وزارة الثقافة والاتصال تحتفي باليوم الوطني للمسرح

بمناسبة اليوم الوطني للمسرح (14 ماي)، تنظم وزارة الثقافة والاتصال- قطاع الثقافة، أيـامـا مـسـرحـيـة بـتـعاون مـع الـمسرح الوطني محمد الخامس، وبتنسيق مع المديريات الجهوية والإقليمية والجماعات المحلية وهيآت المجتمع المدني. وتغطي فقرات هذه التظاهرة مجمل المراكز الثقافية والمسارح وفضاءات العرض عبر مختلف جهات ومدن المملكة.
كما يحفل البرنامج بفعاليات مسرحية مختلفة:
عروض مسرحية للكبار والصغار،
توقيع إصدارات مسرحية،
تكريم شخصيات مسرحية وطنية،
ورشات تكوينية وتحسيسية،
لقاءات مع فنانين ومبدعين…
وكباقي الفضاءات والمنشآت الثقافية، سيشهد مسرح المركز الثقافي عين حرودة تظاهرة احتفالية متنوعة تتضمن على الخصوص:
 يوم السبت 13 ماي 2017: حفل الافتتاح الرسمي على الساعة السابعة مساء.
وتكريم الفنانين مولاي عبد الله العمراني وسلوى الجوهري ويليه مباشرة تقديم عرض مسرحية «لمقص» لفرقة مسرح وشمة
يوم الأحد 14 ماي على الساعة السابعة ونصف مساء
  عرض مسرحية «سولو» لفرقة أكون للمسرح
يوم الاثنين 15 ماي على الساعة السابعة ونصف مساء
  عرض مسرحية «عيوط الشاوية» لفرقة المسرح المفتوح
يوم الثلاثاء 16 ماي 2017 على الساعة السابعة ونصف مساء
 عرض مسرحية تركيت ( جمرة) لفرقة فضاء تافوكت للإبداع

