2019 سنة تعزيز المغرب لشراكاته مع افريقيا والعديد من دول العالم

بريطانيا

كانت سنة 2019 حبلى بالتوترات والتجاذبات السياسية في بريطانيا جراء الخلافات المتعددة بشأن قضية البريكست الشائكة ، لكنها كانت أيضا السنة التي تعزز فيها تاريخ العلاقات المغربية- البريطانية من خلال شراكة إستراتيجية جديدة.
ولئن كانت المملكة المتحدة عاقدة العزم على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي بعد فوز حكومة المحافظين في الانتخابات التشريعية الأخيرة بأغلبية ساحقة ، فإن المغرب استبق بذكاء المرحلة الانتقالية بعد البريكست من خلال إبرام اتفاق شراكة من شأنه ضمان استمرارية العلاقات الثنائية والتبادل التجاري بين المملكتين دون أي اصطدامات.
ويعيد هذا الاتفاق الذي وقع في 26 اكتوبر من قبل وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج السيد ناصر بوريطة وكاتب الدولة لدى وزارة الشؤون الخارجية والكومنولث أندرو موريسون، المكلف بمنطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا والتنمية الدولي ، في سياق العلاقات الثنائية، تأكيد مجموع المزايا التي اتفق عليها الجانبان بموجب اتفاقية الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي.
ويأتي توقيع البلدين على هدا الاتفاق استباقا لأي اضطراب محتمل قد يؤثر على مبادلاتهما التجارية في الفترة الانتقالية بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي ، المتوقع في 31 يناير 2020 ، إذا وافق البرلمان البريطاني على البريكست بسلاسة.
بالتوقيع على هذه الشراكة الاستراتيجية، والتي سوف تدخل حيز التنفيذ بمجرد توقف سريان الاتفاقات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في ما يخص المملكة المتحدة بعد مغادرتها الاتحاد ، ستستمر التجارة بين البلدين بطريقة طبيعية ومتواصلة ، مما سيمنح الرؤية والأمان الضرورين للفاعلين الاقتصاديين في كلا البلدين.
ولكون هذا الاتفاق يندرج في إطار سياسة المملكة المتبصرة الهادفة الى تنويع الشراكات الإستراتيجية وتعزيز دورها الرائد كحلقة وصل بين أوروبا وإفريقيا ، فانه يعكس التطور الإيجابي للعلاقات بين المملكتين. تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس.

إيطاليا

شكلت سنة 2019 التي توشك على الانتهاء، محطة بارزة على درب الرقي بالعلاقات المغربية -الإيطالية، وذلك بفضل الإرادة السياسية على أعلى مستوى و الرامية إلى إرساء أسس تعاون قوي ينعكس إيجابا على البلدين.
وقد أعطت زيارة وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو للمغرب في مطلع نونبر الجاري، زخما جديدا للعلاقات بين البلدين، إذ توجت بتوقيع إعلان للشراكة الاستراتيجية المتعددة الأبعاد .
ولم تأت هذه الطفرة النوعية في العلاقات من فراغ، فقد جاءت ضمن مسار التطور المستمر للعلاقات بين البلدين و التي يعود تاريخها إلى القرن ال19 وتقوم على أساس الثقة والاحترام المتبادل.
ويطمح كل من المغرب و إيطاليا إلى أن تشكل شراكتهما الاستراتيجية إطارا جديدا للتعاون الثنائي و لتقوية العلاقات الاقتصادية و التجارية و المالية ، خاصة عبر انخراط فاعلين اقتصاديين من كلا البلدين و خلق فرص للنمو في جميع المجالات ذات الاهتمام المشترك. كما يتطلع المغرب وإيطاليا إلى تعزيز التعاون الثنائي في الميادين المرتبطة بالاستثمار والتنمية والأمن، وفي المجالات الثقافية والتقنية والعلمية وتعميق التشاور السياسي.
و جاء تأكيد هذا الطموح و التطلعات بالخصوص على لسان وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي، السيد لويجي دي مايو، بمناسبة توقيع الشراكة الاستراتيجية ، إذ قال إن بلاده على استعداد لتطوير سبل التعاون مع المغرب لأنها تعتبره بلدا مستقرا وشريكا استراتيجيا في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط وأيضا باعتباره بوابة للقارة الإفريقية.
كما أشاد الوزير الإيطالي بالجهود التنموية التي عرفها المغرب ومراكمته لعدة تجارب في مجالات متقدمة، إضافة إلى ما تحقق من تطور في مجال الاستثمار في الطاقات المتجددة وغيرها من القطاعات التنموية الرائدة، مؤكدا استعداد بلاده للتعاون مع المغرب من خلال المشاركة في الاستثمار في مشاريع ذات علاقة بالتقنيات الحديثة والابتكار والبحث العلمي الجامعي.

