22 ماي اليوم الدولي للتنوع البيولوجي

دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى إنهاء “الحرب” على الطبيعة، من أجل تأمين مستقبل مستدام للجميع، وذلك بمناسبة اليوم الدولي للتنوع البيولوجي.
وأكد غوتيريش، في رسالته بمناسبة هذا اليوم الدولي، الذي يتم تخليده سنويا في 22 ماي، أنه “لا بد أن ننهي هذه الحرب على الطبيعة”، داعيا إلى التدبر “في علاقتنا بالنظام الذي هو قوام حياة البشر”.
وتابع بالقول، “فحياتنا كلها تعتمد على سلامة النظم الإيكولوجية اعتمادا كليا، بدءا بالهواء الذي نستنشق والطعام الذي نأكل وانتهاء بالطاقة التي تحركنا والأدوية التي تشفينا”.
وحذر من أن ثمة مليون نوع مهدد بالانقراض، بسبب تدمير الموائل واستفحال مظاهر التلوث وتفاقم أزمة المناخ.
واعتبر الأمين العام الأممي أن الاتفاق على “إطار كونمينغ – مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي” في العام الماضي شكل خطوة مهمة، مستطردا بالقول “لكن الأوان قد حان للانتقال من حبر الاتفاق إلى واقع العمل”.
ودعا في هذا الصدد، إلى اتباع أنماط مستدامة في الإنتاج والاستهلاك، وتحويل الدعم المقدم للأنشطة المدمرة للطبيعة صوب الحلول المراعية للاعتبارات البيئية، فضلا عن الاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية، “الذين هم أقوى الناس حفظا للتنوع البيولوجي في عالمنا”.
كما شدد غوتيريش على الحاجة إلى دفع الحكومات ومؤسسات الأعمال إلى اتخاذ إجراءات أقوى وأسرع، لمكافحة اضمحلال التنوع البيولوجي وتفاقم أزمة المناخ.

“من الاتفاق إلى العمل: إعادة بناء التنوع البيولوجي”

وتتميز احتفالية هذا العام بتجدد الأمل مع اعتماد إطار كونمينغ-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي، الذي هو اتفاق تاريخي وقع في ديسمبر 2022 ويحدد أهدافا وتدابير ملموسة لوقف فقدان الطبيعة والتعافي منه بحلول عام 2050.

ولذا، فقد تقرر أن يكون موضوع اليوم الدولي للتنوع البيولوجي هو من “الاتفاق إلى العمل: إعادة بناء التنوع البيولوجي”. ويروج الشعار للفكرة التي مفادها أنه بعد أصبح لدينا الآن خطة عمل متفق عليها على المستوى العالمي، فمن الواجب علينا تنفيذ كافة التدابير التي تتوخاها الاتفاقية قبل عام 2030. وبهذه الطريقة يمكن الطموح للوصول إلى تنوع بيولوجي مصون ومستدام مع حلول 2050. وتلك هي الرسالة الرئيسة من اتفاقية التنوع البيولوجي، التي تعد الصك الدولي الرئيس للتنمية المستدامة.

احترام النظم البيئية واستدامتها

يقدر العلماء أن هناك ما لا يقل عن 8 ملايين نوع من النباتات والحيوانات تعيش على الأرض اليوم، بما في ذلك البشر. وتعيش هذه الأنواع معا فيما يسمى بـ”النظم البيئية”.

يعرف النظام البيئي بأنه منطقة جغرافية تتعايش فيها مجموعة متنوعة من النباتات والحيوانات والكائنات الحية الأخرى معا. ويمكن أن تكون النظم البيئية ذات مساحة كبيرة مثل الصحراء أو صغيرة مثل البركة، وتحتوي على الكائنات الحية والأشياء غير الحية، مثل الصخور والرمال والرطوبة.

يعتمد كل جزء في النظام البيئي على الآخرين مثل لعبة تركيب الصور المقطوعة. على سبيل المثال، سيكون للتغيير في درجة حرارة النظام البيئي تأثيرات قاسية على أشياء أخرى، مثل النباتات والحيوانات التي يمكن أن تنمو وتعيش هناك.

