أوقفت السلطات السعودية عشرات من كبار الأمراء والوزراء السابقين، وعدداً من رجال الأعمال والمسؤولين، بتهم تتعلق بالفساد، في حملة أطلقت عليها وكالة الأنباء الرسمية تسمية “ليلة ضرب الفساد”. وتقدّم اسم وزير الحرس الوطني المقال متعب بن عبد الله، ورجل الأعمال البارز الوليد بن طلال، ورئيس الديوان الملكي السابق خالد التويجري، لائحة المعتقلين.
حملة التوقيفات جاءت بعد أمر ملكي بإنشاء لجنة عليا لمكافحة الفساد، برئاسة ولي العهد محمد بن سلمان، وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة.
وجاء في الأمر الملكي الصادر عن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز “تقوم اللجنة بحصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام، وبالتحقيق وإصدار أوامر القبض والمنع من السفر، واتخاذ ما يلزم مع المتورطين في قضايا الفساد العام”.
كما صدر أمر ملكي بإعفاء الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، وزير الحرس الوطني من منصبه، وتعيين الأمير خالد بن عبد العزيز بن محمد بن عياف آل مقرن بدلاً منه. وقضى أمر ملكي بإعفاء وزير الاقتصاد والتخطيط عادل فقيه من منصبه، وتعيين محمد التويجري بدلاً منه. كما صدر أمر ملكي بإنهاء خدمة قائد القوات البحرية عبد الله السلطان وإحالته للتقاعد، وترقية اللواء فهد الغفيلي إلى رتبة فريق ركن وتعيينه قائداً للقوات البحرية.
وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) لم تكشف هويات كل الموقوفين، إلا أن وسائل إعلام سعودية قالت إن 18 أميراً أوقفوا حتى الآن، ووجهت إليهم تهم فساد تشمل صفقات وهمية وصفقات سلاح.
وفقاً للوكالة، فقد أوقف الملياردير السعودي الوليد بن طلال بتهمة غسيل الأموال، في حين أوقف شقيق وزير الحرس الوطني، أمير الرياض سابقاً تركي بن عبدالله، بقضايا فساد.
ومن بين الوزراء والمسؤولين البارزين الذي أوقفوا، كان رئيس الديوان الملكي خلال عهد الملك عبد الله بن عبدالعزيز، إلى جانب وزير المالية السابق إبراهيم العساف، بتهم الفساد وتلقي الرشاوى. كما أوقف بكر بن لادن، رجل الأعمال السعودي البارز، مدير عام ورئيس مجلس إدارة مجموعة بن لادن، بتهم فساد تتعلق بمشروع توسعة الحرم.وأوقف وزير الاقتصاد المقال عادل فقيه بتهم فساد في قضية “سيول جدة”.
إضافة إلى أولئك، شملت حملة التوقيفات رئيس الخطوط الجوية السعودية السابق خالد الملحم، ومحافظ هيئة الاستثمار السابق عمرو الدباغ.
وتعليقاً على هذه الحملة، قال المستشار في الديوان الملكي، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة تركي آل الشيخ، في تغريدة على حسابه الشخصي في “تويتر”: “ليلة الأحد.. لن ينجو أحد”.
اتساع نطاق حملة اعتقالات الأمراء ورجال الأعمال
واتسعت أول أمس الاثنين نطاق حملة مكافحة الفساد التي شملت أفرادا من العائلة الحاكمة السعودية ووزراء ورجال أعمال بعد تردد أنباء عن اعتقال مؤسس واحدة من أكبر شركات السياحة في المملكة.
وهبط مؤشر البورصة السعودية بنسبة 1.1 بالمائة في التعاملات المبكرة ونزل سهم مجموعة الطيار للسفر السعودية بنسبة عشرة بالمائة بعد دقائق من بدء التداول بعد أن نقلت الشركة عن تقارير إعلامية قولها إن السلطات أوقفت ناصر بن عقيل الطيار عضو مجلس إدارة الشركة.
