‎احتفاء بالأديب الراحل عبد الكريم غلاب

أجمع المشاركون في ندوة حول الراحل عبد الكريم غلاب أنه كان قامة من القامات الوطنية الكبرى التي عرفتها البلاد في المجالات الإعلامية والفكرية والأدبية والسياسية، مضيفين أن منجزه الثقافي والفكري على مدى عقود يشهد على عمق إنساني نبيل.

وأضاف المشاركون في الندوة، التي انعقدت على هامش الدورة الرابعة والعشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب، أن المتابعة النقدية لأعمال عبد الكريم غلاب، الذي وافته المنية في 14 غشت المنصرم، تبين أنه أنجز أعمالا عديدة ومتفرعة، منها الرواية الأطروحة التي تختلف عن الرواية الإيديولوجية وإلا تم حصره في إطار ضيق، إذ كان وطنيا بالمفهوم الشام اختار الكتابة وسيلة لتغيير الذهنيات وليس الواقع.
وأوضح المنتدون، وهم من ذوي مشارب مختلفة في المجالات الأدبية والإعلامية والبحثية، أن التحديث الأجناسي، الذي برع فيه غلاب، يفسر أن كل الخيارات لم تكن إلا بوابة اختارها أسلوبا للكتابة (الواقعية النقدية على سبيل المثال)، مع الوضوح في التعبير إذ أنه كان يرفض اللغة المقعرة، ويرفض إعطاء مظهر تجريبي لكتاباته، ويسعى لخلق توازن جمالي بين الناحيتين اللغوية والجمالية، فضلا عن العلاقة العامودية مع القاريء من خلال المونولوغية وليس الحوارية.
وأبرزوا أن الراحل عبد الكريم غلاب انتقل إلى مرحلة أخرى هي المرحلة النقدية، التي ترتبط يها الكتابة بالوعي، في بعده العام (قضايا الناس ومشاغلهم) وبعده الخاص (خصوصية الكتابة وما تحتاجه من مستويات تعبيرية جمالية)، مشيرين إلى اختلاف أسلوب كتابته إذ أن لكل شكل تعبيري لديه أسلوبه الخاص.
وبخصوص ذاكرة غلاب الإعلامية، أكد المتدخلون أن من الصعوبة بمكان حصر عطاءات أهرامات وطنية، من عيار عبد الكريم غلاب وعبد الجبار السحيمي ومحمد العربي المساري، على مدى عقود من الزمن كان لممارسة الصحافة فيها ثمن غال، لكن الوفاء لهم والامتنان لما خلفوه للوطن يستوجب السعي إلى مقاربة شخصياتهم الثرية فكريا وإعلاميا وأدبيا وسياسيا.
ورأوا أن نجاح عبد الكريم غلاب، الذي كان أحد أهم هؤلاء الرواد في هذه المرحلة إلى جانب ماهدين آخرين، يفسر بمراجعه السياسية، موضحين أنه شكل ظاهرة فارقة في تأسيس صحافة جديدة بمضامين واجتهادات جديدة إذ أنه تمكن من ناصية اللغة بشكل يكاد يكون غير مسبوق، وكتب في مختلف أجناس الكتابة بأساليب متعددة قبل ظهور معاهد الصحافة والإعلام.
وأشاروا إلى أن غلاب برع في كتابة الافتتاحية والعامود («مع الشعب»…) والمقال السياسي والأدبي والمقال الأسبوعي («حديث الأربعاء»..)، و تميز بقوة الترافع المنطقي والثقافة الموسوعية وحس إدارة الزمن، معتبرين أن أحد أسرار نجاح كتابات غلاب هو صدقيته في الكتابة، إذ أنه لا يكتب إلا لما هو مقتنع به.
وتحدث المشاركون في هذه الندوة عن عبد الكريم غلاب النقابي الذي أبلى البلاء الحسن خاصة في مواجهة صحافة «ماس» الاستعمارية، وكذا عن غلاب الذي أدار جريدة (العلم) بحزم وصرامة وعدم تسامح مع الأخطاء ولكن في الوقت ذاته بحنان الأب العطوف في رعاية شؤون العاملين بالجريدة.
ولبيان مظاهر الأستاذية في حياة غلاب، أوردوا شذرات أغفلها في كتبه السير – الذاتية الأربعة، التي استهلها بسبعة أبواب وختمها ب»سفر التكوين» مرورا ب»الشيخوخة الظالمة»، من قبيل تأثره في صباه بفاس بالزعيم علال الفاسي، وهو ما غير مسار حياته، وانتقاله لدراسة الأدب في مصر عوضا عن دراسة القانون، وإسهامه في إنقاذ المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي من الاعتقال بإنزاله في ميناء بور سعيد، وكذا تدريسه بالمدارس القبطية واشتغاله بالتفتيش في مصر، قبل العودة إلى المغرب.
كما تحدث المتدخلون عن عبد الكريم غلاب المفكر والفقيه الدستوري والرائد في كتابة الرواية (دفنا الماضي) والمجموعة القصصية (وأخرجها من الجنة) وأدب الرحلة (من موسكو إلى مكة) والرواية السجنية (سبعة أبواب)، التي أشاد بها الناقد المصري الكبير محمد مندور، علاوة على كونه من أوائل المنفتحين عمليا على الأفق القومي، مشيرين إلى أنه أنجز حوالي سبعين كتابا بالرغم من أنه شرع في الكتابة متأخرا.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أكدت الأديبة خناتة بنونة أن عبد الكريم غلاب هو «قامة مغربية عالية فكرا وإبداعا ودراسات ونضالا»، «كان يحفر في الممكن والمستحيل، ليبني جيلا جديدا ووطنا جديدا وإنسانا مغايرا». وذلك «في كل ما كتب أو فعل منذ أن كان شابا يافعا بفاس أو بالقاهرة أو في آخر لحظة من عمره»، داعية إلى أن «تدرس كتابات غلاب، وكتابات كل مجايليه من القامات الكبيرة التي كان يزخر بها المغرب آنذاك، للأجيال الآتية في المستويات الابتدائية والثانوية والجامعية» وأن يقوم الإعلام بدوره في التوثيق للنشاطات التي تنظم حول هذا الأديب والمفكر الكبير.

تصوير: عقيل مكاو

Related posts

Top