فجائيًا جاء النبأ الأليم الذي تناقله بريد النعي في كل اتجاه، وكالصاعقة هبط نعي الصحافي الفلسطيني ومدير مكتب “القدس العربي” بالرباط، محمود معروف، الذي غيبه الموت يوم الخميس في الرباط، بعد سنوات طويلة من العطاء الثقافي والإعلامي، حمل خلالها الراحل قضية فلسطين في كل محطة من محطات حياته، وكان ترجمانها في المغرب، وصوتها في صحافته.
محمود معروف، الصحافي الذي جاء إلى المغرب مطلع ثمانينيات القرن الماضي، قادما من بغداد، فطاب له المقام فيه، وعاش بين أهله كواحد منهم، حتى نعوه اليوم بالمراثي على كل فم، فقد كان رحيله الأبدي خسارة قاسية وكبيرة على الحقلين الثقافي والإعلامي.
الصحافي المخضرم الذي تناقلت الصحف اسمه الذي نقشه بثقافته ومهنيته، يترجل عن صهوة الحياة ويلفظ آخر نفس بسكتة قلبية، ويوارى الثرى ويلتحف أرض مقبرة “سيدي مسعود” بحي الرياض في العاصمة المغربية الرباط، بعد 67 حولًا من العمر، أطلق صرخته الأولى فيها وحواسه الخمس بقرية “دير القاسي” عكا، سنة 1953.
النقابة الوطنية للصحافة المغربية معروف كسب احترام الجميع
نعت النقابة الوطنية للصحافة المغربية الفقيد، واصفة إياه بالزميل العزيز والمحبوب. وجاء في البلاغ أيضاً “هو فلسطيني الهوية والانتماء، أحب بلده المغرب واحتضنه على امتداد عقود، وفيه أسس لعلاقة مهنية وإنسانية شاسعة الأطراف، عنوانها الصدق والمصداقية. وبروح عالية، وسلوك متميز، نجح الراحل في نسج علاقات وطيدة مع مختلف مكونات المجتمع المغربي، وبجدارة كسب احترام الجميع وبدون منازع”.
وأضافت النقابة: “في هذه الظرفية العصيبة التي عايش الفقيد آلامها ومحنها، نعى الراحل قبل أيام بعض أصدقائه وأقاربه، وكتب عن الموت وفواجعه، وفجأة رحل وغادرنا وترك في قلوب أهله ومعارفه وأصدقائه غصة وحرقة”.
يونس مجاهد رئيس المجلس الوطني للصحافة الفقيد كان خبيرا في قضايا المغرب
قال يونس مجاهد، رئيس المجلس الوطني للصحافة، في تصريح لـ “القدس العربي”: “افتقدنا في محمود معروف صديقاً كبيراً، فبالإضافة إلى كفاءته وعمله كصحفي، فإن علاقاته الاجتماعية كانت واسعة وطيبة وكان محبوباً عند الجميع. من خلال ردود أفعال التعزية، يظهر التعاطف الشخصي والإنساني مع شخص أصبح واحداً من أبناء المغرب، حيث عاصر عدداً من أجيال الصحافيين والسياسيين والنقابيين”.
وأضاف مجاهد: “عرفت محمود معروف إلى جانب عدد من المراسلين العرب الذين كانوا في المغرب، حيث ربطتني به علاقة الزمالة والمهنية. كنا نشعر أننا أمام أخ وصديق يمارس عمله المهني بصدق، فهو الذي تابع عدداً من قضايا المغرب، وكان مطلعاً على عدد من الملفات الوطنية حتى أصبح مختصاً في الشأن المغربي”.
محتات الرقاص مدير نشر بيان اليوم
قال الصحفي والحقوقي محتات الرقاص في افتتاحية “بيان اليوم” لعدد أمس الإثنين: “بوفاة محمود معروف، فقد المغرب أحد آخر المراسلين العرب الكبار المعتمدين في بلادنا”..
