يوميات الدورة 17 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة

>  مبعوث بيان اليوم إلى طنجة: عبد العالي بركات

سراب
 تنفتح الأفلام القصيرة التي عرضت لحد الآن على فضاءات متعددة، فضاءات طبيعية ساحرة من جغرافية هذا الوطن، فقد وقفنا على فضاء الصحراء في فيلم سراب لمخرجه حمزة أوجمعة، حيث استطاعت الكاميرا أن تقرب المشاهد من امتدادات هذا الفضاء، وتجعله بالتالي يعايش طقس الصحراء بقسوته وغموضه الشفاف.
 لم يكن يهم المخرج طبيعة الموضوع الذي ينبغي أن يتطرق إليه، وإن كان هناك موضوع، وهو بسيط للغاية، يتمثل في عبور أفراد عزل تائهين في الامتداد الشاسع للصحراء، يكادون يموتون عطشا، فيلوح لهم متجر وحيد في الطريق، يعرض قنينات الماء، غير أن صاحب هذا المتجر، يتاجر في هذا الماء بطريقة غريبة، تعتمد على التقسيط، ويطلب مقابل ذلك أثمانا خيالية، مع ذلك يذعن له الزبناء العطشى، غير أن العرض لا يشفي عطشهم، هذا المتجر كان بمثابة سراب، صاحب المتجر هو الآخر مهدد بالعطش، لم يعد يملك ما يكفي من قنينات الماء، وهو حائر بين بيع آخر قنينة فضلت في متجره، أو سد عطشه، فيهتدي إلى عدم بيع هذه القنينة دفعة واحدة، بل بالمليمترات، ويقنع بالثمالة التي يخلفها الزبناء في الكأس، كل هذه الوقائع تحيل على وضع عبثي يعيشه صاحب المتجر، فيقرر هجرة المكان لوضع حد لهذا العبث، طبعا الموضوع هنا لم يكن مهما في حد ذاته، الموضوع مجرد ذريعة لتصوير مشاهد خلابة لفضاء الصحراء بكل امتداداته ورهبته وجلاله، كل مخرج له فهم خاص لوظيفة السينما، ومخرج الفيلم القصير السراب، ينظر إليها من هذه الزاوية، أي أنها ينبغي أن تحتفي بجمال الطبيعة وقسوتها كذلك، غير أن هذا الشريط لم يقع في فخ التسويق السياحي الساذج، بل راعى خصوصيات الإبداع السينمائي، واستطاع أن يكثف الأحداث والمشاهد ومنحها بالتالي بعدا شاعريا.
سراب، مدته 11 دقيقة، إخراج حمزة أوجمعة، سيناريو الحين منزول، تصوير ومونتاج عبد الله مزكار، صوت منال راشدة، تشخيص: محمد بوشهاب، لحسن حسيني، خليل بنشتيوي.

كونكسيون

 هذا التصور نفسه لوظيفة السينما، يبدو أن مخرجة فيلم كونيكسيون تحمله هي الأخرى، ربما بشكل أقوى، حيث وقفنا في هذا الشريط على شعرية المكان بامتياز، الشريط ينتقل بنا إلى فضاء له سحره الخاص وجماله الأخاذ، يتمثل في القرى الجبلية، وهي مناطق عادة ما يستفيد منها السياح الأجانب أكثر من السياح الداخليين.
 مرة أخرى، الموضوع في هذا الشريط، لا يبدو أنه هو الأهم في حد ذاته، وإن كان يتطرق إلى وضعية المرأة في القرى، قصة الشريط مستوحاة من الواقع، لامرأة من هذه المنطقة القروية استطاعت أن تخط لنفسها مسارا مهنيا ناجحا، غير أنها تصطدم بالعقلية المتحجرة لبعض سكان المنطقة، الذين تسيطر عليهم النزعة الذكورية، كما أن هناك أعداء النجاح، الذين يقاومون التغيير، سيما وأن هذه المرأة رشحت لتولي مسؤولية القرية، وتحمل طموحا نحو التغيير، وتم هذا الترشيح من طرف الشباب على وجه الخصوص، وفي هذا إشارة دالة على أن الأمل نحو مستقبل أفضل، بيد هؤلاء الشبان، الذين يمتلكون وعيا سياسيا تنويريا، وينشدون التغيير.
 سعى هذا الشريط إلى أن يقدم لنا صورة إيجابية عن المرأة المغربية، فالبطلة التي تسير قاعة إنترنت، ومن هنا جاءت تسمية الشريط كونكسيون، ولهذه التسمية دلالة معبرة على الرغبة في التواصل مع الآخر، في الانفتاح على الغير، في خروج المرأة القروية من وضعها المتخلف، والقطع مع الصورة الجاهزة التي تنسب إليها.
 لكن هذا الموضوع ليس هو كل شيء في فيلم كونكسيون، رغم أهميته، الفضاء كان له حضور قوي، سيما وأنه فضاء طبيعي، مرتبط بالجبل، بجبل توبقال تحديدا، وهو أعلى قمة في المغرب. هناك خضرة وثلوج ورحابة المكان، وكل العناصر الطبيعية الأخرى التي تؤثثه، وقد استطاعت مخرجة الشريط أن تجعلنا نلج هذا الفضاء ونعيش متعة الوجود في قلبه، دون أن تمنحنا الشعور بأن الأمر يتعلق بتسويق مجاني لفضاء قروي مغربي، مرتبط بالسياحة الجبلية.
كونكسيون، مدته 17 دقيقة، إخراج وسيناريو نادية غالية، تصوير محمد اليازمي، صوت سعيد لمريس، مونتاج محمد عدناني، موسيقى عائشة مايا، تشخيص: فاطمة أغلاس، زاهية زاهري، عباس كامل، أمينة العزيزي.
 
