‎من فعاليات الدورة 38 لموسم أصيلة الثقافي الدولي

 انصبت مداخلات مجموعة من الباحثين (زياد عبد الله، إدريس الكريني، محمد قواص، أنور نايان، عبد الله ولد باه، محمود علي داوود، عبد الله أبو عوض…)، حول محور “النخب ومهام التحديث والديمقراطية” في إطار الندوة الفكرية لجامعة المعتمد ابن عباد الصيفية بموسم أصيلة الثقافي التي نظمت على مدى يومين،  فقد تمت إثارة أهم التحديات التي تواجهها النخب الفكرية والسياسية، باعتبارها تسعى إلى تكريس مشروع سياسي يؤمن بالديمقراطية، وتتمثل هذه التحديات في الإقصاء واستبعاد المبادئ الدستورية. ومن ثم كان لا بد من إيجاد رؤى تسند المشروع الثقافي والسياسي، وفي هذا الإطار جرى استحضار التجربة المغربية، مع العلم أنها تمثل مرحلة انتقالية على هذا المستوى، فقد كان هناك تراكم فعلي لتجربة الانتقال الديمقراطي كما هو متجسد على وجه الخصوص في هيئة الإنصاف والمصالحة، وجبر الضرر وغير ذلك..
‎ وتم كذلك طرح إشكال كيف يمكن للنخب تنزيل المطالب وتدبير الخلاف، في ظل التحولات التي فرضتها الانتفاضات الشعبية، مما يجعلها أمام أسئلة شائكة: التمتين الديمقراطي، المفهوم الجديد للسلطة..
‎  وتم النظر إلى انتفاضات الربيع العربي التي كانت عفوية وبدون قيادة مجربة، بمثابة أهم إنجاز حضاري سلمي في القرن الحادي والعشرين، باعتبارها الرد الضروري لسياسة أنظمة القمع والإقصاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي. غير أن بعض الحركات والتيارات الإسلامية تمكنت من الصعود على أكتاف هذه الانتفاضات، إيمانا منها بأن الإسلام عبادة وقيادة، ووجدت مرجعا لها في صناعة الموت، وهو ما يبرر رفضها فصل الدين عن الدولة.
‎  وتمت الإشارة إلى أن دور النخبة العربية أمامها تحدي بناء الدولة العادلة المواطنة، دولة العلم والحرية والحوار، في حين أن من يقاتل دفاعا عن الله، فإن الله ليس بحاجة لمن يدافع عنه.
‎ وعبرت إحدى المداخلات عن الأسف للفراغ الذي أثاره غياب النخبة، حيث فتح ذلك باب التهافت الأجنبي، إلى حد أن الحل لم يعد بيد الداخل، بل رهين لاتفاقات دولية.
‎ كما تم التذكير بأن التحول الديمقراطي مسار شاق، وأن النخب لها أثر في التأطير والمواكبة، فالانتفاضات كان لها في السابق فلاسفتها الذين مهدوا لها الطريق.
‎ واعتبر نجاح النخب السياسية في تحدي التنمية، رهين بمدى قوتها وتجدرها في فضاء ديمقراطي. كما تم التأكيد على أن الثقافة والوعي السياسي ضروري لدعم التحول الديمقراطي وترسيخ التغيير.
‎  الوضع السياسي الراهن، أفرز نخبا فاعلة تحكم وتوظف الدين والإعلام، ونخبا أخرى ضعيفة خارج مراكز القرار.
‎ وتمت الإشارة كذلك إلى أن الحراك العربي خلف آمالا لدعم التحول الديمقراطي، غير أن هذا الأمل عرف خفوتا نتيجة التضارب بين مشروعيتين: مشروعية دستورية ومشروعية إرادة الشعوب. وفي هذا الإطار تم اعتبار الحراك الاجتماعي محكا للنخب، على اعتبار أنه كان له إسهام في فضح عدم جاهزيتها، غير أنه لم يحقق مراميه نظرا لغياب زعامات على غرار نلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، وهو ما فتح الباب أمام بروز نخب جديدة ما فتئت تتعرض للتضييق.
