30 من كبار المفكرين والفنانين في “ليلة الفلاسفة” بالدار البيضاء والرباط

أقيمت مؤخرا تظاهرة “ليلة الفلاسفة” بكلية العلوم بالرباط وبالمعهد الفرنسي بالدار البيضاء، التظاهرة السنوية التي يسهر على تنظيمها المعهد الفرنسي بالمغرب، حيث استدعي لتنشيطها العشرات من المفكرين والفلاسفة والفنانين الفرنسيين والمغاربة، فعلى مدى ست ساعات من ليلتي السبت والأحد ألقيت عروض حول قضايا فلسفية ذات راهنية وأعقبتها نقاشات، وبالمناسبة نظم المعهد الفرنسي ندوة صحفية حول هذه التظاهرة الفكرية، أوضح المشرفون عليها الأهمية التي تكتسيها والرهانات المعلقة عليها.
ففي مداخلة الكاتب المغربي إدريس كسيكس، ذكر أن إعداد برنامج هذا الموعد السنوي استغرق أكثر من ستة أشهر وأن هناك مستجدات من قبيل صعود الشعبوية.. كانت حاسمة في تحديد محاور ليلة الفلاسفة التي خصصت لاحتضانها ثلاثة فضاءات بشكل مواز، حيث أن كل فضاء نجده خاصا بمحور معين، وذلك حتى تكون الفائدة ملموسة وأكثر نجاعة.
ومن المحاور الرئيسية التي طرحت للمناقشة: “المعايير، الجنس والنوع”، “المشاعر، السياسة والاقتصاد”، “المعرفة، الأساطير والأديان”.
وذكر المتدخل أن ليلة الفلاسفة تفتح باب التعلم والنقاش وأن السؤال المركزي الذي يظل ملحا في هذه الآونة والذي يتمنى أن تجيب عنه العروض الخاصة بهذه الليلة الفلسفية، هو ما السبب الذي جعل الأهواء والرغبات والمعتقدات تتخذ مكانة أهم من ذي قبل؟
وبما أن الفلسفة هي طريقة للتفكير – يضيف المتدخل- فإن الرهان عليها كبير للحصول على أجوبة عن أسئلة محرقة، خصوصا بمشاركة متدخلين يتصفون بالحكمة والموضوعية، فهناك الفلاسفة والمفكرون المعهود فيهم أنهم يبتكرون المفاهيم، وإلى جانبهم الفنانون الذين عهد فيهم ابتكار العواطف.
واستحضر الباحث الأكاديمي الفرنسي جان كلود مونو في هذه الندوة الصحافية، باعتباره كذلك أحد المشرفين على ليلة الفلاسفة، القيمة التي تكتسيها الفلسفة باعتبارها محفزة على السؤال، وتوقف عند اهتمامها بالجانب المتعلق بالشغف وارتباطه بالعقل، مذكرا بأن محور ليلة الفلاسفة خصص لمقاربة هذه القضية بالذات، ففي نظره، ينبغي ترويض الشغف وتوجيهه عوض إلغائه، بالنظر إلى أن الحياة قد لا تساوي شيئا في غياب الشغف، وأن الفلسفة تستمد قوتها من عشق الحقيقة بصورة يمكن أن يكون لها بعد إيروتيكي.
وأضاف كلود مونو أن السلوك الإنساني لا يمكن فهمه واستيعابه دون الأخذ بعين الاعتبار حقيقة الشغف الذي يحركه إن سلبا أو إيجابا، سواء في الحقل السياسي أو الفني أو الديني أو الاقتصادي.
كما أن ليلة الفلاسفة هي مناسبة لمقاربة وفهم السبب الذي يجعلنا ننسب العقل للرجل ونسلم بغلبة العاطفة لدى المرأة، دون أن يغفل الإشارة إلى أن هذا النوع من القسمة خضع في وقتنا الراهن للخلخلة.
وعبر كلود مونو عن أمله أن تشكل تظاهرة ليلة الفلاسفة مناسبة لإحياء الرغبة في المعرفة والتحريض على المساءلة وتعميق النقاش في قضايا فلسفية لا تزال تشغلنا.
وأشاد قيدوم كلية العلوم التي احتضنت هذه التظاهرة الفكرية، بتنوع وغنى ندواتها وعروضها، وعبر عن تقديره واحترامه للأسماء المشاركة، وتحدث عن دلالة احتضان كلية العلوم لهذا الموعد الفكري، انطلاقا من أن طلبة الشعب العلمية يعتمدون على تحليل الأشياء برؤية أخرى، وبالتالي فإن لقاء فلسفيا من هذا الحجم من شأنه أن يضيف لهم معلومات موازية.
وسعى محور “المعرفة والأساطير والأديان” إلى مقاربة كيف أن فكرة العلم قد يضع حدا للأساطير والديانات التي كانت سائدة في الماضي، لم يعد لها أي سند اليوم، حيث أن الأسطورة باتت تعد ليس فقط باعتبارها الجهة الأخرى للعقل، لكن باعتبارها شكلا من الفكر الرمزي الذي لديه فضاؤه الخاص، في حين أن الديانات تكرست في عالمنا المعاصر، في بعده التقني والعلمي. كما حاولت عروض هذا المحور توضيح كيف عالجت الفلسفة الحديثة هذا الوضع العالمي الجديد للعلاقات القائمة بين الإيمان والمعرفة.
أما محور “المشاعر والسياسة والاقتصاد”، فسعت عروضه تبيان كيف أن السياسة والاقتصاد لا يقومان على أساس عقلانية بسيطة ووحيدة، كما هو الحال بالنسبة للبحث عن المنفعة المشتركة بالنسبة للسياسة، أو المصلحة الخاصة في ما يخص الاقتصاد. ففي إرادة الهيمنة وعشق المغامرة والرغبة في الاغتناء، وسيادة العدل والسلم والتعايش، حيث تصطدم عواطف مختلفة وأفكار متناقضة، وهو ما يستدعي الحاجة إلى هندسة جديدة للرغبات والميولات.
وقاربت عروض المحور المتعلق بـ “المعايير والجنس والنوع” كيف أن التباين بين الرجل والمرأة من حيث الخصائص البيولوجية المعقدة، يعكس أدوارا اجتماعية تتنوع بشكل كبير، حسب المجتمعات والعصور، فالمعايير التي تتأسس على التسليم بالتفوق الذكوري تطرح اليوم إشكالية عميقة، حيث أن انعكاس ذلك يتجلى على مستوى الحقوق وكذا في الفضاء المشترك وفي الحقل السياسي، مؤدية بذلك في بعض الحالات إلى ردود فعل عنيفة، وينبغي اليوم الأخذ بعين الحسبان هذا التحول والنقاش الذي يثيره.
وفي المحور المتعلق بالفن والفلسفة، تم التأكيد على أن الفلاسفة باعتبارهم مبتكري المفاهيم، والفنانون باعتبارهم مبتكري العواطف، لهم معا دور مشترك في الاشتغال على الكون والمجتمع وعلى ما هو إنساني، لإبراز التمثلات المختلفة والمظاهر الخاصة، عن طريق التكامل بينهم، القائم على الإنصات المتبادل واقتسام ما هو ملموس وواضح.

> إعداد: عبد العالي بركات

Related posts

Top