حذرت منظمة الصحة العالمية من أن استخدام بلازما الدم من الناجين من كوفيد-19 لعلاج مرضى آخرين لا يزال يعتبر علاجا تجريبيا، معربة عن قلقها من أن الدعم الأمريكي للعلاج يجعل العديد من العلماء يخشون أن تخرج الدراسات الرسمية عن مسارها.
وأعطت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية الضوء الأخضر لما يسمى “الاستخدام الطارئ” للعلاج بموجب صلاحياتها الخاصة لتسريع توفير أدوية تجريبية واعدة أثناء أزمة الصحة العامة. ولا يماثل هذا الإجراء الموافقة على أن البلازما آمنة وفعالة، وهناك العديد من الدراسات الصارمة جارية لمعرفة ما إذا كانت تعمل حقا.
وقالت كبيرة العلماء في منظمة الصحة العالمية الدكتورة سوميةسواميناثان خلال مؤتمر صحفي: “النتائج ليست قاطعة حتى الآن”. “في الوقت الحالي، ما زالت هذه الأدلة منخفضة الجودة”.
وبلازما النقاهة علاجا مضى عليه قرن من الزمن، إذ تم استخدامه لمحاربة تفشي الإنفلونزا والحصبة في الأيام التي سبقت اللقاحات، وجُربت هذه الطريقة لأول مرة في عام 1892 لمكافحة الدفتيريا، ثم ضد الأنفلونزا الإسبانية في عام 1918.وتمت تجربته مؤخرا أثناء تفشي فيروس إيبولا.
عندما يواجه الجسم جرثومة جديدة، فإنه يصنع بروتينات تسمى الأجسام المضادة التي تقوم بشكل خاص بمكافحة العدوى. تطفو الأجسام المضادة في البلازما، الجزء السائل المصفر من الدم، الذي يتم جمعه من الناجين من كوفيد-19 وإعطاؤه للمرضى المصابين بفيروس كورونا.
وقالت سواميناثان إن منظمة الصحة العالمية تعتبر العلاج بالبلازما تجريبيا ويجب مواصلة تقييمه، مضيفة أن العلاج يصعب توحيده ويجب جمع البلازما بشكل فردي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الناس ينتجون مستويات مختلفة من الأجسام المضادة.
وأوضحت: “بالطبع، يمكن للبلدان أن تضع قائمة طارئة إذا شعرت أن الفوائد تفوق المخاطر”، “ولكن هذا يحدث عادة عندما تنتظر المزيد من الأدلة القاطعة”، مؤكدة على عدم وجود دليل على أنها تعمل.
في رسالة تصف إجراءات الطوارئ التي اتخذتها إدارة الغذاء والدواء، قالت كبيرة علماء الوكالة إن العلاج “لا ينبغي اعتباره معيارا جديدا للرعاية” لعدوى فيروس كورونا، وأن المزيد من البيانات من الدراسات ستكون متاحة في الأشهر المقبلة.
لكن بالفعل، طلب الكثير من مرضى كوفيد-19 البلازما بدلا من الموافقة على أن يكونوا جزءا من دراسة بحثية يخشى العديد من العلماء أنهم لن يحصلوا على إجابة واضحة حول ما إذا كان العلاج يعمل بالفعل، وكيف ومتى يجب استخدامه للحصول على أفضل النتائج.
قال مارتن لاندراي، من جامعة أكسفورد، إنه بينما يقدم العلاج “وعدا كبيرا”، لا يوجد حتى الآن دليل على نجاحه. وأوضح أن “هناك فجوة كبيرة بين النظرية والمنفعة المثبتة”. وأكد لاندراي، الذي يجري دراسة عن البلازما في المملكة المتحدة، إذا شارك بضعة آلاف من المرضى في البحث “لكان لدينا الجواب”.
في يونيو الماضي، تابعت شبكة مستشفيات مايو كلينيك الأميركية نقل البلازما لدى مجموعة من 20 ألف مريض ولاحظت معدلا منخفضا للغاية من الآثار الجانبية المعروفة.
وقال الدكتور سكوت رايت، الذي أجرى الدراسة، لوكالة فرانس برس “خلصنا إلى أن استخدام بلازما النقاهة آمن”.
