سياسيون وأكاديميون يناقشون “سنوات من تطبيق الدستور.. الحصيلة والآفاق” في ندوة مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم

محمد حجيوي

نجحت مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم في خلق فضاء للنقاش الهادئ حول قضايا محورية وأساسية تهم الراهن السياسي المغربي، بعد مرور أربع سنوات على إقرار الدستور الجديد، وذلك خلال تنظيمها لندوة فكرية حول موضوع «سنوات من تطبيق الدستور 2011-2016.. الحصيلة والآفاق»، أول أمس الأربعاء بالرباط، والتي شارك فيها زعماء أحزاب سياسية وأساتذة باحثون ومهتمون.
وخلال مساهمته في هذه الندوة، أكد محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، على أن المسألة الدستورية، بالنسبة لحزبه، وبغض النظر عن المضامين، كانت، حتى قبل 2011، ولا تزال تعتبر من الركائز الأساسية والجوهرية التي يتعين على البلاد خوضها، باستمرار، من أجل تثبيت المسار الديمقراطي.
وأوضح محمد نبيل بنعبد الله، أن مسؤولية تنزيل ما وصل إليه المغرب في دستور 2011، سواء تعلق الأمر بتثبيت المؤسسات وصلاحياتها وفصل السلط بشكل واضح، وكذا على مستوى الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هي مسؤولية جماعية، وهي أيضا، مسؤولية الحركة التقدمية والديمقراطية التي ناضلت من أجل ذلك، مؤكدا أن على الجميع أن يحرص فعلا على تنزيل ديمقراطي وعميق للدستور، وأن تتضافر جهود الجميع من أجل ذلك، على اعتبار أن ما يتم تنزيله، بشكل جماعي، لا يهم هذه الحكومة، فقط، وإنما، يضيف المتحدث، يحدد مسار البلاد للعشرين سنة المقبلة.
وفي الوقت الذي أقر فيه الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، بأن الحكومة لم تصل إلى الدرجة المرجوة من التنزيل الديمقراطي للدستور، أكد أن المسألة غيرمرتبطة بالأغلبية أو المعارضة، وأن معركة تنزيل مقتضيات الدستور الجديد على أرض الواقع هي معركة مستمرة لم تنته، مشيرا إلى أن الخلاف هنا، ليس بين توجه محافظ وآخر تقدمي، بل الخلاف هو بين من يريد إعطاء صلاحية للوثيقة الدستورية وبين من لا يريد ذلك.
وأضاف الأمين العام لحزب الكتاب، أنه على الرغم من ذلك، فإن ما تحقق، يعد إيجابيا حتى على المستوى الكمي، حيث تم تنزيل 20 قانونا تنظيميا، وأن الباقي الذي لا يتجاوز الأربعة قوانين تنظيمية، لها خصوصية، وهي في مجملها محط نقاش سياسي عميق، فباستثناء القانون التنظيمي المتعلق بمجلس الوصاية والذي هو من صلاحية الملك، فإن القانون التنظيمي للإضراب يطرح إشكالا حقيقيا منذ 50 سنة، كما أن القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، هي أيضا تطرح إشكالات حقيقية، لكن، يضيف محمد نبيل بنعبد الله، يتعين على الجميع طرحها بكل شجاعة وجرأة من أجل بلورتها على أرض الواقع لأن مزيدا من التأخير غير مجد للجميع.
وبخصوص القانون التنظيمي المتعلق بهيئة المناصفة ومحاربة كافة أشكال التمييز، أكد بنعبد الله على طبيعة الخلاف، ليس بين تقدمي ومحافظ وإنما هو خلاف حول صلاحيات هذه الهيئة، أي بين من يريد إعطاءها صلاحيات واسعة وبين من يريد عكس ذلك، مشيرا إلى أن الأمر يطرح إشكالا حقيقيا يدعو الجميع إلى التفكير فيه بعمق، وهو أن منح صلاحيات واسعة لهذه المجالس، بما فيها صلاحيات تدبيرية، يطرح سؤال حول موقع الحكومة السياسية المنتخبة من كل ذلك، وحول ما إذا كانت الطبقة السياسية تريد حكومة سياسية قوية بصلاحيات تنفيذية كاملة والمنصوص عليها في الدستور أم لا؟ مؤكدا على أن هذا المعطى الأساسي سيوضح الفرق بين ما يمكن أن يعطى لهذه الهيئات من إمكانيات وبين ما يمكن أن يشكل تطاولا على صلاحيات الحكومة.
