> حاورته: فنن العفاني

اليوم العالمي لحقوق الإنسان، بما يحمله من حمولة تشمل عصارة ما تمكن الفكر الإنساني من ترجمته إلى عهود واتفاقات وقوانين دولية، ترنو نحو عالم يحتكم لقيم تنتصر لإنسانية الإنسان، بعيدا عن أي معتقد أو انتماء أو إيديولوجية.. يحل هذه السنة محملا بتحديات كبرى، ليس من أجل إقرار ودفع الدول والحكومات للانضمام لتلك العهود والاتفاقات، ولكن بتحدي النكوص والعودة بالبشرية لأبشع العصور من حيث الدموية والقتل والاحتكام للقوة.
فاليوم العالمي لحقوق الإنسان بقدر ما يعد مناسبة لتقييم وضعية وحالة هذه الحقوق في بلدان العالم، بقدر ما يحل هذه السنة والعالم بمجموع دوله اليوم بات في مواجهة أخطار التطرف الذي لا يعير أي اهتمام للإنسان ككائن يجب صون حياته وتمتيعه بجميع الحقوق، كما بات في مواجهة أشكال من التحديات ترتبط بصون ما تمت مراكمته من مكتسبات حقوقية، وحث الدول والحكومات على رفع التحدي وعدم الانهزامية أمام موجات الجماعات المتطرفة والعمل بإصرار على الانخراط بشكل حثيث في مسار الارتقاء بحقوق الإنسان في مختلف جوانبها السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، البيئية والثقافية.. وفي هذا الصدد اختار المغرب بدوره رفع تحدي الارتقاء بحقوق الإنسان وتكريسها وترسيخها كنهج حملته وثيقة الدستور الجديد الذي يعد صكا حقوقيا بامتياز.
وللإحاطة ولو بجزء من تطور مسار الارتقاء بحقوق الإنسان في المغرب، اختارت بيان اليوم بمناسبة الذكرى السابعة والستين لتخليد اليوم العالمي لحقوق الإنسان، إجراء حوار مع الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، محمد الصبار.
الصبار، بمساره الحافل حقوقيا، فقد خبر المسار قبل عقود، خاصة من داخل هيئة ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان حيث تولى رئاسة المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، ومن تم فحينما يقدم تقييما لوضعية حقوق الإنسان راهنا فذلك يمثل محصلة تجارب ومواكبة، ليس كمراقب بل كفاعل من داخل الصف الحقوقي، لكن هذه المرة في جبة مسؤول بمؤسسة وطنية لحقوق الإنسان.
وهذا التقييم لا فواصل فيه للمجاملة بل بنبرة واقعية يؤكد أن المسار تطور دون أن ينفي استمرار وجود تجاوزات بل وحتى انتهاكات لكنها «غير منهجية»، حسب وصف الصبار.
< بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، ما هو تقييمكم للوضعية الحقوقية اليوم بالمغرب؟
> يعد اليوم العالمي لحقوق الإنسان محطة من أجل تقييم الأداء العام على مستوى الشأن الحقوقي المغربي وأيضا على المستوى العالمي. فعلى المستوى الدولي، هناك مشترك عالمي لقضيتين بارزتين، الأولى تتعلق بالبيئة والتحولات المناخية، والقضية الثانية تتعلق بتحدي الإرهاب، وهذا يدخل في إطار التفكير الجماعي والعالمي من أجل مواجهة هاتين الظاهرتين المهددتين من جهة للإنسانية، ومن جهة ثانية مهددة لحقوق الإنسان وللحريات ولثقافة التسامح، مما يتطلب تكثيف التفكير على هذا المستوى من أجل معالجة هذه الظاهرة من زوايا مختلفة، عوض الاقتصار فقط على الجانب الردعي والأمني. والمغرب من جهته، حاول أن يعالج هذه الظاهرة، وأعتقد أن الدولة توفقت إلى حد كبير في الحد منها من خلال عدد من الإجراءات والتدابير الاستباقية التي قام بها المغرب في هذا المجال. أما وضعية حقوق الإنسان على المستوى الوطني، فقد عرفت تطورا جد مهم فيما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، وعلى مستوى المشاركة السياسية، وعلى مستوى الحريات العامة بصفة عامة، طبعا هناك أحيانا انتهاكات وتجاوزات لكن لا يمكن وصفها بانتهاكات أوتجاوزات منهجية. وفيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لم نصل بعد إلى تمتيع المواطنات والمواطنين بهذه الحقوق، وهي حقوق مكلفة ماديا وتتطلب نوعا من التدرج، وبالتالي لابد أن يتجه مجال اهتمامنا كمؤسسة وطنية وحكومة مغربية وكمجتمع مدني إلى الالتفات إلى هذه القضايا والالتفات أيضا إلى قضايا التنمية، وأعتقد أن المبادرة الملكية الأخيرة في هذا الاتجاه قد يكون لها أثر إيجابي على المدى المتوسط والبعيد.