واقترحت دراسة أخرى من مايو كلينيك أن البلازما ساعدت في تقليل معدل الوفيات لدى المرضى عند ما حقنوا بها مبكرا وكانت مستويات الأجسام المضادة مرتفعة، لكن الدراسة، التي لم تكن سريرية، لم تخضع بعد لمراجعة الأقران ولم تستخدم دواء وهميا.
ويجري باحثون في جامعة جونز هوبكنز دراسة موازية تستخدم فيها البلازما لمحاولة تحصين المرضى ضد فيروس كورونا قبل أن يمرضوا. وقد قارنها الدكتور ديفيد سوليفان، المشرف على التجربة، بما يشبه “اللقاح الفوري”.
وقال لفرانس برس إنه إذا كانت النتائج قاطعة “يمكننا إبلاغ الأشخاص المعرضين لخطر كبير بأنه يمكنهم الحصول على العلاج في وقت مبكر وبأن ليس عليهم أن يقلقوا بشأن الذهاب إلى المستشفى”.
ولكن هذا الخيار، إذا ثبت أنه فعال، لا يمكن استخدامه على نطاق واسع. ويعتقد بعض العلماء أنه سيكون من الأهمية بمكان تطوير أجسام مضادة اصطناعية، تسمى الأجسام المضادة أحادية النسيلة، والتي يسهل توزيعها على نطاق واسع.
ويؤكدستيفن غريفين، الأستاذ المساعد في الطب بجامعة ليدز،إنه لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن استجابة الجهاز المناعي لكوفيد-19، مما يجعل أي استخدام محتمل للبلازما في فترة النقاهة أمرا صعبا.
وقال غريفين: “يبدو أن الدروس المستفادة من هيدروكسي كلوروكين لم يتم تعلمها”، في إشارة إلى عقار الملاريا الذي وصفه ترامب وآخرون بأنه علاج محتمل لفيروس كورونا.
كما منحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تصريحا طارئا لهيدروكسي كلوروكين قبل تعليقه بعد أشهر بعد أن أظهرت عدة تجارب أن الدواء لا يعمل ضد كوفيد-19 ويزيد من خطر الإصابة بمشاكل القلب والكلى والكبد وغيرها.
لا يوجد إجابة محددة حتى الآن على هذا السؤال، غير أن النتائج الأولية تبدو مشجعة،
السياق السياسي الأمريكي يثير المزيد من الشكوك
ويشكك المعلقون السياسيون في توقيت صدور الإذن عن إدارة الغذاء والدواء الأميركية باستخدام هذا العلاج قبل شهرين فقط من الانتخابات الرئاسية الأميركية، وفيما يتعرض دونالد ترامب للانتقاد بسبب إدارته الأزمة الصحية ويبدو متخلفا عن منافسه الديموقراطي في استطلاعات الرأي.
في نهاية مارس، كانت إدارة الغذاء والدواء الأميركية قد أذنت بالفعل بصورة طارئة باستخدام علاجي الكلوروكين والهيدروكسي كلوروكين، وهما علاجان دافع عنهما الرئيس الأميركي.
لكن الإذن سحب بعد التحذيرات من آثارهما الجانبية على القلب، وبعد دراسات واسعة أظهرت أنهما غير فعالين ضد كوفيد-19.
وفي الإعلان عن الإذن باستخدام علاج البلازما، قدم ترامب، وكذلك وكالة الأدوية، إحصائية رئيسية بشكل محرف، بقولهما إن البلازما خفضت معدل الوفيات بنسبة 35 في المائة.
وأوضحت متحدثة باسم إدارة الغذاء والدواء في وقت لاحق أن الرقم يشير في الواقع إلى انخفاض خطر الوفاة لدى لأشخاص الذين تلقوا مستويات عالية من الأجسام المضادة في دراسة مايو كلينك، مقارنة بأولئك الذين تلقوا مستويات منخفضة منها.
حتى أن مدير إدارة الغذاء والدواء الدكتور ستيفن هان اعتذر عن تحريف مدلول هذا الرقم.