وكان محمد درويش رئيس مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم، قد أكد في كلمته الافتتاحية لهذه الندوة، على أن الاهتمام ظل منصبا، منذ إقرار دستور 2011، على موضوع إدارة المرحلة الانتقالية، والخروج بالبلاد من هذه الوضعية المؤقتة إلى وضعية تصبح معها مقتضيات الدستور الجديد هي المتحكمة في توزيع السلطات وممارستها.
وأبرز محمد درويش، في السياق ذاته، أن الحديث عن وضعية مجلس المستشارين، وتنصيب المحكمة الدستورية، واستقلالية السلطة القضائية، والتأطير القانوني للديمقراطية التشاركية، وترسيم اللغة الأمازيغية، وملاءمة النصوص التشريعية لبعض المؤسسات والهيئات الدستورية، وإصدار النصوص اللازمة لإحداث المؤسسات والهيئات الجديدة، وتقوية تمثيلية النساء في الهيئات المنتخبة، وتطبيق مبادئ الحكامة الجيدة، أصبح حاضرا بقوة في النقاش العمومي الوطني، تبلورت من خلاله، بحسب رئيس مؤسسة فكر، آراء مختلفة بل ومتناقضة في أحيان كثيرة، حول الأسس التي ينبغي أن يقوم عليها تفسير الدستور أو تأويله خلال الممارسة.
وذهب محمد درويش إلى اعتبار أن توسيع النقاش ليشمل كلا من الممارسة الحكومية ومواقف المعارضة، هو ما  سمح للمجلس الدستوري في أحيان كثيرة من إصدار قرارات حاسمة في وضع أسس تطبيق معين للدستور، لم يلق دائماً صدى إيجابيا من قبل المتتبعين، خاصة من ذلك، لدى الأكاديميين، مشيرا إلى أن هدف مؤسسة فكر من هذه الندوة هو أنم تجمع بين الهيئات الحزبية ومجموعة من الأساتذة الباحثين في المجال الدستوري والسياسي، من أجل الوقوف على نقط القوة ونقط الضعف في تطبيق الدستور خلال هذه الأربع سنوات، على أن تكون هذه الندوة، بمثابة مرصد لكل ما تم إنجازه لحد الآن، وما تم إغفاله أو تجاهله، سواء من وجهة نظر الممارسين السياسيين من الأغلبية الحكومية أو المعارضة أو من خلال وجهات نظر أكاديمية علمية محايدة للخروج بتقييم أولي بهذا الخصوص.
وتدخل خلال هذه الندوة، رئيس مجلس المستشارين حكيم بنشماس الذي اعتبر أن مرور خمس سنوات على الوثيقة الدستورية، فترة غير طويلة، لكنها كافية، في نظره، لإجراء تقييم للوقوف على الخطوات التي تم احرازها على طريق تفعيل الدستور، وفي الوقت ذاته، رصد ما اعتبرها، فرصا ضائعة في تطبيق القانون الأسمى في البلاد.
ووقف بنشماس بهذا الخصوص، عند بعض الجوانب في الدستور والتي لها علاقة بالبرلمان بغرفتيه، معتبرا أن المؤسسة التشريعية أضاعت فرصة بنيوية كانت ستشكل مدخلا أساسيا في جودة التشريع وعقلنة الزمن التشريعي، مشيرا إلى أن هذه الفرصة كانت متاحة لحظة مناقشة النظامين الداخليين للبرلمان، والتي كانت تتيح إمكانية استكشاف سبل التكامل والتوازن بين الغرفتين عبر حوار رزين بين مختلف الفرقاء ومن خلال استقراء التجارب الدولية في هذا الاتجاه. كما تمت إضاعة فرصة التكامل بين الديمقراطية التشاركية والديمقراطية التمثيلية، لكون النظامين الداخلين، يضيف رئيس مجلس المستشارين، لا يتضمنان أي مقتضى للربط والتفاعل مع المجتمع المدني.
