يوم المرأة العالمي.. مناسبة للاحتفال أم دعوة لصحوة الضمير العربي؟؟

> بقلم د. عبد السلام سيد أحمد*

لخص ميلان كونديرا الروائي الشهير دور المرأة في ظل الظروف الصعبة التي نحياها في عالمنا العربي حالياً بقوله: “إما أن تصبح المرأة مستقبل الرجل أو ينتهي أمر الإنسانية، لأن المرأة وحدها تستطيع أن تحتفظ في داخلها بأمل لا يبرره شيء، وتدعونا إلى مستقبل مشكوك فيه كنا سنكف عن الإيمان به منذ زمن طويل بدون نساء”.
نحتفل هذا العام بيوم المرأة العالمي في ظل ظروف صعبة يمر بها الوطن العربي حيث تخبو الأصوات المطالبة بالمساواة بين الجنسين وتكريم المرأة أمام هول ما تتعرض له في دول مزقتها النزاعات المسلحة كسوريا والعراق وليبيا واليمن وفلسطين. في الألفية الثالثة عدنا عقوداً للوراء فنطأطئ الرأس خجلاً من الانتهاكات التي ترتكب بحق المرأة وقد ارتكب تنظيم داعش في سوريا والعراق أعمالاً وحشية وإعدامات واستعباداً للنساء وتزويجهن قسراً والاعتداء الجنسي عليهنّ بالإضافة إلى خطف أتباع الأقليات الدينية والعرقية من شيعة وأيزيديين.
أما ليبيا فقد زادت معاناة المرأة بعد فرض بعض الجماعات المسلحة المزيد من القيود عليها واغتيال الناشطات وخطف النساء واغتصابهن لا سيما الفتيات.
وفي اليمن تتعرض المرأة  للقتل، والإصابة، والإعاقة، ويتم استهدافها بالأسلحة وُتعاني من التفكك الاجتماعي والاقتصادي. وفي فلسطين أصبحت مؤخراً تتعرض للقتل العبثي، والاعتداءات من قبل جنود الاحتلال إلى جانب الانتهاكات الأخرى التي مورست عليها طوال 68 عاما.
عرّى سقوط أوراق الربيع العربي حقيقةً عنفٌ ممنهج تقشعر له الأبدان يغرس براثنه في قلوب النساء ويجعلهن فريسة للهلع والآثار النفسية الناجمة عن العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الجنسي، والزواج القسري، والحمل القسري، والإجهاض القسري، والتعذيب، والاتجار، والاستعباد الجنسي. وكثيراً ما تمرّ هذه الانتهاكات في أوقات النزاع بمعية حصانة كاملة لمرتكبيها حيث الغالبية العظمى من القضايا لا تصل إلى أروقة المحاكم بسبب وصمة العار والضغط من أفراد الأسرة وتهتك النظام القضائي في دول شرذمها الصراع. وأمام ويلات الحرب هذه تجد المرأة نفسها أمام خيار النزوح وهي الأكثر تضرراً عند الالتجاء إلى المخيمات إذ يتوجب عليها تحمل وطأة فقدان الممتلكات والسكن والإرهاق النفسي والجسدي خلال عملية النزوح التي كثيراً ما تصاحبها حالات الخطف والاغتصاب ومروراً بالعيش في المخيمات التي تفتقر إلى أدنى وسائل الراحة من مسكن ومأكل وندرة في الخدمات الصحية.
وعلى الرغم من المصاعب الشديدة التي عانت منها المرأة العربية خلال الحروب، إلا أننا لا نزال بعيدين في المنطقة العربية عن الأخذ بالمبادئ والحلول التي تضمنتها التشريعات الدولية ولا سيما القرار رقم 1325 الصادر عن مجلس الأمن.
ويمثل هذا الواقع مفارقة مؤلمة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن منطقتنا هي من أكثر مناطق العالم تعرضاً للنزاعات المسلحة وأشدها حساسية وافتقاراً للاستقرار بين بقية المناطق.