ثقل الظل

 كما عاهدنا في تجاربه السينمائية السابقة، كان المخرج حكيم بلعباس وفيا لنهجه الخاص في تصوير أفلامه، هذا النهج المتمثل في توثيق أحداث كما تجري في الواقع، بكل عفويتها، من خلال عمله الأخير الموسوم بثقل الظل، والظل هنا، إشارة إلى الماضي، إلى سنوات الاعتقال السياسي والاختفاء القسري، بكل ثقلها، غير أن الشريط لا يجسد لنا وقائع هذه الفترة من تاريخ المغرب، كما درجت على ذلك موجة من الأفلام السينمائية التي صورت في الفترة الأخيرة، خصوصا في ظل الانفراج السياسي، إلى حد أن ذلك بدا مثل شكل من أشكال الموضة.
المخرج في هذا الشريط الوثائقي، الذي ينتفي فيه البعد التخييلي، يركز على أسرة حماد الذي تعرض للاختطاف بسبب نشاطه السياسي، ولم يظهر له أي أثر على الإطلاق، ومدى انعكاس هذا الوضع على نفسية أفراد أسرته، على والديه بالخصوص، المخرج يمنح كل الوقت لأفراد هذه الأسرة، من أجل البوح عن معاناتها المترتبة عن اختفاء قسري لواحد منهم. كيف أن الأب الذي بلغ من العمر عتيا، عانى من أجل الوصول إلى الحقيقة لكن بدون جدوى، وكيف أن الأم قررت أن لا تنظر إلى وجهها في المرآة للتزيين، إلا بعد ملاقاة ابنها الذي غيبته السجون، والذي ظل مجهول المصير.
 لم يكن المخرج يسعى من وراء شريطه هذا، كما أكد على ذلك بنفسه، إلى الإجابة عن أسئلة ما، لأن السينما في نظره ليس هذا دورها، بل دورها هو أن تطرح أسئلة، كما أنه لم يكن يطمح لتبليغ رسالة ما إلى المعنيين بها، لأن القول بالرسالة مجرد خرافة في نظره، غير أن الشيء الذي يتأسف له والذي عجز عن تحقيقه في هذا الشريط، هو الإمساك بشاعرية أقوال أبطاله وتحويلها إلى صور.
 بالرغم من البعد التوثيقي التسجيلي لشريط ثقل الظل، فإنه راعى البعد الجمالي والفني، من خلال تركيزه على بعض الجزئيات الصغيرة، سواء تلك المرتبطة بالعناصر الطبيعة للقرية: النمل المنهمك في عمله لتخزين القوت، وبالحياة المعيشية اليومية لسكان هذه القرية، وبالأخص الأسرة التي تم اختطاف واحد من أفرادها.
ثقل الظل، مدته 82 دقيقة، إخراج وسيناريو وتصوير ومونتاج وصوت حكيم بلعباس، موسيقى شوبرت، علي إيتكو وفاطمة إيتكو.          
 *****Sans titre-11 شهادات

نجيب بنكيران (رئيس غرفة موزعي الأفلام)

لا يمكن الحديث عن توزيع الأفلام في القاعات السينمائية، دون ربطه بظروف استغلال هذه القاعات في حد ذاتها. كما لا ينبغي إغفال مستوى الفيلم، لأنه يلعب دورا هاما في نجاح عملية التوزيع، مع الأسف أغلب القضايا التي تعالجها السينما المغربية، تنتمي إذا صح التعبير إلى الدرجة الثانية، بمعنى هناك أفلام كوميدية وترفيهية، أكثر من أنها أعمال سينمائية حقيقية تنقل إلى المشاهد رسالة هادفة.

