا عاشقا لفاس ومرتبطا بالأماكن التي يتردد عليها يوميا في شارع محمد الخامس،  وطريق موزار، والمدينة القديمة، والأصدقاء الذين يستحمون بطلعته بنفس الإحترام و التقدير وإستمر على نفس الحال حتى الرحيل.
وداعا السي محمد، اللاعب والمسير والصيدلاني، الرياضي الفنان الوطني والإنسان.. لن ننساك، أنت في القلب و في الذاكرة.

> محمد أبو سهل

Related posts

Top