لا أحد يجادل في كون المسرح الأمازيغي الناطق بالريفية، استطاع خلال العشر سنوات الأخيرة أن يخط لنفسه مسارا جديدا ومغايرا عما دأب عليه سلفا؛ من خلال انفتاحه على ما يصطلح عليه في النقد المسرحي المغربي بـ “الحساسيات الجديدة” التي فلحت في إعطائه دينامية جديدة تجاوزت المقاربات التقليدانية التي كانت سائدة خلال القرن الماضي.
في هذا السياق، يمكن أن نؤشر على العديد من الأسماء التي وقعت أعمالا مسرحية شكلت علامات بارزة في خارطة المسرح الناطق بالريفية كسعيد أيت باجا، خالد جنبي،  نعيمة زيطان، أمين غوادة، أمين نسور، حفيظ بدري، بوسرحان الزيتوني… وآخرين.
ويبقى يوسف العرقوبي أكثر المخرجين اشتغالا في المسرح الأمازيغي الناطق بالريفية، إذ يعتبر عرض “في أعالي البحر” ثالث تجربة للمخرج والسينوغراف يوسف العرقوبي مع فرقة “الريف للمسرح الأمازيغي” بعد تجربتين سابقتين، “باو” (2011) و”التعري قطعة قطعة” (2016). وفي الوقت نفسه يشكل ثاني انفتاح للفرقة على كتابات المسرحي البولوني سلوفومير مروجيك بعد عرض السنة الماضية.
بهذا يكون لهذه المحطة خصوصياتها بالنظر إلى استئناس الفرقة بعوالم مروجيك وكتاباته الساخرة  التي تشكل في بنيتها نسقا فنيا برؤية معرفية واضحة ومتينة، وبأسلوب خاص في إنتاج الموقف واجتراح المعنى. فعلى الرغم من كون النقد المسرحي الغربي يصنف كتابات سلافومير مروجيك ضمن دائرة مسرح العبث، كرد فعل إبداعي ناتج عن الكم الهائل من الوحشية والدموية التي ظهرت في الحرب العالمية الثانية، إلا أن ما يميزه عن باقي كتاب “اللامعقول” كونه يكرس جل أعماله المسرحية والقصصية  للعلاقات الاجتماعية ومتغيراتها التاريخية مع التركيز أساسا على التغيرات العنيفة التي عرفها الفرد وانعكاسها السلبي على علاقته بالآخرين.
سنحاول خلال هذه الورقة تقريب القارئ المغربي من عرض “في أعالي البحر” للكاتب البولوني سلوفومير مروجيك، سينوغرافيا وإخراج ليوسف العرقوبي، تشخيص ثلة من الممثلين المميزين بمدينة الحسيمة.
تحكي المسرحية قصة ثلاث أشخاص يجدون أنفسهم في عرض البحر معزولين عن العالم الخارجي، يستبد بهم الجوع فيقررون التضحية بأحدهم، فيدور صراع بينهم لإقناع أحدهم بجدوى الموت في سبيل الجماعة..
بمجرد ولوجنا الصالة، يقحمنا المخرج يوسف العرقوبي في عوالم عرضه من خلال الحضور القوي للبحر بأفقه الضبابي اللامتناهي وصخب أمواجه الذي يسيطر على المكان ويشعرنا بالعزلة والخواء وفي الوقت نفسه، يزج بنا في صراع خفي بين البحر وأمواجه التي تتحرك في حركات انسيابية متموجة كأفعى تبتلع كل شيء، وبين قطعة خشب كبيرة تنتصب في وجهه وتقاومه.
منذ البداية إذن نجد أنفسنا في مواجهة الفراغ والخواء ودوار البحر الذي يفرغ كل أمعائنا ويدفعنا إلى استشعار الجوع الذي يشكل الحافز والمحرك الأساس لكل تفاصيل العرض وجزئياته. مما يجعلنا على خط التماس مع شخصيات العرض الثلاث التي بدت هي الأخرى منعزلة، كل شخصية تنام في مكانها وتعيش عالمها وأحلامها الخاصة قبل أن يوقظها صوت قوي أشبه بصخب الموج وكأن البحر يعلن فيها جوعه وتعطشه لقربان أو ضحية تنهي غضبه.
تستيقظ الشخصيات بعد أن ينتقل إليها الإحساس بالجوع كمعادل موضوعي لفكرة الموت التي تحاصرهم وتهددهم وتدفعهم إلى الانخراط في البحث عن الحل الذي لم يتأخر كثيرا، لابد من أكل أحدهم، فحياتهم كجماعة إذن لن تتحقق إلا بموت أحدهم. لكن سؤالا وجوديا سيطرح نفسه وبإلحاح، من هو الضحية؟. عند طرح هذا السؤال، سيكشف يوسف العرقوبي عن وجه السينوغراف المتمكن من أدواته والمنسجم مع تصوره ومقاربته الدلالية والجمالية لمفهوم السينوغرافيا لديه، ويقحمنا في دائرة الصراع والخوف واللاتوازن الذي أضحت تعيشه الشخصيات من خلال ميلان القطعة الخشبية الذي يوحي بعدم الثبات والاستقرار وبالخطر المحدق بها. فكل شخصية أصبحت في وضع جديد تحاول من خلاله إخراج نفسها من دائرة الاستهداف وتبتعد أكثر عن السقوط في الشراك الذي ينصب لها. ونجد أنفسنا أمام توزيع جديد لمساحة اللعب فوق القطعة الخشبية التي أضحت أشبه بميزان تتمركز في أحد طرفيه شخصية “الطويل” الذي يبدو رزينا، قويا، وذكيا، يرسم دوما بجسده خطا عموديا يحيل على القوة والثبات وبعد النظر. وفي الطرف الآخر شخصية “الأوسط” الذي يبدو ضعيفا، طيبا حد السذاجة. وبينهما يتنقل “القصير” الماكر الذي ينتهج سبيل التملق والذهاء والانتصار لمصلحته.
ويبدو أن المخرج يوسف العرقوبي قد كسر الشكل الذي ابتغاه مروجيك لشخصياته التي لم يمنحها أسماء محددة بل حدد ملامحها انطلاقا من شكلها الخارجي حسب درجة بدانتها، ووزعها بين البدين والمتوسط والصغير، إلا أن العرقوبي، وإن بقي وفيا لعدم تسمية شخوصه واختياره لثلاث ممثلين مختلفين من حيث الطول، أبى إلا أن يحدد ملامح شخصياته انطلاقا من صفاتها لا من شكلها، إذ عمل على تكسير التراتبية التي اقترحها مروجيك وجعل شخصية المتوسط في نص المؤلف تحمل قامة قصيرة في مقترح عرضه، على عكس الصغير الذي جعله بقامة متوسطة.
مسألة أخرى أجدها ذات أهمية بالغة في مقاربة العرض المسرحي، الأمر يتعلق بما يجري فوق القطعة الخشبية وما يحدث في البحر. فقد استطاع يوسف العرقوبي أن ينسج علاقة جدلية بين الصراع الذي تدور رحاه بين الشخصيات، وحركات الموج التي تشكل في عمقها المظهر الخارجي لغضب البحر الجائع. فكثيرا ما جعل الشخصيات تبدو هادئة في مظهرها الخارجي، لكنها تغلي من الداخل وكتعبير عن هذا الغليان جعل حركات الموج تقوم مقامه وتنقل إلينا هذا الإحساس عملا بالقاعدة التي تذهب إلى أن البحر الهادئ في سطحه يغلي في عمقه، وبالعكس أيضا، فالبحر الذي يغلي في سطحه يكون هادئا في عمقه.
هذا الشكل الذي اختاره المخرج كان له بالغ الأثر على أداء كل شخصية على حدة، إذ زاوج التمثيل بين اللعب الداخلي لنقل مشاعر الشخصيات وحالاتها النفسية، وبين اللعب الخراجي الذي يقوم بدور التمويه والمبالغة لإقناع الآخر والتأثير فيه، كما أن الاختيار الدقيق للملابس منح الشخصيات أبعادا جديدة، فالمعطف الذي يلبسه الطويل يمنحه قوة وثباتا وثقة بالنفس ويجعله يبدو كشخص رسمي في الوقت الذي يبدو الصغير بسيطا وساذجا في لباسه ويقربه أكثر من عوالم الطبقات الاجتماعية المتوسطة التي يشكل لديها اللباس خاصة القبعة والمساكتان (les Bertelles) قيمة اجتماعية تبعث على الوقار والبساطة، أما الأوسط فقط عمقت لدينا ملابسه الإحساس بكونه شخصا متكلفا وأشبه بنادل.
عموما شكل عرض “في أعالي البحر” لفرقة الريف للمسرح الأمازيغي إضافة نوعية للمسرح الأمازيغي الناطق بالريفية، ومنح ليوسف العرقوبي الفرصة للاستمرار في تقريب عوالم مروجيك للمتلقي الأمازيغي بأسلوب يركز أساسا على جماليات الصورة مع الحفاظ على النفس الساخر الذي تنضح به كتابات مروجيك. كما شكل بالنسبة للممثلين أفقا آخر لإبراز قدراتهم التعبيرية وتأكيد تفوق وحرفية بعضهم، وعفوية الآخر. كما أن العمل يقدم لنا مؤلفا موسيقيا سيشكل إضافة نوعية للتأليف الموسيقى في المسرح المغربي.
بقلم: محسن زروال

Related posts

Top