“إكودار” جمع كلمة “أكادير”، وهي مفردة أمازيغية تدل على الحصن أو المخزن الجماعي، تنتشر أساسا في قرى سهل سوس بجنوب المغرب، وتقابلها في المعنى كلمة “إغرم” في مناطق الأطلس الكبير الأوسط والشرقي والأطلس المتوسط والجنوب الشرقي من تازناخت إلى تافيلالت.
فمن المعروف أن هدف إنشاء هذه “الإكودار/ المخازن” من طرف الساكنة يتمثل أساسا وحصريا في تخزين الثروات من المحاصيل الزراعية، والعسل، والزيت.. وكذا لحفظ الأشياء الثمينة، كالمال والحلي والصوف، وحمايتها من النهب والسرقة وهجمات اللصوص وقطاع الطرق خصوصا في عهد السيبة، وكذا أثناء فترة الاستعمار، وفي حالات الحروب والأزمات.. ومن ثمة لجأت الساكنة القروية إلى هذه التقنية الخلاقة في التخزين والصيانة على شكل نظام شبه بنكي تقليدي يحفظ للناس ممتلكاتهم وثرواتهم. ويذهب بعض الباحثين في التراث الأثري على أن هذه “الإكودار/ المخازن” تعتبر أقدم نظام بنكي في العالم، حيث كانت بالفعل تلعب دورا بنكيا في ادخار وتخزين الأموال والمجوهرات والمخطوطات من عقود وصكوك واتفاقيات، وشتى أصناف الممتلكات النفيسة ومنها المواد الغذائية اليابسة كالحبوب والقطاني، والسائلة كالزيت والعسل والسمن…
ومن الناحية الهندسية يشكل أكادير/ المخزن بناء معماريا ضخما على شكل حصن تتوسطه مجموعة من الغرف في طوابق قصيرة العلو وشديدة الضيق، حتى لا تسهل الولوجية إليها، وتعين القبيلة قيما عليها بمثابة محافظ يتم اختياره من سكان القبيلة ويشترط فيه أن يكون من ذوي الأخلاق الفاضلة والمشهود لهم بالأمانة والاستقامة..
تملك كل أسرة من الساكنة غرفة صغيرة خاصة بها، ويثبتها المحافظ باسمها في سجل، حسب الأعراف القديمة المنظمة للحصن. ولا يسمح بالولوج لهذه الغرف إلا لأصحابها، وبمعية المحافظ، بحيث يعسر عمليا العبور إليها نظرا لوجود ممرات سرية ومنافذ ضيقة. ولا يشترط السكان أي فوائد عن عمليات الادخار كما ليسوا مطالبين بدفع أي مصاريف مقابل ذلك باستثناء واجبات الحراسة والإصلاحات اللازمة كالترميم والتبليط.
يعتبر سكان القبيلة هذه “الإكودار/ المخازن” مكانا مؤمَّنا ومقدسا يحمل بين جدرانه ثقافة التوفير والادخار وقيمة العمل الجماعي، إضافة إلى كونها أداة لتحقيق أمن القبيلة في زمن يتسم بضعف الاستقرار وانعدام الأمن.. وبالتالي فالقبيلة تسعى، بشكل جماعي متوافق عليه، للحفاظ على ممتلكاتها من كل اعتداء قد يطالها من طرف قطاع الطرق والعصابات.
تجسد هذه المخازن الجماعية جزء من الهوية الثقافية الوطنية، في مكونها الأمازيغي العريق، وتشكل إرثا حضاريا متوارثا أبا عن جد، كما تعكس نوعا من نمط وفن العيش لدى القرويين الأمازيغ.. ويمكن اعتبارها، بما هي بناية معمارية، أثرا معماريا تراثيا ذا ثقل تاريخي كبير وذا قيمة إنسانية وإبداعية خلاقة، حيث يمكن اعتمادها كعامل من عوامل مرحلة التحول لدى القبائل الأمازيغية من حياة الترحال إلى حياة أنصاف الرحل نحو ضمان حياة الاستقرار.