إسبانيا

تعززت دينامية العلاقات الوثيقة والمتعددة الأبعاد بين المغرب وإسبانيا خلال عام 2019 ، وذلك بفضل مبادرات وقرارات جددت زخم هذه الشراكة الإستراتيجية التي ترتكز على مبدأ رابح ـ رابح والتي تجمع بين المملكتين وبين الجارين .
ويرتكز التعاون المتعدد الأبعاد بين البلدين الجارين الذي يشمل الاقتصاد والدبلوماسية مرورا بالملفات الأمنية وتدبير تدفقات الهجرة على رؤية واضحة وطموح واعد تغذيه رغبة متجددة لدى البلدين من أجل تكثيف وتقوية علاقات الشراكة في مختلف المجالات خدمة للشعبين الشقيقين .
وإذا كانت العلاقات المتميزة والمتفردة التي تجمع بين المملكتين وبين العائلتين الملكيتين تاريخية وعريقة فإن الزيارة الرسمية التي قام بها عاهلا إسبانيا الملك فليبي السادس والملكة ليتيسيا في شهر فبراير الماضي إلى المملكة أعطت دفعة قوية وزخما متجددا لهذه الدينامية الشاملة .
وبالملموس فقد توجت زيارة العاهل الإسباني إلى المغرب بدعوة كريمة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس بالتوقيع على 11 اتفاقية للتعاون الثنائي همت مختلف المجالات .
ففي الشق الاقتصادي، يتعلق الأمر بمذكرة تفاهم حول إقامة شراكة إستراتيجية في مجال الطاقة واتفاقية حول تنمية وتطوير الربط الكهربائي بين المغرب وإسبانيا.
وبفضل القرب الجغرافي بين البلدين واستقرار أكثر من 1000 شركة إسبانية في المغرب مع وجود جالية مغربية مهمة كما وكيفا في إسبانيا إلى جانب دينامية في التدفقات والمبادلات التجارية الثنائية تتواصل عملية تطوير وتكثيف وتنوع العلاقات الاقتصادية بين البلدين سنة بعد أخرى .
كما أن إسبانيا التي حافظت في عام 2018 على مركزها كأول شريك تجاري للمغرب ( أول مورد وأول مصدر ) لا تخفي اهتمام الشركات والمقاولات الإسبانية بالسوق المغربي بالنظر لما توفره المملكة من فرص استثمارية مهمة وواعدة للفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين الأجانب خاصة الإسبان.

إفريقيا

تميزت سنة 2019 بدخول اتفاقية إحداث منطقة التجارة الحرة الإفريقية التي وقع وصادق عليها المغرب، حيز التنفيذ. أفاق هذه الاتفاقية على المغرب واعدة بحكم أن العلاقات التي تجمع المغرب مع عدة دول افريقية هي علاقات متينة وهي الوحيدة التي في صالح المغرب. بالتالي فإن المغرب يتفاءل خيرا بحكم تموقعه في القارة، مما سيمكنه بفضل هذه الاتفاقية من الولوج إلى أسواق جديدة وكبيرة تضم 55 دولة افريقية بما يعادل مليار و200 مليون من المستهلكين. المغرب طالما عبر عن تموقعه الجيوسياسي في القارة الإفريقية عن طريق عدد من الإشارات، منها عودته لمؤسسة الاتحاد الإفريقي سعيه للانضمام إلى منظمة دول غرب إفريقيا وتوقيعه على اتفاقيات كبيرة منها اتفاقية الربط القاري بأنبوب الغاز، كل ذلك سيدعم من فرص المغرب ضمن اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية. من جهة أخرى لا يمكن أن نغفل أنه هناك تحديات مطروحة فيما يتعلق بالاندماج الاقتصادي، لأن هذه التحديات يكون فيها رهان رابح رابح، بالتالي فالمغرب سيلج أسواق جديدة وهذا سيكون له وقع على التوازنات الاقتصادية الحالية لدى المغرب في علاقته مع شركائه التقليدين وشركائه الأفارقة. من الناحية الجيواستراتيجية يعد هذا الاتفاق نقطة مهمة لخدمة للمصالح العليا للمغرب على رأسها القضية الوطنية.هناك آفاق لهذه الاتفاقية على المغرب، كما أنه في نفس الوقت تحديات سيكون لها وقع سلبي إذا لم يتم التعامل معها بشكل إيجابي من طرف الفاعلين الاقتصاديين الوطنيين، وهناك تجارب سابقة في هذا الجانب. لا يمكن للمنظومة الاقتصادية البقاء على ما هو عليه وعدم التأقلم مع المتغيرات. هذه الاتفاقية هي فرصة للمنظومة الاقتصادية أكبر منها خطر لكن ينبغي على الفاعل الاقتصادي المغربي أن يعلم أن السوق الإفريقية فيها لاعبين كبار مثل جنوب إفريقيا ونيجريا التي لها اقتصاديات صاعدة وهذه الدول في حالة الانفتاح ستطرح تحديات على المغرب.   