وأضاف مدير نشر جريدتي “بيان اليوم” و”البيان”: “بقي محمود معروف جسرا حقيقيا بين المغرب والشرق العربي، وساهم في توطيد العديد من الصداقات بين صحفيين وأدباء وفنانين وفاعلين جمعويين مغاربة ونظرائهم في فلسطين ولبنان والأردن والعراق واليمن وسوريا وغيرها، وصار هو أحد الوجوه المألوفة في مشهدنا الإعلامي الوطني طيلة عقود. لقد فتح الراحل صفحات “القدس العربي” لعشرات الكتاب والصحفيين والمثقفين المغاربة، ونجح، خلال متابعته للحياة السياسية والمجتمعية ببلادنا، أن يوفر أرشيفًا غنيا في مكتبه يهتم بكل ما له صلة بالمملكة وقضاياها”. وزاد كاتب الافتتاحية قائلا: “محمود معروف اقترن اسمه أيضا بقضية شعبه والنضال الوطني الفلسطيني من أجل التحرر والاستقلال والحرية، وحمل هذا الهم طيلة حياته، وزار عشرات المدن والمناطق المغربية للتعريف بالقضية وسط المغاربة، وكان ضيفا معروفا على البرامج التلفزيونية والإذاعية، وعلى مختلف الصحف، للحديث عن فلسطين، وبقي دائما مصدرا للخبر الفلسطيني، ويستشيره الصحفيون المغاربة، ويتابع التجارب المهنية للكثيرين منهم، كما انه عاش صديقا لمئات الصحفيين من أجيال مختلفة، وكان حضوره المهني والإنساني بارزا حوالينا”.
الصحفي رشيد البلغيثي..معروف كان وسيبقى معروفاً
الصحافي المغربي، رشيد البلغيتي، يقول لـ “القدس العربي”، وهو تحت تأثير النبأ الأليم: “فقدت صديقاً عزيزاً وصحافياً رصيناً حمل معه همين طوال حياته”.
محمود معروف، وفق شهادة البلغيتي، “حمل هم وطنه الفلسطيني، وممسكاً بالمفاتيح في تجاويف يده دون أن يتمكن من العودة لبيته الأول”.
والهم الثاني يقول البلغيثي: “هو التوازن في رسالته الصحافية بما تقتضيه المهنية من جهة، والظروف السياسية المتقلبة التي عاشها المغرب طيلة إقامته” فيه.
وأضاف: “لقد عاش معروف بالمغرب في ظروف كان عنوانها الانغلاق والتوتر والحساسية الشديدة من الصحافة أحياناً، وأخرى عاش فيها المغرب انفتاحاً جزئياً لم يدم للأسف، لكن محمود ظل متماسكاً ومتوازناً رغم الضغوط”.
“يكفي محمود أنه كان وسيبقى معروفاً في قلوب من أحبوه، وأنا واحد منهم”، يختم البلغيتي قوله وصوته معشق ببحة الفقد.
الصحفي نورالدين لشهب… مرآة “القدس العربي” بالمغرب معر
لم يكن محمود معروف، مدير مكتب “القدس العربي” في الرباط فقط، بل كان مرآةً تعكسها وتعكسه، فلا يذكر معروف إلا ذكرت “القدس العربي” والعكس كذلك، وفق شهادات من عرفوه.
ويقول الإعلامي المغربي، نور الدين لشهب، في حديث مع “القدس العربي”، إن محمود معروف هو الذي “عرفنا بالقدس العربي في المغرب، وجعل المغاربة جميعهم يحترمونها، انطلاقاً من مقالاته وتقاريره، وانفتاحها على جميع الخلفيات السياسية والثقافية والهوياتية داخل المغرب والتي تختلف وتتفق على قضية فلسطين”.
ويضيف لشهب في شهادته: “المغاربة كانوا يحبونه باعتباره صحافيًا من الطراز العالي، ذلك الصحافي المثقف، على عكس اليوم كما نلاحظ طغيان الصحافي الموظف، فكان معروف صحافيًا له قضية، والقضية كانت فلسطين، وهي قضية عادلة تجمع عليها كل الأطراف السياسية المغربية”.
و”على الرغم من أنه كان مقربًا من يساريين مغاربة، إلا أنه كان يأخذ من اليسار قيمه في الدفاع عن الكرامة والاستقلال والحقوق والمبادئ، وظل محافظاً على علاقته الطيبة مع جميع الأطياف السياسية في البلاد، بغض النظر عن خلفياتها”، يقول لشهب.
“معروف صديق عزيز، لا أنكر فضله عليّ، حين أسأله عن شيء مهم حول القضية الفلسطينية وأرجع إليه، لأنه كان مرجعًا وخبيرًا فيها؛ يعرف كل شيءٍ عنها؛ مثقفيها مقاوميها ومناضليها، وساستها الكبار الذين يعرفهم عن قرب، ولم يكن يبخل بالمعلومات”، يزيد الإعلامي في شهادته..