< اعتبر دستور 2011 بأنه صك حقوقي بامتياز، فما هي ملاحظاتكم بشأن أجرأة هذه الوثيقة في الجانب المتعلق بحقوق الإنسان؟
> يمكن القول إنه تم بذل مجهود من أجل تنزيل مقتضيات دستور 2011، وقد ساهم المجلس الوطني لحقوق الإنسان من موقعه في النقاش العمومي الرائج في بلادنا من أجل تفعيل الوثيقة الدستورية الجديدة استنادا على مضامين المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمعايير الدولية. ونسجل وجود بطء تشريعي واضح في هذا المجال، فنحن على مقربة من انتهاء ولاية الغرفة الأولى، وقد سبق أن أثرنا هذه الملاحظة في تقريرنا الأخير المتعلق بالمناصفة، حيث أكدنا وجود بطء كبير في قضايا أساسية مؤسساتية من بينها مثلا إحداث هيئة المناصفة، ومجلس الأسرة والطفولة، لذلك نعتبر أنه يجب تسريع العمل لتدارك الأمر وإخراج نصوص تشريعية جيدة تعتمد المعايير الدولية لحقوق الإنسان .
< أعلن المجلس مؤخرا أنه سيصدر تقريرا نهائيا حول تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، خاصة ما يتعلق بالكشف عن الحقيقة، فما هو الجديد الذي يحمله هذا الملف؟
> المجلس سيصدر تقريرا نهائيا ليس فقط حول الحقيقة وحول حالات مجهولي المصير، ولكن التقرير يتضمن كل ما قامت به هيئة المتابعة من أجل تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، بما في ذلك الملفات العالقة، وينتظر أن يكون هذا التقرير جاهزا في بداية السنة القادمة.
الهيئات الحقوقية تعتبر أن طي ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لا يستقيم إلا بإقرار عدم الإفلات من العقاب وأجرأة الحكامة الأمنية، فهل تتقاسمون هذا الرأي؟
> الوثيقة الدستورية تتضمن مقتضيات تتعلق بالحكامة الأمنية، وهذا الموضوع أصبح يشتغل عليه المجتمع المدني، وأعتبر أنه لابد أن تكون لنا رؤية ومقاربة واضحة في هذا الباب انسجاما مع ما ورد في الدستور من ربط المسؤولية بالمحاسبة، وأيضا لمناهضة الإفلات من العقاب. وأعتقد أن هذا النهج أصبح جاريا به العمل اليوم، حيث تمت مؤخرا إحالة رجال سلطة يشتبه في أنهم مارسوا التعذيب بالدار البيضاء وأيضا بفاس على القضاء، وأعتقد أن هذه الخطوات مشجعة لأنها تعيد الاعتبار للقاعدة القانونية وأيضا لكرامة الأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية.