سطح الأرض بأكمله عبارة عن سلسلة من النظم البيئية المتصلة، بدءا من المحيطات وأراضي الخث إلى الصحاري. ففي كثير من الأحيان، تعتمد النظم البيئية البعيدة على بعضها البعض بطرق غير متوقعة. على سبيل المثال، يتم تخصيب غابات الأمازون المطيرة كل عام من الفوسفور الموجود في حوالي 22 ألف طن من الغبار الذي تحمله الرياح من الصحراء الكبرى على بعد آلاف الأميال.

منذ آلاف السنين، تعايش الناس مع النظم البيئية، ولكن مع النمو السكاني، بدأنا في التعدي على النظم البيئية، وفي بعض الحالات تجاوزنا ذلك، مما تسبب في تنوعها البيولوجي الغني وتوازنها الدقيق، مما حد بدوره من قدرتها على تقديم خدمات حيوية للبشرية.

مشاكل التنوع البيولوجي هي مشاكل الإنسانية

غالبا ما يفهم التنوع البيولوجي من حيث التنوع الكبير للنباتات وللحيوانات وللكائنات الحية الدقيقة، ولكنه يشتمل كذلك على الاختلافات الجينية في كل نوع — على سبيل المثال، بين أنواع المحاصيل وسلالات الماشية — وتنوع النظم البيئية (البحيرات والغابات، والصحاري والمناظر الطبيعية الزراعية) التي تستضيف أنواعًا متعددة من التفاعلات بين أعضائها (البشر والنباتات والحيوانات).

وموارد التنوع البيولوجي هي الركائز التي نبني عليها الحضارات. فالأسماك تتيح 20% من البروتين الحيواني لزهاء ثلاثة مليارات نسمة. كما تتيح النباتات أكثر من 80% من النظام الغذائي البشري. ويعتمد ما يقرب من 80% من السكان الذين يعيشون في المناطق الريفية في البلدان النامية على الأدوية النباتية التقليدية للحصول على الرعاية الصحية الأساسية.

إلا أن فقدان التنوع البيولوجي يهدد الجميع، بما في ذلك الصحة العامة. فقد ثبت أن فقدان التنوع البيولوجي يمكن أن يزيد من الأمراض الحيوانية المنشأ — الأمراض التي تنتقل من الحيوانات إلى البشر — بينما، من ناحية أخرى، إذا حافظنا على التنوع البيولوجي، فإنه يتيح أدوات ممتازة لمكافحة الأوبئة مثل تلك التي تسببها الفيروسات التاجية.

وفي حين أن هناك اعترافا متزايدا بأن التنوع البيولوجي هو ثروة عالمية ذي قيمة هائلة للأجيال القادمة، فإن بعض الأنشطة البشرية لم تزل تتسبب بشكل كبير في تقليل عدد الأنواع. ونظرا لأهمية تثقيف الجمهور وتوعيته بشأن هذه القضية، قررت الأمم المتحدة الاحتفال باليوم الدولي للتنوع البيولوجي سنويا.

التنوع البيولوجي – أقوى دفاع طبيعي ضد تغير المناخ

يعني التنوع الأحيائي أو التنوع البيولوجي أصناف الحياة على الأرض، بجميع أشكالها، من الجينات والبكتيريا إلى النظم البيئية بأكملها مثل الغابات أو الشعاب المرجانية. التنوع البيولوجي الذي نراه اليوم هو نتيجة 4.5 مليار سنة من التطور، وقد تأثر بشكل متزايد بالبشر.

 يشكل التنوع البيولوجي شبكة الحياة التي نعتمد عليها في أمور عديدة كالغذاء والماء والطب والمناخ المستقر والنمو الاقتصادي، وغيرها من الأمور. أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي يعتمد على الطبيعة. وأكثر من مليار شخص  يعتمدون على الغابات لكسب لقمة عيشهم. كما تمتص اليابسة والمحيطات أكثر من نصف انبعاثات الكربون. 

لكن الطبيعة في أزمة. إذ أن ما يصل إلى مليون نوع مهدد بالانقراض والعديد منها ستختفي في غضون عقود. تتحول النظم البيئية التي لا يمكن الاستغناء عنها مثل أجزاء من غابات الأمازون المطيرة من مصارف الكربون إلى مصادر الكربون بسبب إزالة الغابات. كما اختفت 85 في المائة من الأراضي الرطبة، مثل المستنقعات المالحة ومستنقعات المنغروف التي تمتص كميات كبيرة من الكربون. 