‎ وتم من جهة أخرى اعتبار النخب الغربية أكثر نجاحا من النخب العربية، وأن ذلك راجع إلى أن الغرب يمثل دولة القانون مما جعل نخبه تتسم بالدينامية.
‎ وحول واقع النخب الفكرية العربية، تمت الإشارة إلى أنها تعيش أزمة، تتجسد في الإلغاء والإلغاء المضاد، وكان ذلك جزء أساسي من هشاشتها، مما أدى إلى اندثار كياناتها وهوياتها.
‎ من جهة أخرى تم اقتراح مجموعة من النقط التي من شأنها أن تجسد حلولا ملموسة للمشاكل التي تشكو منها النخب السياسية:
‎ــ تشكيل فريق متعدد الاختصاص
‎ــ تنظيم التفكير
‎ــ العصرنة الاجتماعية والدمقرطة
‎وعلى مستوى الخطوات الاستراتيجية، على أعضاء الفريق إجراء تحقيقات والمشاركة في منتديات، وصياغة تقارير بناء على النتائج المستخلصة، ثم بلورة التوصيات والحلول.
‎ وتطرقت إحدى المداخلات إلى وضعية النخب الإسلامية في آسيا، حيث تمت الإشارة إلى أن منها من يدعم الحكومة القائمة ومنها من يطالب بإصلاحات سياسية، وتم استنتاج أن النخب المعارضة هي ضعيفة، وأن النظام واع بأنه لكي يستمر عليه أن يحدث التحولات الإيجابية المقنعة وملء الفجوات في مستوى الدخل بين الطبقات.
‎ وتحدثت إحدى المداخلات عن النخبة بين الثورة والتحديث، حيث تم التأكيد على قناعة وهي أن ثورات الربيع العربي من الصعب تعميمها على كافة الأقطار العربية.
‎ وأن فشل هذه الثورات كان نتيجة غياب برنامج ومدخل تنويري، مما مهد لصعود الدولة الدينية، التي تتعارض في الأصل مع الديمقراطية والتحديث وقيم العلمانية.
‎ وتم في هذا الإطار التأكيد على الحاجة إلى قراءة جديدة لتراثنا، وعيا بأنه لا حداثة بدون ديمقراطية.
‎  واعتبرت إحدى المداخلات أن أمام النخبة مجموعة من التحديات لبناء دولة حديثة: خلق مجموعة سياسية وطنية، بسط السلم الأهلي سيما مع طغيان الأصوليات والتطرف الديني، والخروج من حالة حرب الكل ضد الكل، التحديث الاجتماعي.
‎ وتناولت مداخلة أخرى وضعية النخبة في العراق، حيث تم التذكير بأن تجارب قاسية مرت عليها، عقب الغزو الأمريكي والإرباك في إدارة الدولة والتباطؤ في حل المشاكل ومضاعفة الشعور بالإحباط.
‎ ومن المظاهر السلبية لبعض النخب في هذا البلد الممزق، استغلال الدين لأسباب سياسية، في حين أن هناك فرقا كبيرا بين الدين باعتباره يمثل القدسية والطهر والانفتاح على كل الناس وبين السياسة.
‎ وتمت الإشارة في هذا الباب إلى أن غالبية الشعب العراقي يؤمن بأهمية إقامة الدولة العراقية المدنية، باعتبارها كفيلة بوضع حد للسياسات غير الرشيدة التي أدت إلى خلق بينية هشة، شجعت على تنامي مظاهر الإرهاب والتطرف.
‎ وتم في مداخلة أخرى التوقف عند إشكالية الفصل بين الدين والدولة، حيث تم التذكير بأن طروحاتها مسنودة بمفاهيم غربية، ولها ارتباط بممارسة طقوسية كنسية، وأن هذا الفصل خضع لمنطق التجديد الاجتماعي، دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصية المجتمع العربي.