البرازيل

شهدت العلاقات بين البرازيل والمغرب، اللذين تجمعهما روابط عريقة ومتينة، سنة حافلة في ما يتعلق بتعزيز شراكة متعددة الأشكال، بفضل تبادلات مثمرة سياسيا واقتصاديا وثقافيا من الجانبين.
وكانت 2019، التي طبعها وصول رئيس جديد إلى سدة السلطة هو جايير بولسونارو، حيث مثل رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في حفل تنصيبه رئيسا لجمهورية البرازيل، سنة جني ثمار رؤية ملكية متبصرة في مجال التعاون جنوب-جنوب ودينامية ديبلوماسية نشطة مكنتا من استقطاب دعم كبير للقضية الوطنية.
ففي 04 شتنبر الماضي، صادق مجلس الشيوخ البرازيلي بأغلبية ساحقة على ملتمس بدعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية والتي “تحترم الوحدة الترابية والسيادة الوطنية للمملكة”.
وأحال رئيس مجلس الشيوخ، دافي ألكولومبري، الذي استقبل في يونيو الماضي وزير الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين في الخارج، ناصر بوريطة، على وزارة العلاقات الخارجية البرازيلية، هذا الملتمس الصادر عن ممثلي الشعب البرازيلي والذي يدعم المغرب بخصوص حقه المشروع في السيادة على كامل أراضيه.
وفي 13 يونيو من العام ذاته، أكد وزير العلاقات الخارجية البرازيلي، إرنيستو أراوجو، بمناسبة الزيارة التي أجراها السيد بوريطة لبرازيليا، أن البرازيل تدعم جهود المغرب من أجل التوصل إلى “حل واقعي” لقضية الصحراء.
وفي أعقاب ذلك، وقع المغرب والبرازيل ببرازيليا سبع اتفاقيات تهم مجالات الاستثمار والدفاع والمساعدة القضائية وتجنب الازدواج الضريبي في قطاعي النقل البحري والجوي، وذلك من أجل تعزيز الإطار القانوني الثنائي من أجل شراكة متعددة الأبعاد.
ومن ضمن هذه الاتفاقيات واحدة للتعاون وتيسير الاستثمار، وأخرى للتعاون في مجال الدفاع واتفاقية تهم نقل المدانين بقضائهم بقية العقوبات الصادرة ضدهم في بلدهم الأصلي من أجل تسهيل عملية إعادة الإدماج الاجتماعي، واتفاقية للمساعدة القضائية في الميدان الجنائي، و اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي في قطاعي النقل البحري والجوي.