من جانبه، دعا إدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، الطبقة السياسية إلى فتح نقاش لتجاوز ما وصفها بالأعطاب البسيطة مستقبلا في دستور 2011، محاولا رسم صورة قاتمة على وضع الحريات الفردية وحقوق الإنسان التي قال، إنها تعرف تراجعا في عهد هده الحكومة التي لم تستطع، في نظره على «محاربة الفساد».
وفي سياق متصل، وصف إلياس العمري الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة حصيلة الحكومة في مجال إنزال القوانين التنظيمية ب «الضعيفة»، مشيرا إلى أن ما تم تنزيله إلى حد الآن فيه الكثير من المساحات الغامضة والفارغة.
وأضاف العماري أن الوقت كاف لتنزيل ما تبقى من قوانين تنظيمية، شريطة أن يتحمل الجميع مسؤولياته وأن تساهم كل المكونات السياسية في ذلك بهدف إعطاء مضمون ديمقراطي لتلك القوانين المهيكلة.
في المقابل، أكد عبد الله البقالي عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، على ضرورة الإقرار بشكل موضوعي، على أن هناك تفاوتات في حصيلة الحكومة المتعلقة بتنزيل الدستور، مشيرا إلى أن هناك قوانين تنظيمية خرجت إلى الوجود وأخرى توجد في مراحلها الأخيرة، وقال بهذا الخصوص «إن هناك مجهودا أساسيا بذل، يعود فيه الفضل لجميع الفرقاء، وقد قطعنا أشواطا مهمة، وأن ما تبقى من قوانين يعكس إشكالات سياسية حقيقية، يتعين الاعتراف بها».  
وأضاف عبد الله البقالي، أن دستور 2011 ليس هو نتاج لحظة معينة، كما يعتقد البعض، ينته بانتهاء تلك اللحظة، بل هو نتاج لمرحلة، مشيرا إلى أن إشكالية الملاءمة بين الدستور الجديد والممارسة السياسية، تبرز أن هناك تفاوتا كبيرا على هذا المستوى.
من جانب آخر، قاربت هذه الندوة الموضوع العلاقة بين النص الدستوري وواقع التطبيق، من خلال ثلاثة محاور أساسية وهي الأحكام العامة والحقوق والحريات الأساسية، وممارسات السلطات من خلال التعرف على الطريقة التي تمارس بها الاختصاصات وإمكانيات التداخل فيما بينها، وتطرق المحور الثالث لما يرتبط بالنصوص التشريعية التي أحال الدستور عليها والمتعلقة بالأساس بالقوانين التنظيمية المكلمة للدستور.
وفي السياق ذاته، حاول خالد الناصري، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية وأستاذ القانون الدستوري، ملامسة الموضوع انطلاقا من جدلية القطيعة والاستمرارية، مشيرا إلى أن دستور 2011 من حيث القيمة المضافة التي جاء بها، لعب دورا كبيرا في خلق التفرد المغربي.
وأضاف الناصري، أن التفرد المغربي يكمن في القدرة على إفراز دستور متطور جدا قادر على أن يمزج بين مستلزمات الحداثة من جهة، ومقتضيات نوع من التأصيل في الجذور المغربية، من جهة أخرى، معتبرا أن هذا الدستور هو الثاني للمملكة، على اعتبار أن كل الدساتير التي جاءت بعد الدستور الأول، عرفت فقط تعديلات لم تنقذ إلى عمق الروح المهيمنة على دستور 1962، مشيرا إلى الدستور الحالي سواء من حيث المضمون أو من حيث عملية الصياغة التي كانت عملية متطورة للغاية، أهله ليكون، بحق دستور جديد من خلال الفلسفة المهيمنة عليه.
وأورد خالد الناصري، أن الحقوق التي تضمنها الدستور الجديد، تروم بناء مواطنة جديدة وتقر بآليات الديمقراطية التشاركية التي تذهب أبعد من الديمقراطية التمثلية، موضحا أن القيمة المضافة الأساسية في الدستور الجديد، هو أنه حاول التحكم في جدلية غير عادية وهي جديلة الإصلاح في ظل الاستقرار، مؤكدا في الوقت ذاته أن مسارات التطبيق مازالت مفتوحة أمام الجميع، على اعتبار أن الإصلاح دون استقرار قد يؤدي إلى الفوضى وأن الاستقرار دون إصلاح قد يؤدي إلى الجمود.

Related posts

Top