ويختم شهادته قائلًا: “تختلف أو تتفق مع محمود معروف، لكنه – رحمه الله – ينتزع منك احترامه انتزاعًا، نظرًا للصرامة التي يتحلى بها في تناول القضايا التي تمس الشعب المغربي أو الفلسطيني والعرب كافة، فقد ظل وفيًا لتوق الشعوب للحرية، وكان مناصرًا للديمقراطية والحرية، إنه خسارتنا جميعًا”.
مراد القادري رئيس بيت الشعر في المغرب
وأدلى مراد القادري رئيس بيت الشعر في المغرب لـ ”القدس العربي” بالتصريح التالي:
“تفاجأنا بخبر وفاته كما تفاجأ المغرب بكافة فئاته السياسية والجمعوية والثقافية. فقدنا بوفاة معروف واحدًا من أبناء هذا الوطن الذي مثل دومًا صوتًا إعلاميًا مدافعًا عن المغرب وقضاياه الأساسية وحقه في الحرية والديمقراطية والعدالة، كما دافع طيلة حياته عن تكريس منظومة إعلامية وصحافية تتوفر فيها كافة الشروط المهنية والنزاهة.
كان معروف صديقًا للحركة الثقافية المغربية وصديقًا خاصًا لبيت الشعر، حيث كان إلى جانب هذه الهيئة منتصرًا للثقافة المغربية ومدافعًا عن الشعر المغربي ووجوده في الصحيفة التي كان يرأس مكتبها في المغرب.
وخلال أزيد من 25 عاماً، لم يفوت معروف حضور أي فعالية ثقافية وشعرية لمؤسستنا، كما كان يحضر بنصائحه وتوجيهاته في عمل بيت الشعر”.
***
تدوينات وسائط التواصل الاجتماعي
وغصت وسائط التواصل الاجتماعي بتدوينات تضمنت شهادات حول الراحل، وهكذا كتب عبد الجبار الرشيدي الإعلامي والسياسي وعضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال: “رحم الله الصديق العزيز محمود معروف مدير جريدة القدس العربي في الرباط. الإنسان الخلوق والمتواضع، رجل المبادئ والقيم، صحافي متنور في فكره ومنفتح على الجميع، ومثقف ملتزم بقضايا الأمة. بوفاته تفقد القضية الفلسطينية أحد أقلامها الأوفياء، وتفقد الساحة الإعلامية المغربية أحد رجالاتها المتميزين”.
> وكتب الصحافي والناشط الحقوقي عبد الناصر بنوهاشم: “ضربة موجعة تزيد الوجع إيلامًا. في وقت لم يعد في القلب مكان لجرح جديد. كان إنسانًا قبل أن يكون صحافيًا”.
> وتساءلت الإعلامية أسمهان عمور: “لا أدري.. هل سنة 2020 هي سنة الحزن والفقد والوباء والعزل. ألا يكفي أننا ودعنا نساء ورجالاً بصموا تاريخ الفن والثقافة لنفجع هذا الصباح برحيل الصديق الإعلامي محمود معروف”.
> وجاء في تدوينة الصحافي المصطفى أبو الخير: “قبل أيام كتب ناعيًا عددًا من كبار رموز الوطن، قائلاً: أخشى ما أخشاه أن تتحول صفحتي إلى صفحة نعي. الموت لا يرحمني. لا ينتظر حتى أجفف دموعي وأرتاح قليلًا لملء عيوني بدمع إضافي حتى يأخذ صديقًا وغاليًا وأخًا جديدًا. اليوم يرحل في غفلة من الجميع دون وداع. رحم الله الصحافي الفلسطيني المغربي حبًا وهوى”.
> ورثى الباحث محمد أبطيوي، محمود معروف الصحافي الفلسطيني المقيم بالمغرب منذ عقود، قائلا: “وافته المنية هذا الصباح، ففقدنا برحيله فلسطينيًا آخر أحب المغرب وبادله المغاربة حبًا بحب، حباً فيه وحباً في فلسطين”.
> كما كتب الأديب المصطفى كليتي، التدوينة التالية: “كيف تسلل الموت إلى قلبك النابض بالحياة يا محمود. أكاد لا أصدق رحيلك المفاجئ والمباغت. ألم عميق أشعر به وأنا أعرفك منذ سنوات ذوات العدد، خلت بشوشًا حاضرًا مواكبًا، صحافيًا مناضلًا ملتزًما لا تساوم. رجل مبادئ ومواقف رغم المضايقات التي كنت تتعرض لها أحيانًا ضريبة مهنة المتاعب.