فكل أمة من الأمم، وبغض النظر عن موقعها الجغرافي وفضائها الزماني ومكانتها التاريخية، تحاول تحديد وتكوين هويتها من خلال البنايات والمنشئات الأثرية، وشتى أنواع الابتكارات التي تعكس نمط تفكيرها وممارساتها السوسيوثقافية وإبداعاتها الفنية، وبالتالي تصون ذاكرتها الجماعية وتاريخها الحضاري.. ومن ثمة فمجرد الوقوف أمام هذه “الإكودار/ المخازن” التي تعد معالم خالدة، نستحضر شموخ الفن الهندسي لدى الأمازيغ الذين أبدعوا في تصميمها، وعظمة اليد العاملة التي شيدتها وأرست هياكلها بإتقان بديع، منذ حوالي ثلاثة قرون في معظمها، ومنها ما يعود إلى تسعة قرون..
فضلا عن ذلك، فإكودار تعد حصونا حربية ودفاعية بامتياز، تشمل، بالإضافة لطوابق وغرف للتخزين، على أبراج للمراقبة ومحاطة بأسوار عالية ومحصنة. بنيت باستعمال مواد البناء المحلية التقليدية، كالأحجار والقصب والخشب والطوب وباستخدام طريقة اللوح أو تقنية مسماة بـ “التابوت” المعروفة والأكثر استعمالا في طريقة بناء الأسوار القديمة والمعمار القروي بشكل عام، فشكلها الهندسي البديع يساعد على حماية ممتلكات القبيلة من أي سرقة أو سطو عليها، كما أن هذه البناية تتوفر على باب واحد له وظيفة تنظيمية وأمنية حتى يمكن تسهيل المراقبة والتخزين بشكل آمن ومنظم.
تلعب حصون إكودار أدوارا مهمة على جميع المستويات: اجتماعية، وثقافية، واقتصادية، وسياسية، وأمنية.. فوجودها لا ينحصر فقط في حفظ المؤونة والأمتعة والعقود المبرمة كعقود الزواج أو عقود البيع والشراء والحلي وكل ما يمتلكه أفراد القبيلة، بل أهميتها ترجع كذلك إلى كونها مكانا أحاطه الناس بهالة من التقديس والتقدير لا يجب الاقتراب إليه، بحيث تعقد فيه الاجتماعات للنظر في أمور القبيلة، ولفض النزاعات، وتبرم فيه الاتفاقيات التجارية، وتسن فيه التشريعات والقوانين المنظمة للمجتمع المحلي..
كل هذه الأدوار لعبتها المخازن الجماعية في فترات سابقة من تاريخ الجنوب المغربي، باعتبارها معالم خالدة تربط الفرد بفضاء مواطنته، ولهذا السبب، يعتبر احترام ما تبقى من ذاكرتنا وتراثنا ومعالم ماضينا واجبا وطنيا مقدسا، وذلك بالعمل على حمايتها وترميمها وصيانتها والحفاظ عليه، ولم لا الاقتباس منها والاستثمار فيها وربطها بخدمة الإنسان والمجال، وجعلها من عوامل التنمية المستدامة.
***
ترتيب مجموعة من مواقع النقوش الصخرية في عداد الآثار
تنفيذا لمخططها العملي الرامي إلى حماية وتثمين التراث الوطني والتعريف به، وسعيا منها إلى تثمين وحماية النقوش الصخرية وتصنيفها وتعزيز مكانتها كموروث حضاري إلى جانب المعالم التاريخية والثقافية بالمملكة، وتنزيلا لمقتضيات المكون الثقافي ضمن المشروع النموذجي لتنمية الأقاليم الجنوبية، صادقت وزارة الثقافة والاتصال – قطاع الثقافة – على ترتيب مجموعة من مواقع النقوش الصخرية في عداد الآثار.