كولومبيا

سجلت العلاقات المغربية الكولومبية سنة 2019 زخما جديدا بالتزامن مع الذكرى الأربعين لإقامة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين.
وانخرط المغرب وكولومبيا، اللذان يتقاسمان قيما مشتركة ممثلة في السلام والديمقراطية، العام الجاري في تعزيز الروابط الثنائية للارتقاء بالتعاون إلى مستوى جودة العلاقات السياسية بين البلدين منذ أربعين سنة.
وشكلت الزيارة التي أجراها في يونيو الماضي إلى المغرب وزير العلاقات الخارجية الكولومبي السابق، كارلوس أولميس تروخيو، حاملا رسالة من الرئيس إيفان دوكي إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، إحدى أبرز محطات العلاقات الثنائية.
وكانت هذه الزيارة مناسبة بالنسبة لكولومبيا لتجديد موقفها بشأن قضية الوحدة الترابية للمملكة، وأكد تروخيو بالرباط في هذا الإطار أن “كولومبيا تشيد بمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007 من أجل التوصل إلى حل سياسي، واقعي ودائم يرتكز على توافق كافة الأطراف لوضع حد لهذا النزاع الإقليمي الذي يكتسي أهمية أساسية بالنسبة للمغرب لأنه يهم وحدته الترابية وسيادته”.
كما أكد تروخيو، الذي عين يوم 12 نونبر الماضي وزيرا للدفاع، أن مختلف قرارات الأمم المتحدة تعترف بـ”قيمة الجهود الجدية” التي يبذلها المغرب من أجل تسوية قضية الصحراء.
وسجل أن كولومبيا تدعم جهود الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى “حل سياسي عادل ودائم ومقبول” من الأطراف لهذا النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
وخلال هذه الزيارة، أجرى تروخيو مباحثات مع مسؤولين مغاربة من ضمنهم على الخصوص رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ووزير الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين في الخارج، ناصر بوريطة.
وتدارس رئيس الديبلوماسية الكولومبية السابق بالمناسبة مع محاوريه المغاربة سبل تعزيز التعاون الثنائي في عدد من القطاعات، من ضمنها الهجرة ومكافحة الفساد والارهاب وتهريب المخدرات، وذلك من خلال إعادة إطلاق آلية الحوار السياسي.
وقال تروخييو “نعتزم إعطاء دفعة قوية لتعاوننا الثنائي وتمتين العلاقات الممتازة القائمة بين بلدينا”.

الصين

شهدت العلاقات الصينية المغربية خلال سنة 2019 ، دينامية وتبادلات مكثفة على مختلف الواجهات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والإعلامية، ارتكازا على الزخم الذي ضخته الزيارة التاريخية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى الصين في 2016، والارتقاء بالعلاقات إلى مستوى شراكة إستراتيجية، وكذا الانخراط الفاعل للمملكة في مبادرة “الحزام الطريق”.
وسعت الصين، العملاق الآسيوي، والمغرب، البلد الرائد قاريا، إلى تعزيز علاقاتهما الدبلوماسية وتعاونهما سواء على المستوى المركزي أو اللامركزي من خلال إرساء شراكات بين الجماعات المحلية، وتبادل زيارات المسؤولين السياسيين ورجال الأعمال والصحافيين، فضلا عن الحضور البارز للوفود الدبلوماسية والحكومية في المنتديات ذات الطابع الدولي والإقليمي التي احتضنتها الصين طيلة سنة 2019.
وارتباطا بالموضوع، قالت وانغ جينيان، الأستاذة الباحثة بمعهد دراسات غرب آسيا وإفريقيا التابع لأكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن 2019 يعتبر عاما هاما في العلاقات الصينية المغربية، حيث شهد تطورات ملحوظة في العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية. وأشارت في هذا الصدد إلى كثافة تبادل الزيارات الرفيعة المستوى للمسؤولين الصينيين والمغاربة والتي تسهم في تعزيز العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين البلدين، منها زيارة مسؤولين برلمانيين صينيين إلى المغرب، وحضور وفد مغربي رفيع المستوى المنتدى الدولي الثاني للتعاون في مبادرة الحزام والطريق، واجتماع المنسقين لقمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي في بكين، مبرزة أن كل هذه الزيارات كانت “مثمرة” وأعطت دفعة للتعاون بين البلدين.
وذكرت أنه في المجال الاقتصادي، ازداد حجم الاستثمار الصيني في المغرب ب81 في المائة وارتفع حجم الاتفاقيات الجديدة ب54 في المائة خلال النصف الأول لعام 2019، وذلك وفقا لإحصاءات وزارة التجارة الصينية. أما التبادلات السياحية والثقافية التي تعتبر مجالا هاما في العلاقات بين البلدين، أبرزت السيدة وانغ جينيان أنه بعد إعفاء المغرب المواطنين الصينيين من التأشيرة، شهد عدد السياح الصينيين للمغرب زيادة بصورة ملحوظة، كما نما عدد المتعلمين المغاربة للغة صينية في معاهد كونفوشيوس في الرباط والدار البيضاء والمدن الأخرى.

Related posts

Top