فقد شهدت المنطقة العربية تطورات كثيرة في الوضع السياسي في السنوات الأخيرة وتفاقمت الحروب والنزاعات الداخلية الجديدة. ومع تطور التكنولوجيا والآلات الحربية، فإن الضرر الاقتصادي والبشري يزداد فداحة، وبالتالي تتفاقم معاناة المرأة بشكل خاص. وفي الحروب تصعب المطالبة بالتغيير وإعمال حقوق المرأة إذ يحظى الوضع العام ومصير البلد ككل بالأولوية.
وفي مقابل الآثار السلبية للحروب والنزاعات على الإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص، تفتح الحروب أحياناً إمكانيات نشاط في الفضاء العام بالنسبة للنساء بحكم الواقع اليومي الضاغط وذلك من ناحية مشاركة المرأة وتمكينها وتمرسها في العمل العام والعمل السياسي. وكثيرًا ما تنشط النساء والفتيات في عمليات السلام قبل وأثناء وبعد النزاعات. تدرك العديد من النساء أهمية عمليات السلام والانضمام إلى مجموعة متنوعة من القواعد الشعبية في جهود لبناء السلام الرامي إلى إعادة بناء النسيج الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي، والثقافي لمجتمعاتهن. وعلى الرغم من ذلك، فالعمليات الرسمية للسلام، بما في ذلك المفاوضات، والاتفاقيات، وخطط إعادة الأعمار، كثيرا ما تستثني مشاركة ذات معنى للنساء والفتيات. وكثيرًا ما تُدفع النساء والفتيات، المنخرطات بنشاط في إعادة بناء الاقتصادات المحلية والمجتمع المدني، إلى الخلفية عندما تبدأ عمليات السلام الرسمية.
إن قضية المرأة في النزاعات المسلحة والحروب لم تحظ بعد بالاهتمام الكافي في بلادنا من حيث البحث والتحليل وجمع البيانات وذلك لزيادة الوعي والمعرفة بأثر هذه المنازعات والحروب على حياة المرأة، فنحن الآن بأشد الحاجة إلى تطبيق المبادئ التي تضمنتها القرارات الدولية الرامية إلى حماية المرأة في النزاعات المسلحة. وقد تبنى مجلس الأمن قرارا جديدا (2122) يدرج المرأة بشكل كامل في محادثات السلام والعدالة الانتقالية حيث أعلن  في الثامن عشر من أكتوبر 2013  ضرورة وضع القيادات النسائية في مركز اتخاذ القرارات من أجل حل الصراعات وتعزيز السلام، حيث يمكن هذا القرار المرأة بصورة أقوى في المشاركة في حل النزاعات ويضع المسؤولية على عاتق مجلس الأمن والمنظمات الإقليمية والدول الأعضاء التابعة للأمم المتحدة من أجل تفكيك وكسر الحواجز وخلق المساحات من أجل مشاركة  النساء.
وفي عز الأزمة والخسائر الفادحة التي تتوالى عليها، نجدها هي المرأة التي تنحّي تناقضات وتقصير مجتمعها الذكوري المتعلقة بعلاقتها مع الرجل جانبًا حتى تتمكن من مواجهة ظروف طارئة، فتذهلنا بتحمّل مسؤولية النضال، ليتم إقصاؤها اجتماعياً وسياسياً بعد تخطِّي الأزمات وإعادتها للصفوف الخلفية، لارتياب غير مبرر من مساواة المرأة بالرجل، في حين أن ما وصلت إليه المرأة العربية من مراكز متقدمة، كانت تسعى من خلالها بصدق للصالح العام وبناء المجتمعات.
في هذا اليوم، في أوطاننا، نحن في  أمس الحاجة للمرأة لكي تعيد التوازن والسلام لأمم فتتها الصراع.
في هذا اليوم، لكل امرأة في عالمنا العربي ألف تحية وألف سلام.
*الممثل الإقليمي للمفوض السامي
 لحقوق الإنسان بالشرق الأوسط

Related posts

Top