ولم تذكر الشركة مزيدا من التفاصيل لكن صحيفة سبق الالكترونية الاقتصادية التي تربطها صلات وثيقة بالحكومة ذكرت أن الطيار اعتقل في إطار تحقيق تجريه هيئة عليا جديدة لمكافحة الفساد يرأسها ولي العهد محمد بن سلمان.
واعتقل عشرات الأشخاص في إطار الحملة التي تعزز قبضة الأمير محمد على السلطة في حين تقلق الكثير من مؤسسات الأعمال التقليدية. وقال مسؤولون في مطلع الأسبوع إن الملياردير الأمير الوليد بن طلال أحد أبرز رجال الأعمال السعوديين المعروفين دوليا ضمن المقبوض عليهم.
وتحدت صحيفة عكاظ السعودية في صفحتها الأولى اليوم رجال الأعمال أن يكشفوا عن مصادر أصولهم قائلة في عنوان باللون الأحمر “من أين لك هذا؟”
وحذر عنوان آخر نشرته صحيفة الحياة المملوكة للسعودية يقول “’من أين لك هذا؟’ تطوق الأعناق… بعد تفعيل ‘كائنا من كان’.”
وذكرت صحيفة الشرق الأوسط أنه تم إعداد قائمة بأسماء الممنوعين من السفر وإن قوات الأمن في بعض مطارات المملكة تمنع الطائرات الخاصة من الإقلاع بدون تصريح.
وقال مسؤولون سعوديون إن من بين المعتقلين 11 أميرا وأربعة وزراء حاليين وعشرات الوزراء السابقين.
وقال مسؤول سعودي لرويترز إن من بين الاتهامات الموجهة لهم غسل الأموال وتقديم رشا وابتزاز بعض المسؤولين واستغلال النفوذ لتحقيق مصالح شخصية. ولم يتسن التحقق بشكل مستقل من هذه الاتهامات أو الاتصال بأسر المقبوض عليهم.
وأفاد أمر ملكي صدر يوم السبت الماضي أن الحملة تأتي “نظرا لما لاحظناه ولمسناه من استغلال من قبل بعض ضعاف النفوس الذين غلبوا مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة، … مستغلين نفوذهم والسلطة التي اؤتمنوا عليها في التطاول على المال العام وإساءة استخدامه واختلاسه متخذين طرائق شتى لإخفاء أعمالهم المشينة”.
ومن سلطات الهيئة الجديدة لمكافحة الفساد مصادرة الأصول في الداخل والخارج قبل صدور نتائج التحقيقات. ويخشى المستثمرون أن تسفر الحملة في نهاية الأمر عن بيع إجباري لأصول لكن لم يتضح إلى أي مدى تصل نوايا السلطات.
يقول محللون إن الحملة إجراء استباقي آخر من ولي العهد البالغ من العمر 32 عاما لاستبعاد شخصيات قوية بينما يسعى لإعادة تشكيل الاقتصاد والمجتمع في أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم.
وقد تم احتجاز الأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني، أحد مراكز القوى الرئيسية التي تضرب بجذورها في قبائل المملكة، بعد إعفائه من منصبه وحل محله الأمير خالد بن عياف.
وأعاد ذلك للأذهان قرارا اتخذه الملك سلمان في يونيو حزيران بتعيين ابنه الأمير محمد وليا للعهد بدلا من ابن عمه الأمير محمد بن نايف الذي أعفي أيضا من منصب وزير الداخلية.
وتعزز الخطوة سيطرة الأمير محمد على الأمن الداخلي والمؤسسات العسكرية في المملكة التي تسيطر عليها منذ زمن بعيد أفرع مختلفة من الأسرة الحاكمة.
الأمير محمد بن سلمان يتحدى الأعراف
طوى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان صفحة أعراف في ممارسة الحكم تعود إلى عقود خلت تبناها أسلافه عبر قيامه بحملة تطهير غير مسبوقة استهدفت أمراء ووزراء يعتبرها محللون استعراض قوة جريئا لكنه محفوف بالمخاطر.