‎ واعتبرت هذه المداخلة أن الطرح الذي يقوم على جعل الدين له ارتباط بصناعة الدولة، تم اعتمادا على سطحية النص، مما أفضى إلى بروز شرخ بين الثقافة الإسلامية والثقافة الاستهلاكية.
‎ وقامت إحدى المداخلات بالتذكير بأن فشل الثورات العربية الأخيرة في تحقيق مبادئها، يعود بصفة أساسية إلى انشغالها بنفسها عن أهلها، وأن الحل يكمن بالأساس في تأسيس دولة المضمون لا دولة الشكل.         
‎  وكان قد جاء في الورقة التأطيرية لهذه الندوة الفكرية التي أعدها الأستاذ الباحث المختار بنعبدلاوي، أن مصطلح الربيع العربي أثار لغطا كبيرا منذ أطلق لأول مرة على موجة الانتفاضات على عدد من الأنظمة السياسية العربية، وقد تزايد الجدل عندما اصطدمت بعض الانتفاضات بردات فعل عنيفة في ليبيا وسوريا واليمن، بخلاف التغيير السلس نسبيا الذي شهدته كل من تونس ومصر، والإصلاحات الدستورية والسياسية العميقة التي عرفها المغرب في جو من الاستقرار والتوافق. وبالنظر إلى كل ما سبق كان لا بد من التساؤل حول مدى قدرة الهوية الوطنية أو القومية على تطوير خطاب سياسي جامع في عالم ما بعد صراع الشرق والغرب، وبيئات ما بعد عصر الهويات القومية التي تجاوزتها مناطق عديدة من العالم، مع أنها تحن إليها بين الفينة والأخرى. وهل من المحتوم أن الإسلام السياسي بمختلف أطيافه هو الآن الهوية الوحيدة القابلة للحياة التي ستجدها هذه النخب أمامها؟ فقد كانت الاستقلاليات المتوالية للبلاد العربية والإسلامية، في جانب منها، تكليلا لجهود النخب، لكنها في جزئها الآخر، كشفت التباينات الكبرى بين مشاريع ما بعد الاستقلال، وانبثقت عنها معارضات نهلت من المرجعيات اليسارية والقومية دون أن تفلح في تحقيق موازين القوى المطلوبة على الأرض، في مقابل انكماش دور وتأثير النخب اليسارية والقومية والديمقراطية، صعدت النخب ذات المرجعية الإسلامية بقوة مع مطلع الألفية الثالثة، ولعل السؤال لا يتعلق فقط بطبيعة السياق الذي تشابكت فيه مقومات هذا الصعود القوي، ولكن في الوقت نفسه، بالغياب شبه الكلي للرأي الآخر، وانفراد الإسلاميين بالهيمنة، دون أن تتوفر مقومات نقاش عمومي متوازن. لقد مكنت هذه الوضعية النخب ذات الخلفية الدينية من تحقيق مكاسب متزايدة في المجال العمومي الحديث برأسمال تراثي محافظ، هو في الأصل ملك للجميع، ويرى كثير من المحللين أن هذا التموضع للنخب، ذات الخلفية الدينية، يعطل مسيرة التحديث عبر إبقائه على الآليات التقليدية للانتظام والعمل السياسي، وهو بذلك يسقط خاصية الخدمة العمومية عن العمل السياسي ويحوله إلى فعل إيماني أو شعبوي يتنافى مع أبجديات المواطنة. ومن ثم يطرح تحدي كيفية المحافظة على الدين بصفته تراثا مشتركا لكل المواطنين دون أن يكون محتكرا من لدن السياسة، وكيف يمكن للنخب أن تبني من التوافقات الحرة دولة تساوي بين مواطنيها وتمد الجسور في ما بينهم باختلاف أديانهم ومذاهبهم وأعراقهم وألوانهم ومصالحهم، حيث تمارس السياسة بالمعنى النبيل بصفتها خدمة عمومية للمواطنين.  

مبعوث بيان اليوم إلى أصيلة: عبد العالي بركات

Related posts

Top