محمود، الفلسطيني حتى النخاع، يحمل فلسطين في قلبه أينما حل وارتحل. ركب الصعب ولم يتنازل لإغراء كانت القضية الفلسطينية والرسالة الصحافية فوق كل اعتبار.
> وكتب الصحفي محمد ياسين التدوينة التالية: “وداعا عم محمود.. أستيقظ هذا الصباح مصدوما على خبر نعيك، وأنا الذي تعودت على الفواجع، لكن وقع الصدمة كان أكبر وأقسى.
هكذا الرحيل الأبدي، يكون قاسيا. وكلماتي تعجز عن التعبير عن حزني لرحيلك المفاجيء، فالموت لا يستشير ولا ينذر ولا يرجيء.
فقدانك فاجعة كبرى، وموتك صدمة قاسية لأصدقائك وزملائك ومعارفك، ورزية لأسرتك، والبلد الذي اخترته وآواك وجعلته بمنزلة وطنك.
سنفتقد فيك الإنسان، والمناضل الصامد، والصديق النصوح، والزميل والأخ.
كلنا سنموت يوما عندما يأتي أجلنا وهذا قدرنا، والموت نهاية محتومة لكل كائن، فلا تبتئس فإنا بك لاحقون يوما.
وأنا أطلع على خبر نعيك تذكرت حكاية وقعت لي معك:
في إحدى المرات كنت أمر بشارع محمد الخامس وكان محمود معروف واقفا عند “الروبيو” بائع الجرائد، لم أنتبه إليه فقد كنت شارد الذهن كعادتي. وقف الرجل ينتظر أن أبادره بالتحية، ولكني لم أفعل ومررت به دون أن ألتفت إليه. على بعد خطوات منه تبعني وأمسك بذراعي وقال معاتبا:
– حرام عليك يا أخ استخسرت فينا حتى السلام.
التفت إليه وأنا مندهش وأجبته:
– أعتذر منك يا عم (كما كنت أناديه) لم أنتبه لوجودك ولم أرك أصلا.
ابتسم ابتسامة عريضة وبروح الدعابة والسخرية التي كان يتمتع بها رد علي قائلا
– أطول، وأكحل، وأعور كمان !!!!!!، وما فائدة النظارة التي تضع في عينيك إذا لم تسمح لك برؤية محمود معروف؟.
رحمك الله صديقي، وجعل مثواك الجنة. سنفتقدك كثيرا”.
> وقال الكاتب والمؤرخ المعطي منجب في تدوينة على حسابه على الفايسبوك: “صديقي الفلسطيني الأقرب محمود معروف مات هذا اليوم. يا لهول الصدمة، لحد الآن لا أصدق. توفي دون سابق إنذار كان بصحة جيدة. أزمة قلبية خانقة. تماما كما وقع لصديقنا الفلسطيني المشترك واصف منصور منذ سنوات قليلة. فلسطين والمغرب فقدا في محمود رجلا صامدا طيبا ملتزما بقضايا شعبه الفلسطيني وبقضايا المجتمع المغربي في الديمقراطية وخصوصا تعدد الرأي بالصحافة. كان يتعرض لضغوط دائمة ليجعل من صفحات القدس العربي المخصصة للمغرب بوقا للرأي الرسمي الوحيد ولكن رغم هشاشة وضعه بالمغرب كان يختار أحسن الصحفيين ومن كل اتجاهات الرأي بما فيها المنتقدة للسلطة ليتيح لهم الكتابة بحرية ومهنية على صفحات الجريدة التي شارك في تأسيسها سنة 1989. تعرض عدة مرات لتشهير خطير من لدن المواقع والجرائد ذاتها لما طلب مني مثلا أن أساهم منذ سنة 2017 بمقال رأي نصف شهري على صفحات القدس العربي، بل ناداه بالهاتف موظفون من الداخلية عدة مرات ليضع حدا لمساهماتي المتواضعة خصوصا خلال شهر مارس 2018 حول اعتقال الصحفي توفيق بوعشرين ثم ليُتصل به من جديد لما نشرتُ مقالا عنوانه : “الأمن المغربي يخبط خبط عشواء” حول قضيتي هاجر الريسوني وعمر الراضي الأولى في شهر يناير 2020. رفض كل الإغراءات المادية من النظام وعانى الويلات أحيانا مع صحافة القذف والدناءة شبه الرسمية بل ومن ضغوط السلطة المباشرة بما فيها اعتقال قصير على عهد ادريس البصري… ومات صامدا رافعا رأسه وعلم بلاده المغتصبة ومحبا للمغرب والمغاربة..”..