وقد تؤدي ملاحقة شخصيات بارزة في أوساط المال والأعمال إلى اهتزاز ثقة المستثمرين في المملكة، ما يمكن ان يخرج خطة الأمير محمد الاقتصادية الشاملة التي تسمى “رؤية 2030” عن مسارها.
وتؤكد حملة التطهير وجود خطط غير مسبوقة لإعادة هيكلة المملكة في حين يفكك الأمير محمد نموذج حكم مبني على التوافق ضمن العائلة المالكة ريثما يعزز سلطته بشكل استثنائي.
وقالت المحللة في مركز “شاتام هاوس” بلندن جاين كنينمونت إن هناك “إعادة تشكيل جارية لهيكلة حكم العائلة الذي تم ترسيخه خلال العقود القليلة الماضية ليتحول إلى نظام ملكي مركزي”.
وأضافت أن الأمير محمد “يغير نمط الحكومة السعودية”.
واعتبرت السلطات السعودية الحملة الواسعة مبادرة شجاعة لاجتثاث الفساد.
لكن عددا من المحللين يتساءلون عما إذا كانت الحملة غطاء يستخدمه الأمير محمد لتعزيز سلطاته والتخلص من أي خصوم معارضين لتحركاته الإصلاحية وتنصيبه ملكا في نهاية المطاف.
ويرى جيمس دورسي من “معهد اس. راجارتنام للدراسات الدولية” في سنغافورة إن “الإقالات والاعتقالات تشير إلى أن الأمير محمد يوسع قبضته الحديدية لمواجهة أي معارضة بدلا من عقد تحالفات”.
وأضاف أن ذلك “يثير تساؤلات بشأن عملية الإصلاح التي باتت تعتمد بشكل متزايد على خطوات أحادية الجانب بدلا من التوافق حول العقد الاجتماعي في المملكة”.
ويشيد مؤيدو الأمير الشاب بخطواته ورغبته في تحقيق إصلاحات اجتماعية واقتصادية كبيرة لتحديث المملكة وتحضيرها لحقبة ما بعد النفط.
وسبقت حملته ضد الفساد خطوات جريئة أخرى أقدم عليها كمرسوم ملكي يسمح للنساء بقيادة السيارات اعتبارا من يونيو المقبل وتقليص سلطات هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد عرض تطلعاته خلال قمة استثمارية في الرياض قبل نحو أسبوعين قدم خلالها أمام عمالقة الأعمال العالميين مسودات مشاريع تبلغ كلفتها مئات مليارات الدولارات، وضمنها مدينة تضم روبوتات وسيارات دون سائق.
وأشار مكتب “كابيتال ايكونوميكس” للأبحاث إلى أن التوقيفات قد تشكل “ضربة” قصيرة الأمد إلى الاقتصاد في وقت تزداد فيه المعارضة للأمير محمد، ما قد يشكل تهديدا محتملا لخططه الاصلاحية.
وحذرت مجموعة “ميراباود سيكيورتيز” من أن حملة التطهير التي أوقف خلالها الوليد بن طلال، الذي يملك استثمارات تقدر قيمتها بمليارات في أنحاء العالم، قد تخيف القطاع الخاص على المدى القصير و”تكثف حركة هروب رؤوس الأموال” من السعودية.
لكن شبكات التواصل الاجتماعي الحكومية لا تبدو آبهة بذلك وأعادت نشر مقابلة اجراها قبل اشهر الامير محمد أكد خلالها عدم استثناء أحد لا في صفوف الوزراء ولا رجال الأعمال في حال تم اثبات تورطهم بالفساد.
وهذه الرسالة تلقى صداها في أوساط السعوديين الغاضبين ازاء ثقافة تمنح أفراد العائلة المالكة امتيازات.
وفي هذا السياق، كتب علي الشهابي مدير “ارابيا فاونديشن”،ومقرها واشنطن وتعد مقربة من السلطات في السعودية ان “المنتقدين يعتبرونها استحواذا على السلطة في حين ان السلطة مترسخة أصلا”.