وقال المسؤول في تغريدة على تويتر مساء الاثنين: “لقد تعرضت لانتقادات بسبب التصريحات التي أدليت بها مساء الأحد حول فوائد بلازما النقاهة. النقد له ما يبرره تماما. ما كان يجب أن أقوله هو أن البيانات تظهر انخفاضا نسبيا في المخاطر وليس انخفاضا مطلقا في المخاطر”.
واستنكر الدكتور ماثيو هاينز الذي عمل في وزارة الصحة في ظل إدارة الرئيس السابق باراك أوباما الأمر قائلا إن “هذا يقوض مصداقية الحكومة الأميركية بأكملها”.
لكن الدكتور دانيال هانلي الذي يرأس التجارب السريرية في جامعة جونز هوبكنز أكد أنه تم بالفعل الوصول إلى مستوى النتائج اللازمة لإعطاء الإذن بصفة عاجلة.
6 علاجات بارزة لكورونا حتى الآن
تعكف المختبرات وشركات الأدوية، على تطوير عدد من العقارات المحتملة لعلاج مرض “كوفيد 19” الناجم عن الإصابة بفيروس كورونا المستجد.
وبحسب صحيفة “غارديان” البريطانية، فإن عددا من الأدوية والعلاجات خضعت للتجربة وأظهرت نتيجة واعدة، لكن التقدم الذي جرى إحرازه ما يزال خطوة بسيطة ضمن مسار طويل نحو إيجاد دواء ناجع وخاص بالوباء.
لكن الأطباء لا يقفون مكتوفي الأيدي في ظل غياب دواء خاص بمرض “كوفيد 19″، بل يلجؤون إلى أدوية متوفرة في السوق، وطالما جرى استخدامها في علاج أمراض أخرى.
ومن بين هذه الأدوية يوجد عقار “ديكساميثاسون” الذي يوصف بقصة النجاح، لأنه رخيص جدا ومتاح في العالم، واستطاع أن يساهم في إنقاذ أرواح مرضى كورونا.
وكشفت دراسة أجرتها جامعة أوكسفورد، أن هذا الدواء المصنوع من مركب “الستيرويد” استطاع أن ينقذ حياة واحد من بين كل ثمانية مرضى جرى وضعهم تحت أجهزة التنفس الاصطناعي في بريطانيا.
ويتم تقديم هذا الدواء للحالات الحرجة والأشد خطورة في كافة مستشفيات بريطانيا، وميزته الأبرز هو السعر الرخيص كما أنه متاح في البلاد منذ ستين عاما.
وفي علاج ثان، يلجأ الأطباء إلى بلازما الدم المستخلصة من أشخاص أصيبوا ثم تعافوا، لأنها تحتوي على أجسام مضادة للمرض، ولقد أبدى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حماسا كبيرا لاعتماد هذه التقنية، فقام بإعلان موافقة عاجلة من أجل السماح بها، وقال إن من شأنها أن تساعد على تفادي 35 في المئة من الوفيات.
أما العلاج الثالث فهو “ريميديسفير” الذي حصل على موافقة استعجالية في كل من الولايات المتحدة والهند وسنغافورة كما صودق عليه أيضا من قبل الاتحاد الأوروبي واليابان وأستراليا من أجل مساعدة المصابين الذين يعانون أعراضا خطيرة.
لكن هذا الدواء الذي تصنعه شركة “جيلدساينسز”، يوصف بالباهظ الثمن، وتم تطويره أول مرة علاج مرضى التهاب الكبد “سي” لكن تبين أنه غير ناجع بشكل كبير، ثم اقترح بعد ذلك لأجل علاج مرضى إيبولا.
وفي أزمة كورونا، تبين أن هذا الدواء يقلل مدة مكوث المريض في المستشفى من 15 إلى 11 يوما في المتوسط، ومع ذلك، لم يتأكد ما إذا كان هذا الدواء ذا أثر كبير في علاج “كوفيد 19”.
وتخضع عدة أدوية مضادة للالتهاب للتجريب من أجل التأكد من نجاعتها في التخفيف من أعراض “كوفيد 19″، لأن فيروس كورونا المستجد يهاجم جهاز المناعة لدى الإنسان، وهذا الأمر يؤدي إلى الالتهاب.