< ارتباطا بموضوع التعذيب، يعد ملف التعذيب إشكالا كبيرا في الساحة الحقوقية الوطنية، فهل تعتبرون أن ما قامت به وزارة العدل من إجراءات كافية لإحراز تقدم في القطع مع ممارسات التعذيب ولو تعلق الأمر بحالات منعزلة؟
> هي إجراءات مهمة ولكنها غير كافية، أعتقد أن إرساء الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب سيكون لها دور كبير في الحد من ظاهرة التعذيب بمراكز الاحتجاز وأماكن الوضع رهن الاعتقال، على اعتبار أن الاختصاصات الموكولة لهذه الآلية استنادا لمنطوق البرتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب يخول لها القيام بزيارات مفاجئة لمختلف أماكن الاحتجاز أيا كانت طبيعتها سواء تعلق الأمر  بمراكز الشرطة، أو السجون، ومراكز احتجاز الأحداث، ومؤسسات العلاج النفسي ومقرات الخدمات الأمنية والاستخباراتية، ومقرات الاحتجاز في ظل اختصاص القضاء العسكري…. فضلا عن مراكز شرطة الحدود ومناطق العبور في المطارات والموانئ ونقط الحدود البرية. كما تخول لها تلك الاختصاصات الحصول على المعلومات المتعلقة بعدد الأشخاص المسلوبة حريتهم وكذا عدد أماكن الاحتجاز ومواقعها، والحصول أيضا على المعلومات التي تخص المعاملات وظروف احتجاز هؤلاء الأشخاص.
< ينتظر الحقوقيون إحالة القانون التنظيمي الجديد للمجلس الوطني لحقوق الإنسان على المؤسسة التشريعية، فهل سيعزز هذا القانون دور المؤسسة في النهوض وحماية حقوق الإنسان؟
> بالنسبة لمشروع القانون التنظيمي الجديد، فقد بات مطروحا على الحكومة المغربية أن تعمل من أجل أن يأخذ مجراه التشريعي العادي، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان له طموح في أن يحتضن آليات الإنصاف من بينها الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب وآلية مناهضة التمييز، وآلية تتعلق بالأشخاص الحاملين للإعاقة وآلية للتظلم وإنصاف الأطفال.
< في موضوع المساواة، تضمن التقرير الذي أصدره المجلس مؤخرا توصية تخص إشكالية الإرث أثارت جدلا كبيرا داخل المجتمع، كيف يمكن تجاوز هذا الإشكال والوصول إلى حلول بشأنه؟
> التقرير الأخير الذي أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمتعلق بالمناصفة إعمالا للدستور المغربي تضمن 87 توصية، فعلا توصية واحدة أثارت نوعا من الجدل، لكن توفقنا في فتح نقاش عمومي في موضوع الإرث الذي كان يعتبر بالأمس القريب موضوعا مقدسا ويدخل ضمن الطابوهات. ويجب التأكيد هنا أن الأمر يتعلق بتوصية وليست بفتوى، وتوصية المجلس غير ملزمة من الناحية المادية، وبما أن النقاش انكب على توصية واحدة، فإني أعتبر شخصيا أن هناك إجماعا حول باقي التوصيات ويجب على المعنيين بها العمل على تنفيذها.
< أعدت وزارة العدل مسودة قانون جنائي جديد كشفت عن مضامينه قبل أشهر، فهل تعتقدون أن ما تضمنه هذا المشروع يتلاءم مع الالتزامات الدولية للمغرب، وما حمله دستور 2011، وقادر على جعل العدالة بالمغرب مسايرة للتطور في مجال حقوق الإنسان؟
> المجلس الوطني ساهم في هذا النقاش جنبا إلى جنب مع وزير العدل أحيانا أمام البرلمان، أبدينا  الإيجابيات التي يتضمنها سواء القانون الجنائي أو قانون مسطرة القانون الجنائي. لنا بعض الملاحظات وأنجزنا مذكرتين حول الموضوعين معا، ونتمنى أن تتفاعل المؤسسة التشريعية مع توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان في هذا الباب في اتجاه تكريس مبادئ المحاكمة العادلة وفي اتجاه رفع التجريم عن بعض الممارسات المجرمة اليوم وفي اتجاه أن يكون لنا قانون جنائي يراعي أنسنة العقاب.

Related posts

Top