ويتعلق الأمر بإدراج موقع أزرو كلان في عداد الآثار، ويوجد الموقع بنفوذ الجماعة الترابية لعوينة لهنا بإقليم أسا – الزاك، ويتميز بالعدد الهائل للنقوش التي تتمركز على سطح صخرة ذات مساحة شاسعة، حيث يستأثر باهتمام الباحثين في هذا المجال. كما ينفرد الموقع عن باقي مواقع النقوش الصخرية بالمملكة المغربية باحتوائه على رسم فريد من نوعه يحيل إلى سفينة.
كما صادقت الوزارة على إدراج ثلاثة مواقع للنقوش الصخرية تتمركز كلها ضمن النفوذ الترابي لجماعة أداي بإقليم كلميم، ويتعلق الأمر بكل من موقع أدرار زرزم، وموقع تارسلت، وموقع أوموكجيم. وهي مواقع مهمة سواء من الناحية العلمية بحيث تحتوي على العديد من النقوش التي تمثل تيمات مختلفة تؤرخ لفترات قديمة وتعكس المحيط البيئي القديم، أو من الناحية التنموية باعتبارها ركيزة أساسية للسياحة الثقافية بالمنطقة.
***
وزير الثقافة يتفقد أشغال مشروع ترميم وتهيئة المواقع الأثرية بإقليم الحسيمة
قام وزير الثقافة والاتصال، الدكتور محمد الأعرج، الجمعة الماضي، بزيارة تفقدية واستطلاعية لعدد من المواقع الأثرية والتاريخية بإقليم الحسيمة، وذلك في إطار متابعته الميدانية المستمرة لوتيرة تنفيذ المشاريع الثقافية المندرجة ضمن اتفاقية التهيئة المجالية لإقليم الحسيمة – الحسيمة منارة المتوسط – الموقعة أمام أنظار جلالة الملك محمد السادس.
وبهذا الخصوص، وبعد استماعه للعروض المتعلقة بالحصيلة المرحلية والبرنامج التنفيذي في مجال ترميم وتهيئة المواقع، وضمنها موقع المزمة الأثري الذي رصد له مبلغ إجمالي يقدر بـ12.208.850.60 درهم، اطلع الوزير على نتائج الأشغال المنتهية به، كما سجل بارتياح كبير نسبة تقدم الأشغال في طور الإتمام، والتي عرفت نسبة إنجاز جد متقدمة.
كما اطلع المسؤول الحكومي على المشاريع المنجزة في هذا الإطار، والمتمثلة في مشروعي ترميم وتهيئة كل من قصبة سنادة التاريخية الذي أنجز بتكلفة بلغت 5.023.546.92 درهما، ومشروع باديس الأثري الذي بلغت تكلفة إنجازه 2.965.085.41 درهما.
وفي السياق ذاته، اطلع وزير الثقافة والاتصال على مشروع تأهيل بناية القلعة الحمراء بأربعاء تاوريرت التابعة لإقليم الحسيمة التي عرفت انطلاق أشغال الترميم والتهيئة، بتكلفة تقدر بـ 12.757.915.20 درهم، بعدما باشرت الوزارة الإجراءات المتعلقة بإدراج الموقع ضمن لائحة التراث الوطني.
هذا، وأبرز الدكتور محمد الأعرج أهمية استحضار البعد التنموي في المشاريع المرتبطة بتأهيل المواقع التاريخية والتراثية، من حيث تنمية البحث الأثري بها، وصيانتها وتدعيم بناياتها، لتلعب الأدوار المنوطة بها في مجال التنمية المستدامة، كما أكد على ضرورة مضاعفة الجهود لإتمام هذا المشروع في الآجال القانونية المحددة له.
وجدير بالذكر أن هذه المشاريع تندرج في إطار إستراتيجية وزارة الثقافة والاتصال – قطاع الثقافة – الهادفة إلى صيانة وحماية التراث الثقافي الغني والمتنوع لإقليم الحسيمة وتثمينه حتى يقوم بدوره كرافد من روافد التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.
> بقلم: شيماء لوكيلي