وأضاف في تغريدة عبر تويتر “يتعلق الأمر بإعادة تشكيل سلوكيات النخبة عبر اختيار رموز بارزة. إنها رسالة بأن التنظيف يبدأ من اعلى” الهرم.
الاقتصاد السعودي على المحك
قبل أسبوعين كان فندق ريتز كارلتون بأنواره المتلألئة في الرياض يستضيف مؤتمرا دوليا للترويج للسعودية كمقصد للاستثمار في حضور أكثر من ثلاثة آلاف من كبار المسؤولين وزعماء قطاع الأعمال.
والآن فإن الفندق يستخدم بصفة مؤقتة كسجن فاخر لبعض من النخبة السياسية وكبار رجال الأعمال الذين جرى احتجازهم في حملة واسعة على الفساد قد تغير طريقة عمل الاقتصاد.
وباحتجاز عشرات من المسؤولين وكبار رجال الأعمال فإن هيئة جديدة لمكافحة الفساد يرأسها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تسعى إلى تفكيك شبكة من المحسوبية والعمولات شوهت الاقتصاد لعقود.
لكنها عملية محفوفة بالمخاطر لأن الحملة تلحق ضررا ببعض من أكبر رجال الأعمال بالقطاع الخاص في المملكة وزعماء مؤسسات عائلية ممنبنوا معظم الاقتصاد غير النفطي على مدى العقود القليلة الماضية.
وقد تعاني صناعات كثيرة إذا نضبت الاستثمارات من هذه العائلات في الأشهر المقبلة في وقت انزلق فيه الاقتصاد بالفعل إلى ركود بسبب ضعف أسعار النفط وسياسات التقشف.
ومن ناحية أخرى فإن سلالة جديدة من الشركات التي تساندها الدولة تصعد لمنافسة الحرس القديم، وكثير من هذه المشاريع الجديدة مرتبطة بصندوق الاستثمارات العامة، الصندوق الرئيسي للثروة السيادية للمملكة. لكن من غير الواضح مدى السلاسة التي ستحدث في الانتقال إلى هذه الشركات.
وقال محلل مالي في المنطقة طلب عدم نشر اسمه بسبب الحساسيات السياسية “قواعد اللعبة تتغير. لكنها تتغير بطريقة عشوائية”.
وأضاف قائلا “حتى الأشخاص الذين يعتقدون أنهم يعملون في إطار القواعد، لا يعرفوا هل سيظلون في إطار تلك القواعد غدا. توجد حالة من الضبابية”.
وقال المحلل إن بعض رجال الأعمال بالقطاع الخاص في السعودية يحاولون الآن إخراج أموالهم من البلاد “بينما لا يزال بإمكانهم أن يفعلوا هذا”.
وبالنسبة لكثيرين من الأجانب فإن الجانب الأكثر صدمة لهم في حملة التطهير هو احتجاز الملياردير الأمير الوليد بن طلال، رئيس مجلس إدارة شركة المملكة القابضة والذي يحظى بشهرة دولية.
لكن بالنسبة للسعوديين فإنهم يشعرون بنفس الاندهاش بشأن أسماء المحتجزين الآخرين ومن بينهم ناصر بن عقيل الطيار مؤسس مجموعة الطيار للسفر، والملياردير صالح كامل، وبكر بن لادن رئيس مجلس إدارة مجموعة بن لادن الضخمة للتشييد.
وتبرز حكاية مجموعة بن لادن كيف أن بيئة الأعمال تتغير. وطالما حظيت بن لادن وسعودي أوجيه، وهي مجموعة كبيرة أخرى للتشييد، بمعاملة تفضيلية في الوصول إلى أكبر المشاريع في المملكة والسيطرة على الأسعار نتيجة لعلاقاتهما الوثيقة بأمراء في الأسرة الحاكمة.
لكن الشركتين كلتيهما فقدتا هذه الحظوة، عندما دفعت ضائقة مالية ناتجة عن ضعف أسعار النفط، الحكومة إلى إلغاء أو تعليق مشاريع وتأجيل مدفوعات.