وقفة تكريم لنضالات اسماعيل العلوي وهنو معمر علالي دفاعا عن قضايا الوطن والشعب.. في أجواء احتفالات حزب التقدم والاشتراكية بمناسبة ء ض ناير

في أجواء هذه الاحتفالات التي أقامها حزب التقدم والاشتراكية بمناسبة ءض ناير، قدمت خديجة الباز عضوة المكتب السياسي ورقتين تعريفيتين حول الرفيقين اسماعيل العلوي رئيس مجلس رئاسة الحزب وهنو معمر علالي عضوة مجلس الرئاسة حول مسارهما السياسي والنضالي ومدى إسهامهما في الدفاع عن قضايا الوطن والشعب عبر مختلف الاليات والواجهات.

إسماعيل العلوي: مسار رجل استثنائي

ولد مولاي إسماعيل العلوي بمدينة سلا في 11 مارس 1940، درس في “جامعة السوربون” في فرنسا، وتخرج من “جامعة محمد الخامس” في المغرب، وعمل في “المركز الجامعي للبحث العلمي“ بين 1965 و1969، وشغل عدة مناصب في” جامعة محمد الخامس” شملت: رئيس قسم الجغرافية، وأستاذ، ثم أستاذ محاضر، له دراسات منشورة في مجلات متخصصة في الجغرافيا البشرية وعدة مقالات فكرية وسياسية في جريدتي البيان.. وكان رفيقنا عضوا نشيطا في المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي منذ سنة 1968 إلى غاية 1980 ، وعضوا بالمكتب التنفيذي للجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني منذ 1968 إلى سنة 2000.
وارتبطت عنده مسألة الممارسة السياسية في علاقتها بالممارسة الثقافية والفكرية، واعتبره الجميع نموذجا للمثقف الملتزم،المدافع عن مصالح الفلاحين والطبقة العاملة وسائر الفئات المستضعفة، بتميزه وحرصه طيلة مساره السياسي على المزاوجة بين العمل السياسي، و البعد الأخلاقي، ما جعله يحظى دوما بتقدير الجميع.. كما أنه تحمل لمدة طويلة خلال ثمانينيات القرن الماضي مهمة المكلف بالعمل الثقافي داخل المكتب السياسي. وفي هذا الإطار أشرف على إصدار وتطوير الملحق الثقافي الأسبوعي لجريدة البيان بمساعدة ثلة من الرفاق.
وتحمل مولاي إسماعيل مسؤوليات سياسية عديدة، منذ التحاقه بالحزب الشيوعي المغربي سنة 1961 ، والتحاقه بالمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية سنة 1975 ، ليظل عضوا كامل العضوية فيه.
وبعد وفاة السي علي يعته ، رحمه الله، وقع الإجماع، بشكل تلقائي، حول مولاي اسماعيل. وتمت الخلافة، رغم ما شاب الأجواء من حزن على فقدان الزعيم التاريخي، بشكل سلس وعاد. وذلكم، لأن الشخصية الجذابة لمولاي اسماعيل كانت تفرض نفسها، وتجعل منه ملاذ الجميع، باعتباره كان على الدوام يسعى، وهذا من صميم شخصيته، إلى التجميع والتوحيد.
مولاي إسماعيل العلوي قدوة حقيقية في الاجتهاد الفكري المتواصل، والعمل السياسي الدؤوب، وكذلك في النشاط البرلماني الواسع، إلى جانب الرفيق المرحوم علي يعته، كنائب برلماني عن “دائرة بني حسن” بين 1984 إلى سنة 1992 ورئيس للمجموعة البرلمانية للتقدم والاشتراكية بمجلس النواب بين 1993 و1997. حيث أبان عن قدرة هائلة في الإنتاج التشريعي، واستعداد قل مثيله للاهتمام بقضايا الناس، وطاقة كبيرة على تحمل أعباء متابعة مشاكل المواطنين، والسعي الحثيث إلى تحقيق مطالبهم بما ينصفهم. وهذا كله، كان مثار إعجاب كبير به، كإنسان وسياسي ومنتخب. كما تميز باهتمامه الشديد بمسألة محاربة الأمية، حيث سبق له أن قدم اقتراح إحداث جيش المعرفة في إطار الأوراش الكبرى للنهوض بالمجتمع المغربي اقتصاديا واجتماعيا .
وهكذا مارس مسؤوليته الجسيمة على رأس الحزب في الفترة ما بين 1997 و2010، حيث استطاع أن يحافظ على الحزب، دون التفريط في هويته، متجاوزا، بأقل الخسائر، هزة فقدان القائد التاريخي للحزب. وتمكن الرفيق مولاي اسماعيل، بدعم من سائر الرفيقات والرفاق، ليس فحسب من أن يصون مكانة الحزب، بل وأيضا من تطوير تمثيليته، وتوسيع إشعاعه، وتكريس انفتاحه.
ولم يسمح له رفيقاته ورفاقه من أن ينعم بالتقاعد السياسي كما يحلو له تسمية الأمر، لأنهم يدركون أن رفيقنا إسماعيل العلوي، في حاجة فقط إلى استراحة محارب بعد رحلة شاقة وطويلة، لما لا وهو أيضا من مؤسسي مؤسسة علي يعته، ومؤسس ورئيس جمعية تنمية عالم الأرياف (أدمر)، والرئيس المؤسس لجمعية سلا المستقبل، ورئيس اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني، ووزير في حكومة التناوب التوافقي برئاسة المرحوم عبد الرحمان اليوسفي، وزيرا للفلاحة والتنمية القروية عام 2000، ووزيرا للتربية من عام 1998 إلى غاية 2002.
قلد مناضلات ومناضلو حزب التقدم والاشتراكية الرفيق مولاي اسماعيل العلوي إلى جانب ثلة من رفاق دربه، مسؤولية رئاسة مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية التي تحملها ولازال بجدارة، إلى جانب ثلة من رفاق دربه.

