أواسط هذا الشهر تعرض الفلسطينيون لحملة من القمع الدموي بمناسبة تجمع الآلاف من المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة على الحدود الإسرائيلية، تحت شعار “مسيرة العودة الكبرى”.
ويكاد يجمع الفلسطينيون وغيرهم على أنّ مرحلة السعي نحو حلّ الدولتين قد طويت، وبات التمسك بها مضيعةً للوقت، واستنزافًا للجهد. حيث تعاقبت التنازلات الفلسطينية لإسرائيل شعبا وقيادة منذ أواخر سبعينات القرن العشرين عبر مسيرة طويلة تُوّجت باتفاق أوسلو، على أمل الوصول إلى دولة فلسطينية، ولو مبتورة الأجزاء والأطراف في الضفة الغربية وقطاع غزة. وبين هذا وذاك تجدرت الغطرسة الصهيونية وتعمّق الاستيطان إلى أن قضى واقعيا وميدانيا على ما تبقى من بصيص أمل لقيام دولة مستقلة، عاصمتها القدس على أرض فلسطينية متصلة الأطراف.
من جهته، اعتنق الرأي العام الإسرائيلي في أغلبيته صراحة أطروحات اليمين الصهيوني العنصرية والمتمسّكة بالرواية الأسطورية الصهيونية، التي تفضي إلى إقامة دولة قومية يهودية صرفة، لا مكان فيها ولا مستقر لغيرها. وبدا جليا أنّ الكيان الصهيوني لن يقدّم أي تنازل.
فيما الانقسام والوهن والضعف هم أسياد الموقف في العالم العربي، في ظل مجتمع دولي متواطئ أو مماطل أو متهاون أو غير مكترث، بينما السلطة والقيادات الفلسطينية عاجزة أمام ترهّل الفصائل وضعف الصف الوطني.
وأمام هذا الألم المزمن والجرح الفلسطيني الغائر، برزت فكرة “العودة الكبرى” منذ 30 مارس 2018 كعمل جماهيري منظم ينطلق خلاله اللاّجئون في مسيرات سلمية نحو الحدود هدفهم تطبيق الفقرة 11 من قرار الأمم المتحدة 194 الذي ينص على عودة اللاّجئين.
وما كان هذا ليروق لإسرائيل ولعرابها الأمريكي، اللذين اختارا في خطوة سكيزوفرينية استفزازية الاحتفال الدبلوماسي الماجن والفاحش يوم 14 ماي 2018 بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، بينما ترتكب، غير بعيد، في حدود غزة مجزرة أودت بحياة 59 ضمنهم 8 أطفال وجرح قرابة 5000 مدنيا فلسطينيا، ضمنهم 138 مصابا في مرحلة الخطر، لم يكونوا مسلحين إلا بيأسهم.
وما يرمز إليه هذا اليوم المشؤوم (14 ماي 2018)، الذي يخلد للذكرى 42 ليوم الأرض، التي تستمر حتى ذكرى نكبة فلسطين في 15 ماي، هو التخلي الكامل عن قرابة مليوني نسمة من سكان قطاع غزة، بعد أن ظلوا مضطهدين في حبس مكشوف منذ وصول حركة حماس إلى الحكم في 2007، وبعد أن عانوا من ويلات ثلاث حروب قاسية طيلة 10 سنوات.
كما يكشف هذا “الاثنين الأسود” أيضًا عن تجريد فلسطينيي القطاع من إنسانيتهم واستباحة أرواحهم من جانب جزء كبير من الطبقة السياسية والمجتمع الإسرائيلي، والذين لا يرون فيهم إلا داعمين ومساندين لحركة حماس، وورما خبيثا يتعين اجتثاثه.
فيما حركة “مسيرة العودة”، والتي هي امتداد للانتفاضة الأولى (1987 – 1993) والثانية في شتنبر 2000، قد أثبتت أن المجتمع الفلسطيني قد اختار الاحتجاج المدني والشعبي، في مواجهة الأسلحة والغطرسة وإرهاب الدولة المحتلة.
وأن تجاهل هذا المعطى أمر خطير، سيؤدي المجتمع الإسرائيلي أولا ثمنه، لكونه لن ينعم بالاستقرار والأمن وهو يرمي الزيت على النار، كما سيعاني من مزيد من العزلة الدولية. وهو في آخر المطاف سلوك يسعى إلى إشعال الفتنة وتأجيج بؤر التوتر وإجبار العالم على أداء ثمنها.
> بقلم: عبد اللطيف أعمو