***
نبيل بنعبد الله يعزي في رحيل الصحافي محمود معروف
ببالغ الحزن والأسى العميقين تلقيت نبأ وفاة المشمول برحمة الله المرحوم محمود معروف، مدير مكتب جريدة القدس العربي بالمغرب على إثر أزمة قلبية مفاجئة تغمده الله بواسع رحمته.
وبهذه المناسبة الأليمة التي ألمت بنا في فقداننا لأحد أعمدة الصحافة العربية والوطنية، والذي يعتبر من رجال الإعلام المعروف بنبله وعلاقاته الطيبة مع الجميع بفضل حنكته المهنية، وقدرته على التفاعل مع الأحداث ودفاعه المستميت على القضية الفلسطينية، أتقدم، أصالة عن نفسي ونيابة عن أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية ومناضلات ومناضلي الحزب، بأصدق عبارات التعازي والمواساة في هذا المصاب الجلل، سائلين المولى عز وجل بأن يتقبل الفقيد قبولا حسنا ويكرم مثواه وأن يلهم ذويه جميل الصبر وحسن العزاء.
إنا لله وإنا إليه راجعون
محمد نبيل بنعبدالله
الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية
***
أفيق على أن الحياة ما هي إلا قصة “موت معلن..”
>عبد الرحيم التوراني
لمن يعنيه الأمر أقول عذرا،
ولمن يتفهم لي منه العزاء..
صار كل يوم يمضي يجتاح صفحتي نعي جديد،
ما الحيلة والأحباب والأصدقاء يرحلون تباعا..
يتركون في القلب جرحا غائرا لا يندمل،
وفي الذاكرة صورتهم الموشومة بالألم.
كلما رحل عزيز أحس بضياع جزء مني،
هي جدولة الموت.. يقسط النهايات على دفعات، كما قال جبران خليل جبران:
“كلَما رحل صديق مات جزء منا، وكلما غادرنا حبيب مات جزء، وكلما قُتل حلم من أحلامنا مات جزء، فيأتي الموت الأكبر ليجد كل الأجزاء ميتة، فيحملها ويرحل”.
رحيل صديقي العزيز الصحفي الفلسطيني المغربي محمود معروف اليوم كان له وقع طعنة الغدر والفقدان الأليم.
قبيل أيام فقط تبادلنا العزاء في رحيل صديقتنا الفنانة ثريا جبران، التي وصفها محمود بـ “مستودع أسراره”.
علاقتي بـ “أبو رشا” تعود إلى نهاية السبعينيات أو مستهل الثمانينيات. لما وصل أول مرة إلى المغرب. صادفته أمام باب جريدة “المحرر” في زنقة الأمير عبد القادر، كان لديه ذلك الصباح البعيد موعد مع رئيس التحرير المرحوم مصطفى القرشاوي. وكان معه صديقنا الكاتب والأستاذ الجامعي الميلودي شغموم الذي أوصله بسيارته الصغيرة.
جاء محمود من بغداد إلى الدار البيضاء ومعه توصية من صديق مشترك، فالتقى بالكاتب شغموم، الذي استقبله واستضافه أياما في بيته.
وامتدت الصداقة بيننا بلا انقطاع وتوطدت أكثر. وإن لم نعد نلتقي كما كنا في السابق، إلا في مناسبات متفرقة.
لكن في الأعوام الأخيرة صار الموت هو من يجمعنا،
صرنا نلتقي في الجنازات ومجالس العزاء.
ولما رحل صديقنا مصطفى اليزناسني في نوفمبر الماضي، كان محمود في الأرض المحتلة، فاتصل بي معزيا طالبا تبليغ عزائه لعائلة الفقيد اليزناسني.
ظل محمود يتواصل معي مبديا ملاحظاته وآراءه في كتاباتي وفي المذكرات التي أنشر أجزاء منها على الفيسبوك. يعلق عليها ويناقش ويصحح بعض التواريخ والأحداث، ملحا على ضرورة نشرها في كتاب.
كتب لي في آخر مرة على الميسنجر:
“أنتظر عودتك إلى المغرب لنشتغل على موضوع نشرها، هي ذاكرة نحتاج إليها”.