كيف يؤثر تغير المناخ على التنوع البيولوجي؟

يظل المحرك الرئيسي لفقدان التنوع البيولوجي هو استخدام البشر للأرض في المقام الأول لإنتاج الغذاء. لقد غيّر النشاط البشري بالفعل أكثر من 70 في المائة من جميع الأراضي الخالية من الجليد. عندما يتم تحويل الأرض من أجل الزراعة، قد تفقد بعض الأنواع الحيوانية والنباتية موطنها وتواجه الانقراض. 

إلا أن تغير المناخ يلعب دورا متزايد الأهمية في تدهور التنوع البيولوجي. إذ أدى إلى تغيير النظم الإيكولوجية البحرية والبرية والمياه العذبة في جميع أنحاء العالم. كما تسبب في فقدان الأنواع المحلية وزيادة الأمراض ودفع الموت الجماعي للنباتات والحيوانات مما أدى إلى حدوث أول انقراض مدفوع بالمناخ.

على اليابسة، أجبرت درجات الحرارة المرتفعة الحيوانات والنباتات على الانتقال إلى ارتفاعات أعلى أو خطوط عرض أعلى، وقد انتقل العديد منها نحو قطبي الأرض، وهو ما سيخلف عواقب بعيدة المدى على النظم البيئية. يزداد خطر انقراض الأنواع مع كل درجة من الاحترار.

يزيد ارتفاع درجات الحرارة من خطر فقدان النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية بشكل لا رجعة فيه. فعلى سبيل المثال تقلصت الشعاب المرجانية الحية إلى النصف تقريبًا في المائة وخمسين عاما الماضية، ويهدد المزيد من الاحترار بتدمير جميع الشعاب المرجانية المتبقية تقريبا.

بشكل عام، يؤثر تغير المناخ على صحة النظم البيئية، مما يؤدي إلى تحولات في توزيع النباتات والفيروسات والحيوانات وحتى المستوطنات البشرية. وهو ما قد يزيد إمكانية انتشار الأمراض عن طريق الحيوانات وانتقال الفيروسات إلى البشر. كما يمكن أن تتأثر صحة الإنسان أيضًا بتراجع خدمات النظم الإيكولوجية، مثل فقدان الغذاء والدواء وسبل العيش التي توفرها الطبيعة.

لماذا يعتبر التنوع البيولوجي ضروريا للحد من تغير المناخ؟

عندما تنتج الأنشطة البشرية غازات الدفيئة، يبقى حوالي نصف الانبعاثات في الغلاف الجوي، بينما تمتص الأرض والمحيطات النصف الآخر. تعتبر هذه النظم البيئية، والتنوع البيولوجي الذي تحتويه، بالوعة طبيعية للكربون توفر ما يسمى بالحلول القائمة على الطبيعة لتغير المناخ.

توفر حماية الغابات وإدارتها واستعادتها، على سبيل المثال، ما يقرب من ثلثي إمكانات التخفيف الإجمالية لجميع الحلول القائمة على الطبيعة. على الرغم من الخسائر الهائلة والمستمرة، لا تزال الغابات تغطي أكثر من 30 في المائة من مساحة كوكب الأرض.

تغطي أراضي الخث، وهي الأراضي الرطبة مثل الأهوار والمستنقعات، 3 في المائة فقط من أراضي العالم لكنها تخزن ضعف كمية الكربون الموجودة في جميع الغابات. يعني الحفاظ على أراضي الخث واستعادتها إبقائها رطبة حتى لا يتأكسد الكربون ويطفو في الغلاف الجوي. 

يمكن لموائل المحيطات مثل الأعشاب البحرية وأشجار المانغروف أيضًا عزل ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي بمعدلات تصل إلى أربعة أضعاف ما يمكن للغابات على اليابسة. إن قدرة المانغروف على التقاط الكربون وتخزينه تجعلها ذات قيمة عالية في مكافحة تغير المناخ.
يعد الحفاظ على المساحات الطبيعية واستعادتها، سواء على اليابسة أو في الماء، أمرا ضروريا للحد من انبعاثات الكربون والتكيف مع مناخ متغير بالفعل. يمكن تحقيق حوالي ثلث التخفيضات في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المطلوبة في العقد المقبل من خلال تحسين قدرة الطبيعة على امتصاص الانبعاثات. 

Related posts

Top