هنو معمر العلالي: مسار حافل بالعطاء ونكران الذات

الرفيقة هنو معمر العلالي امرأة استثنائية بمسار حافل بالعطاء ونكران الذات، جسدت مقولة أن الوعي الاجتماعي للناس هو الذي يحدد وجودهم الاجتماعي، والبدايات كانت بأحد الدواوير التي تبعد عن مدينة والماس بحوالي 10 كيلومترات، في عمق جبال الأطلس المتوسط، من قبائل زيان، حيث رأت هنو علالي النور، نهاية أربعينيات القرن الماضي، وسط عائلة متوسطة الحالة، مثلها مثل أغلب الأسر المغربية آنذاك، تعيش على الترحال وعلى الفلاحة وتربية المواشي.
كان الأب منفتحا، رغم أنه لم يذهب إلى المدرسة، ودليلنا في ذلك، أنه عندما علم أنها لحقت بأخيها إلى المدرسة بوالماس، مشيا على الأقدام، لم يمنعها من معاودة الكرة من جديد ومن متابعة دراستها، حيث حظيت بدعم المدرسة الفرنسية التي شجعتها على البقاء لاستكمال الدراسة، لتتابع دراستها الإعدادية في إعدادية أم البنين بمدينة فاس، التي كانت بالنسبة لها نقطة تحول أساسية في حياتها، حصلت على الشهادة الابتدائية سنة 1953 بتاهلة، حيث كان تعليمها مقتصرا على الفرنسية في البداية، قبل أن يتلقفها الأستاذ محمد شفيق الذي يعود له الفضل في تعلمها اللغة العربية، كان دعما وسندا لها في تعلم لغة الضاد.
حكاية هنو علالي مع الطب، لم تكن بحسبها صدفة، بل كانت رغبة تولدت لديها منذ كان عمرها 12 سنة، حيث علق في ذهنها، مرض والدتها التي كانت مضطرة لقطع الكيلومترات من أجل الوصول إلى الطبيب، وباتت عندما تسأل عن طموحها، كانت تجيب على الفور بالقول: “أريد أن أصبح طبيبة”.. حسمت الاختيار منذ البداية، وذهبت لدراسة الطب بمونبوليه بفرنسا بعد حصولها على شهادة الباكالوريا بثانوية للاعائشة بالرباط.
الوضع في تلك الفترة، في فرنسا وفي الجامعة الفرنسية، لم يكن سهلا بالنسبة إليها، هي الشابة الأمازيغية المشبعة بقيم التحرر والمساواة، ولم يكن، أيضا، سهلا على باقي الطلاب الأجانب وخاصة الأفارقة، حيث كانت فرنسا تعرف، حينها، تنامي الحركة العنصرية ضد المغاربة والأفارقة عموما، وكان ذلك بالنسبة لهنو علالي محفزا على مزيد من النضال ومناصرة القضايا العادلة للطلاب، مما دفعها للانخراط في صفوف اتحاد الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا، وهي المنظمات التي لعبت دورا أساسيا في تكوينها وفي بلورة وعيها السياسي.