(…)
يفاجئني موت الأصدقاء والأحباب،
يذكرني بالطابور الطويل الذي نصطف به،
أفيق على أن الحياة ما هي إلا قصة “موت معلن”..
ولسنا سوى ورثة الموتى والموت..
لماذا نرغم على تعلم الاستئناس بالموت..
كيف نؤنسنه حتى لا يجفل من غفلتنا.. ونجفل من رهبته الغادرة.
وداعا صديقي محمود معروف وإلى اللقاء.
***
محمود معروف السينيفيلي
بقلم: أحمد سيجلماسي
نشر الصديق آيت عمر المختار فايسبوكيا مجموعة من الصور توثق لبعض الوجوه الفنية والثقافية والجمعوية والسينفيلية، التي شاركت في اللقاء الثاني للسينما الإفريقية بخريبكة من 3 إلى 10 شتنبر 1983، وهو اللقاء الذي ساهمت الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب (جواسم) في تأسيسه منذ دورته الأولى من 25 إلى 31 مارس 1977 تحت مسمى “الملتقى الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة”، والذي سيتطور فيما بعد ليصبح منتظما تحت اسمه الحالي “مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة” مشكلا بذلك أقدم مهرجان سينمائي دولي ينظم بالمغرب منذ أكثر من أربعين سنة.
ما استرعى انتباهي في صورتين من هذه الصور، حضور الصحافي الفلسطيني محمود معروف، المزداد سنة 1953 بمدينة عكا والمتوفى بالرباط صباح الخميس 3 شتنبر 2020 عن عمر ناهز 67 سنة حيث ووري جثمانه الثرى بمقبرة سيدي مسعود بحي الرياض، الذي قضى حوالي أربعين سنة على الأرض المغربية.
ومعلوم أن الراحل، منذ قدومه إلى المغرب سنة 1980 واستقراره بالرباط، وهو يواكب أهم الأحداث الثقافية والفنية والسياسية وغيرها التي شهدتها بلادنا. ولعل حضوره كصحافي لتغطية أنشطة هذه التظاهرة السينمائية الإفريقية في دورتها الثانية، التي شكلت قفزة نوعية مقارنة مع دورتها الأولى التأسيسية، خصوصا وأنها نظمت تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية، يدل على المكانة التي أصبحت تحظى بها الثقافة السينمائية بالمغرب من خلال أنشطة الجامعة الوطنية للأندية السينمائية برئاسة الأستاذ نور الدين الصايل ومدعميها من داخل المغرب وخارجه.
كانت تربط الراحل محمود معروف (1953- 2020) علاقة وطيدة بقطاع واسع من المثقفين والفنانين والإعلاميين والسياسيين المغاربة وعموم المناصرين للقضية الفلسطينية، وذلك من خلال عمله كمراسل وكاتب صحافي في مجموعة من المنابر الإعلامية العربية آخرها جريدة “القدس العربي”، التي أصبح مديرا لمكتبها بالرباط منذ لحظة تأسيسها سنة 1989 إلى لحظة وفاته، حيث فسح المجال لأقلام مغربية شابة وللعديد من المثقفين والصحافيين البارزين وغيرهم للنشر على صفحاتها ومواكبة أهم الأحداث الثقافية والفنية والسياسية وغيرها.
تتزامن الصورتان المذكورتان مع لحظة اشتغال الراحل محمود معروف كمراسل صحافي من المغرب بوكالة “القدس بريس” من 1980 إلى 1984، وهي الوكالة التي كان يملكها الشهيد حنا مقبل أحد مؤسسي الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين، وتظهران اهتمامه بالسينما وثقافتها من خلال مجموعة من النصوص التي نشرها أو التظاهرات السينمائية التي حضرها وقام بتغطيتها إعلاميا.
لقد كان رحمه الله دائما في الصفوف الأمامية لأنشطة ووقفات التضامن، التي لها علاقة بالقضية الفلسطينية، فكان خير سفير ثقافي وإعلامي بين المغرب وفلسطين.
ومما يحسب للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب أنها نظمت منذ ماي 1983 العديد من أسابيع الفيلم الفلسطيني بمدن مغربية مختلفة كالرباط والدار البيضاء وفاس والقنيطرة ومكناس وطنجة وتطوان ومراكش وأكادير وآسفي، بشراكة مع منظمة التحرير الفلسطينية وبتعاون مثمر مع منسقة البرمجة ليلى شهيد والمسؤول الثقافي الراحل واصف منصور.