أوييم.. تحتضن أطياف المغرب بمناخ معتدل ودماثة شعب

قبور تجاور منازل مبنية من الآجر أو الخشب أو القصدير وسط غابة من الأشجار.. كان أبرز ما لفت انتباهنا ونحن في الطريق إلى مدينة بيطام الأربعاء الماضي لحضور حصة تدريبية للمنتخب الوطني لكرة القدم ضمن تحضيراته اليومية لإجراء مباريات المجموعة الثالثة ضمن نهائيات كأس أمم إفريقيا 2017 بالغابون.
طريق غير معبد جيدا.. منعرجات حادة وحفر ومطبات.. غابة كثيفة وأشجار باسقة.. خضرة في كل مكان.. مشاهد وقفنا عليها ونحن نستقل حافلتنا الصغيرة التي يقودها سائقنا “برانس” وتضم مجموعة من الصحافيين الرياضيين المغاربة المكلفين بتغطية مباريات أسود الأطلس بـ “الكان”، وتحديدا بمدينة أوييم.
تقع أوييم التي تعتبر رابع مدينة غابونية من حيث الكثافة السكانية بما يقارب 60 ألف نسمة على مساحة أزيد من 38 ألف كلم² (معدل 1,6 نسمة في كلم²)، في الشمال الشرقي للبلاد، ضمن تراب ولاية ولو-نتيم، وتبعد عن العاصمة ليبروفيل بقرابة 370 كلم.
ولا تبعد أوييم التي وقعت سنة 2012 شراكة مع مدينة كليرمون فيران الفرنسية، كثيرا عن الحدود الفاصلة بين دولتي الكاميرون وغينيا الاستوائية، وهي أشبه بما نطلق عليه في المغرب مسمى “فيلاج”، بيد أنه ممتد على مساحة واسعة، وتحتوي على مرافق عمومية بشكل محتشم حالها حال معظم المدن التي تعاني هشاشة أيضا في بنياتها التحية باستثناء العاصمة ليبروفيل.
ورغم أن المسافة بين ليبروفيل وأوييم (369 كلم) أقصر من المسافة الفاصلة مثلا بين الدار البيضاء وأكادير والبالغة 465 كلم (أقل من 5 ساعات في الطريق السيار)، إلا أن رحلة الوفد المغربي بالحافلة، جاءت مرهقة وفاقت 9 ساعات دون توقف اللهم ملء الخزان بالوقود، بسبب المطبات والحفر الكثيرة في الجزء الأول من الطريق، والمنعرجات الحادة في النصف الثاني وسط غابة استوائية اعتقدنا أنها لا تنتهي، مع العلم أن رحلة الطائرة لا تتجاوز 45 دقيقة.
عموما فالجو في أوييم أفضل بكثير من ليبروفيل، فهي تقع على ارتفاع يناهز 650م عن سطح البحر، ما يمنحها جوا ألطف ولو أن الحرارة ترتفع أحيانا بحكم أن الغابون دولة تقع على خط الاستواء واليوم مقسم لـ 12 ساعة نهارا ومثلها ليلا، والجو في يناير يشبه كثيرا جو بعض المناطق المغربية، لكن أوييم كباقي مناطق الغابون الغطاء الغابوي الكثيف الذي يغطي %85 من مساحة البلاد.
في رحلة البحث عن الخبز، صادفنا تجارا من جنسيات مختلفة (موريتانيا ومالي وتشاد والكاميرون)، وما دامت الغابون دولة غير صناعية وتعتمد أساسا على تصدير البترول، فأغلب المنتجات الغذائية قادمة من دول كفرنسا وتايلاند ونيوزيلندا والكاميرون وتونس … بل إن علب السردين المصنع بأكادير متوفرة هنا بكثرة.
من الصدف أن الفندق الذي يقيم به الوفد الإعلامي المغربي، عرف مباشرة بعد وصولنا إليه في وقت متأخر من مساء يوم الجمعة 13 يناير الجاري، غزوا للجماهير الكونغولية لمتابعة مباراة منتخبها الذي نجح في التفوق على فريقنا الوطني (0-1)، وبعدها أصبح الفندق مهجورا بتنقل الكونغوليين إلى بورغونتي لمتابعة مباراة الطوغو والكونغو، علما أن بعثة طوغولية حلت بالفندق مساء الاثنين عقب إلغاء الرحلة الجوية بسبب سوء الأحوال الجوية.
وبدا ظاهرا أن الحركة الاقتصادية لأوييم انتعشت كثيرا سواء بالفنادق والمطاعم والمحلات التجارية، خلال فترة تنظيم البطولة الإفريقية، بقدوم أنصار منتخبات الكوت ديفوار والطوغو والكونغو الديمقراطية والمغرب، مع العلم أن الأسعار مرتفعة نظرا لاعتماد المدينة على استيراد المنتجات مع قلة المنتجات المصنعة محليا.
كنا محظوظين جدا بالدعم الجبار الذي قدمته لنا السفارة المغربية بالغابون، ويكفي أنها وفرت لنا حافلة صغيرة لنقل الصحافيين وأنصار المنتخب الوطني والجالية المغربية القادمة أساسا من العاصمة ليبروفيل، ما أراحنا كثيرا من عناء البحث عن سيارة أجرة للتنقل من أوييم إلى الملعب (18 كلم) أو بيطام (75 كلم).
ورغم ظروف الفقر وصعوبة العيش، فلقد أجمع المغاربة صحافيين ومشجعين ومقيمين، على دماثة أخلاق ولطف معشر الغابونيين الذين يحرصون أكثر على الاهتمام بالهندام واقتناء سيارات فارهة وهواتف ذكية، في تعاملهم مع الغير، بل إن الكثيرين من ساكنة أوييم أبدت تعاطفها مع المنتخب الوطني ومساندتها له لينتصر ويتأهل إلى دور الربع، في سلوك نبيل لا يمكن إلا اعتباره تجسيدا لمتانة أواصر الصداقة والإخاء بين شعبي المغرب والغابون.

مبعوث بيان اليوم إلى أوييم: صلاح الدين برباش

Related posts

Top