السيناريست فاطمة الوكيلي

 كنت دائما وما زلت على قناعة تامة بأن الإنتاج السينمائي الكمي، لا بد أن يفرز نسبة من الأفلام الجيدة، قد تكون قليلة، لكن ما يهم أنها خرجت إلى الوجود.
 كما لا ينبغي أن نبخس قيمة الأفلام التي قد لا تقنعنا، لأن وراءها معاناة حقيقية، الإبداع إجمالا لا يتم بدون معاناة، وعلينا أن نضع أنفسنا مكان هؤلاء المبدعين ونتقاسم معهم المعاناة.
 في اعتقادي، ليس هناك عمل سيئ للغاية، بل هناك فقط ثغرات، وهناك طبعا إمكانية لإعادة الكتابة.
 السيناريو له دور أساسي في إنجاح العمل السينمائي، فلكي ننجز فيلمت جيدا، ينبغي أن يكون بين أيدينا قبل كل شيء سيناريو جيد. لكن السؤال الذي يفرض نفسه بهذا الصدد: ما هو السياريو الجيد وكيف يمكن إنجازه؟ كتابة السيناريو هي عمل فردي، لكن غياب الوعي بالشروط الفنية لكتابته، تشكل عائقا، كما أن هذا لا يعني أن امتلاك هذا الوعي من شأنه أن يفضي إلى كتابة سيناريو جيد، بل لا بد قبل كل شيء من حصول الرغبة في الكتابة، لا بد كذلك من توفر الفكرة الخلاقة، التي تسمو إلى درجة العبقرية.
 ما ألاحظه حسب تجربتي في كتابة السيناريو، أن المخرجين لا يطبقون السيناريو كما يقدم لهم، بل يتدخلون فيه، وأنا لا اعتراض لي على ذلك، إيمانا مني بأن من شأن ذلك أن يشكل دفعة قوية للمشروع السينمائي، مثلما أن الممثل هو الآخر له إسهام سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في كتابة ثالثة للسيناريو.
ما يمكن استنتاجه من ذلك، أنه ليس بالإمكان إنجاز سيناريو جيد إلا بعد إعادة كتابته عدة مرات.
 السيناريو الموجه للسينما يختلف عن ذاك الموجه للدراما التلفزيونية. عادة ما يحبذ مشاهدو التلفزة الفكرة البسيطة، والقضايا الاجتماعية بصفة عامة، على اعتبار أن هذا الوسيط يتوجه إلى جمهور عريض، يتطلب سهولة التلقي، في حين أن الكتابة للسينما هي أكثر تعقيدا.
 السينما المغربية بحاجة إلى مساهمة التلفزة في الدعاية لإنتاجاتها والترويج لها، ولا شك أن من شأن ذلك أن يساهم في الرفع من مستواها. لكن هذا محدود جدا، وأعتقد أن السينمائيين لهم دور في هذا الوضع، بسبب انغلاقهم على أنفسهم. عليهم مثلا توجيه الدعوة للإعلاميين خلال فترة تصويرهم لأفلامهم. وسائل الإعلام يمكن أن تلعب دورا هاما في تشجيع المنتوج الثقافي بصفة عامة.

المخرج السينمائي عبد السلام قلاعي

لا يمكن الفصل بين كتابة السيناريو ومرحلة إنجاز الفيلم، ينبغي على المخرج أن يربط علاقة وطيدة مع كاتب السيناريو. هناك من يتهم المخرجين الذي يفضلون كتابة سيناريو أفلامهم بأنفسهم، بأنهم أنانيون ومعجبون بذواتهم، في حين أن شخصية المخرج تبقى ضرورية، إنه يرغب في أن يعبر عن هواجسه وانفعالاتها والتي لا يمكن لأي كاتب سياريو أن يقوم بذلك بدلا منه، عملية الكتابة هي مركبة، هناك ضرورة للاقتراب من الموضوع والابتعاد عنه، في ذات الوقت، خلق المسافة مع الموضوع الذي يريد أن يطرحه المخرج مسألة ضرورية.
 لا بد من المرور بمسارات عديدة لبلوغ الأمثل، وفي اعتقادي أن من يعيب على المخرج الذي يمارس عدة تخصصات، هو جاهل بالكيفية التي يتم بها إنجاز الفيلم السينمائي. أكبر المخرجين العالميين يساهمون في كتابة سيناريو أفلامهم. حسب تجربتي الشخصية في إخراج أفلام للسينما وللتلفزة، لا أجد فرقا كبيرا بين الكتابة لهما معا، هناك أحكام مسبقة ومجحفة في حق الأفلام التلفزيونية، حيث يتم اعتبار كل فيلم سينمائي رديء هو مجرد فيلم تلفزي. في حين أن هذا المنتوج الأخير يفرض نفسه على المتلقي، ويتطلب مراعاة أن يقتحم بيوت الأسر، مما يفرض القيام برقابة ذاتية، في حين أن الفيلم الموجه للسينما، يتيح حرية أكبر لمخرجه، وجرأة أكبر كذلك، ويمكن تناول القضايا الحساسة دون مراوغة.
 إشكالية جودة الفيلم السينمائي، تؤرقنا، ولعل من بين شروطها الأساسية، توفير الإمكانيات المادية، هناك من يتحدث عن أن السينما الإيرانية مثلا، رفيعة المستوى، مع أنها تنجز بميزانية صغيرة، لكن هذا غير صحيح، الفيلم السينمائي الإيراني ينجز بميزانية تضاعف بكثير ميزانية الفيلم المغربي.

Related posts

Top