وبذلك تعتبر هنو علالي من أوائل الشابات المناضلات اللواتي انخرطن في العمل السياسي الوطني، بالتحاقها بخلية طلابية تنتمي للحزب الشيوعي المغربي سنة 1962 ، وبعده حزب التحرر والاشتراكية، ثم التقدم والاشتراكية إلى يومنا هدا، علما أن طابع المجتمع المغربي حينها، كان محافظا، وكان لا يسمح، في الغالب، للمرأة بالدراسة حتى، فكيف بالانخراط في الفعل السياسي.
عرفت هنو علالي كيف توازي بين الدراسة في الطب وبين النضال السياسي، ووظفت كل ما راكمته من مدارك ومعارف خلال عودتها إلى المغرب بعد حصولها على الدكتوراه في الطب نهاية ستينيات القرن الماضي.. وبعد أن تنقلت بين مختلف المستشفيات الوطنية، عادت، في نهاية مشوارها المهني، إلى مدينة والماس مسقط رأسها، لتعطي يد العون لفتيات صغيرات يذكرانها بطفولتها، ويذكرانها كيف قاومت من أجل التعليم، فأسست جمعية “إللي” أي “ابنتي” التي تعنى بتمدرس الفتاة القروية…
إننا أمام لحظة تكريم لمناضلة سياسية وحقوقية وجمعوية، الدكتورة هنو العلالي معمر، اعترافا بإسهاماتها وعطاءاتها المتميزة في مجالات متعددة، خاصة في مجال النضال من أجل حقوق المرأة بصفة عامة، والمرأة والفتاة القرويتين بصفة خاصة، اعترافا من هذا الجيل الذي ينتمي اليوم لحزبها، واعترافا من نائبات ونواب فريقها بمجلس النواب، بكل المجهودات التي كرستها طوال حياتها العائلية والمهنية، معتبرينه تكريما مستحقا لامرأة جدية ورائدة ومناضلة بدون هوادة، وهو في الوقت ذاته، تكريم لمسار نسائي نموذجي لا ينازع فيه أحد، واعتراف بالمرأة القائدة في المغرب وبعملها المتواصل من أجل التنمية البشرية والاجتماعية، وتتويج لمسار حافل بالتطوع والكفاح والعطاء في المجالات السياسية والجمعوية والنسائية والحقوقية.
وتقديرا لرفيقة لم تنس أصولها، سواء عندما تخرجت من الجامعة الفرنسية كطبيبة، وعادت إلى المغرب كأول طبيبة مغربية متخصصة في أمراض النساء والتوليد، وأيضا عندما قررت العودة إلى مسقط رأسها والماس، وتشتغل انطلاقا من تجربتها الخاصة، لإنقاذ الفتاة القروية من براثين الجهل والتهميش لأنها مرت من نفس التجربة، عندما كانت طفلة صغيرة وقررت ذات يوم اللحاق بأخيها في المدرسة، لتكون تلك هي البداية.

تصوير: رضوان موسى

Related posts

Top