نْجيكم من الآخَرْ، قبل خمس سنوات كنتُ في مقالة كتبتُها نيابة عن المواطنين البسطاء والفلاحين بمدينة سطات والذين باتوا يعتقدون أنفسهم أنهم يقضون عقوبة في هذه المدينة بعدما سلط الله عليها عفاريت لا ترحم.
كنتُ كتبتُ مقالة وضمنها رغبة هؤلاء البسطاء في توجيه رسالة إلى جلالة الملك لزيارة المدينة، باعتبارها مدينة أحبها السلطان مولاي إسماعيل ووضع حجرها الأساس بقصبتها الشهيرة لكونه يعرف تاريخها القديم وموقعها ورجالاتها، فاختار أن يخرجها من الصمت والخفاء إلى الوجود. يلتمسون الزيارة لإيقاف مسلسل قتل المدينة وضواحيها ومسلسلات الفساد والظلم الذي يعانيه هؤلاء مع أبسط حق في واحدة من الإدارات التي تحولت إلى إقطاعيات وضيعات تقضي حاجات النافذين و”المافيات” والذين يفهمون أسرار قضاء الحاجات في خمس دقائق بدون وسيط.
موظفون معلومون بما يفعلون، وهو حديث الكثرة، ولعلهم في حاجة لمن يجمع أخبارهم في كتاب أسود يكون دليلا على الفساد وإهمال شؤون المواطنين، وقتل مدينة بأهلها مع سبق الإصرار والإمعان فيه.
هناك ألف سبب وسبب لكي يتم الضرب بقوة وبلا رحمة على الأيادي القذرة والعقول المتحجرة في مدينة لا تستحق كل هذا. وبالمقابل هناك قلة قليلة من الفضلاء في الإدارات ممن يستحقون التنويه والاحترام.
سأروي حكاية واحدة من آلاف الحكايات التي تتوالد يوميا، حكاية السيد عياد الزطاطي الذي وضع طلبا للتزود بالكهرباء في البادية، بمنطقة تسمى أولاد لكبير بالعراعير عين نزّاغ تامدروست المزامزة الجنوبية، وكان ذلك في العاشر من سبتمبر من السنة الماضية، مؤديا رسوم الدراسة، وفي الثامن عشر من نفس الشهر توصل برسالة من السيدة نسرين الناصري عن المكتب تطلب منه ربط الاتصال بالمكلفين داخل الإدارة، وقد كانت الرسالة مشجعة.. لكن الواقع أن التواصل مع المعني بالأمر شبه مستحيل وفيه الكثير من الإهمال وعدم المهنية وعدم الاحترام، ولم يخرج للمعاينة إلا بالمزاوكة والطلبات وطول انتظار. وبعد ذلك “شاخ الزمن ونسيَ نفسه”، وقيل لصاحبي، عليك أن تفهم، فأنتَ لا تفهم، وقيل له عليك بوسيط نافذ يأتيك بالنور في يومه وساعته، وقيل له الكثير حتى أصبح عاجزا عن السؤال، بل إن هناك من خدعه لأمر ما فأوحى له أن يطلب ربطا من أربعة خيوط، وهم يعلمون أنه غير ممكن هناك، وظلوا يوهمونه أنهم في سبيل دراسته والتقرير في ذلك، والحقيقة أن الأمر كله كان خدعة على مواطن لا يفهم الآخرين.
عاد صاحبي بطلب جديد في ثالث عشر يناير من هذه السنة دون جدوى، ولم يثبت أن استجاب أي أحد أو كلف نفسه للنظر، رغم وجود موظفين نزهاء بتلك الإدارة لكن لا حول لهم ولا قوة مع وجود فئة لها رأي آخر وطرق غير الطرق الواضحة.
قلتُ لصاحبي قدّم شكواك، واطلب لجنة للفحص إن كانت هناك خروقات تتركك في الظلام ستة أشهر. فقال لي: سيجدون ألف مبرر للرد على هذا: بأن الكوفيد كان عائقا، وأن الملفات كثيرة، وأن عدد الموظفين قليل، وأن الأمطار كانت غزيرة، وأن الحكومة لم تحسم في تلك الساعة التي زاغت، وأن سكان المدينة أولى بالنور من أؤلائك البدو، وأن الشمس تكفيهم وليناموا مع الغروب.
لكل هذه الأسباب، فإن صاحبي اليوم هو والآلاف من العائلات من الفلاحين والعمال وكل البسطاء الذي لا يملكون إلا هوية يحتقرها من لا ضمير لهم أو عفة.. اليوم يجددون طلب زيارة ملكية ترفع عنهم كل الظلم والظلام وتحاسب الفاعلين حسابا بحجم جُرمهم… في المكتب الوطني للكهرباء وكل المكاتب والإدارات والمصالح بسطات والنواحي.
وأيضا، فإنه يقول للسيدة نسرين الناصري، بكل احترام، إنه وعلانية لم يعد يريد كهرباء المكتب الوطني بسطات الموصول بالذل والمهانة، ويكفي أن يأخذه وبسرعة قياسية، وبالطاقة الرباعية، من النافذين والمتنفذين ممن لا يملكون رخصة البناء أو السكن حتى، وسيكتفي صاحبكم بالنوم وقت غروب الشمس، والعيش بطريقة أجداده في الزمن الماضي ما دام هناك من لا يريد مغربا متقدما وحداثيا وابن عصره، ويريد مغربا متخلفا يجد الأعداء فيه فرصة للنيل منه.. مغرب فيه من يهدمون ويناقضون ما تؤسس له الدولة التي تدعو إلى كهربة العالم القروي.
يقول لكم: أنتم لا تملكون الكهرباء وإنما الظلم والظلام، لذلك لم تعد لي به حاجة، ولكنني أريد من المسؤولين محليا وجهويا ووطنيا افتحاص الملفات وكل الخبايا التي تخفي الكوارث التي تساهم في عطبنا.
< بقلم: شعيب حليفي