على الرغم من أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي لا تزال حديثة العهد نسبيًا بالقياس إلى التقنيات الأخرى المستخدمة لإنتاج وتوزيع وتخزين الطاقة، إلا أنها مهيأة وبقوة لإحداث ثورة في طريقة إنتاجنا للطاقة ونقلها واستهلاكها، وفي الوقت نفسه، يعمل الذكاء الاصطناعي أيضًا على الحد من التأثير البيئي للصناعة في وقت يتزايد فيه الطلب باطراد، ونشهد تداعيات استهلاك الوقود الأحفوري على التنوع البيولوجي وجودة الهواء ونوعية الحياة.
يستخدم الذكاء الاصطناعي في مجال الطاقة بشكل متزايد، لإدارة الطاقة المتجددة حيث يمكن دمج المزيد منها في الشبكة العامة، والتعامل مع تقلبات الطاقة وتحسين تخزينها أيضا، إذ يعد قطاع الطاقة المتجددة قوة اقتصادية متنامية واستراتيجية فعالة لتحسين الاستدامة البيئية.
كما يراقب الذكاء الاصطناعي ويجمع المعلومات ويتحكم ويقيم ويدير استهلاك الطاقة في المباني والمصانع، يتحكم الذكاء الاصطناعي أيضا في استخدام الطاقة ويقللها خلال ساعات الذروة، ويحدد المشكلات ويشير إليها، ويكشف أعطال المعدات قبل حدوثها.
الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالطاقة
تمثل الطبيعة المتغيرة للطقس تحديات متأصلة قد تجعل المستثمرين يعتمدون على مصادر الطاقة التقليدية لتلبية طلبات المستهلكين، ويعتبر التحدي الأكبر والمستمر مع مصادر الطاقة المتجددة هو عدم موثوقيتها، كونها تعتمد بشكل أساسي على الطقس لتحديد قوتها وفاعليتها.
وغالبا ما يؤدي الطقس غير المتوقع إلى زعزعة استقرار إمدادات الطاقة المتولدة من مصادر الطاقة المعتمدة على الطقس مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، يؤدي هذا إلى الضغط على قطاع الطاقة المتجددة لتحقيق التوازن الفعال بين العرض والطلب.
وفي ولاية كولورادو الأمريكية، تستخدم شركة “Xcel Energy” الذكاء الاصطناعي في محاولة لمواجهة هذه التحديات، إذ تمكنت الشركة من خلال التنقيب عن البيانات الجديدة التابعة للمركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي، من الوصول إلى تقارير الطقس بأعلى مستوى من الدقة والتفاصيل.
يقوم نظام الذكاء الاصطناعي بالتنقيب عن مجموعة من البيانات من تقارير الأقمار الصناعية المحلية ومحطات الطقس وكذلك مزارع الرياح في المنطقة المحيطة، ثم يتم تدريب الخوارزميات التي تقود النظام لتحديد الأنماط ضمن مجموعات البيانات هذه وإجراء التنبؤات بناءً عليها.
ومع تجميع الشبكات للطاقة الآن من مصادر مختلفة، بما في ذلك الرياح والطاقة الشمسية والكهرباء، أصبح تشغيل هذه الأنظمة أكثر تعقيدًا. يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على تحليل مجموعات البيانات الضخمة لتحقيق الاستقرار والكفاءة لمصادر المعلومات الجديدة هذه.
يستخدم الذكاء الاصطناعي في تحسين استقرار الشبكات من خلال برمجتها مع البيانات السابقة حول تقلبات الطاقة ونقاط الضعف على الشبكة، ستكون “الشبكة الذاتية” الجديدة قادرة على الاستجابة بشكل أكثر سلاسة للأحداث الكبرى بمفردها.
الذكاء الاصطناعي لكفاءة
استهلاك الطاقة
تساعد الأجهزة الذكية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي على تحسين استهلاك الطاقة في المباني، والتي تقيس وتتوقع وتتحكم في أنظمة التدفئة والتبريد بناءً على الحاجة الفعلية.
على سبيل المثال، يحقق مستشفى سانت فنسنت في الولايات المتحدة 20 بالمائة من توفير الطاقة من خلال تطبيق نظام للتحكم في الطاقة لأنظمة التدفئة وتكييف الهواء.
أما شركة “ديب مايند” (DeepMind)، والتي تأسست في لندن عام 2010 واستحوذت عليها شركة “جوجل” فيما بعد، فقد نجحت في تخفيض كمية الطاقة المطلوبة لتبريد مراكز بيانات جوجل بنسبة 40 بالمائة.
تقول “جوجل” أنه تم جمع البيانات من آلاف أجهزة الاستشعار الموجودة في مراكز البيانات، وتضمنت المعلومات التي تم جمعها درجة الحرارة واستهلاك الطاقة.
واستخدمت “جوجل” التعلم الآلي للمساعدة في التنبؤ بالوقت الفعلي الذي يرجح أن يشاهد المستخدمون فيه مقاطع فيديو يوتيوب التي تستهلك كمية كبيرة من البيانات، حيث يمكن بناء على ذلك تحسين التبريد المطلوب، وبالتالي فقد خفضت الشركة استهلاك الطاقة بنسبة كبيرة.
وفي مجال طاقة الرياح يستخدم الذكاء الاصطناعي للحصول على بيانات كل مروحة بشكل مستقل، وذلك لإنتاج المزيد من الكهرباء، من خلال دمج بيانات الطقس في الوقت الفعلي في مزارع الرياح الكبيرة، كما يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز كفاءة عمل المراوح والطاقة المتولدة منها من خلال تحديد سرعة واتجاه الرياح لكل مروحة وضبطها وفقًا لذلك.
يمكن للذكاء الاصطناعي أيضا تحسين كفاءة الطاقة على نطاق المدينة من خلال دمج البيانات التي يتم تلقيها من العدادات الذكية وإنترنت الأشياء، للتنبؤ بالطلب على الطاقة. تتمثل إحدى رؤى المدن المستدامة في إنشاء نظام معلومات يتكون من بيانات تم جمعها في الوقت الفعلي حول استخدام الطاقة والمياه وتوفرها وحركة المرور والطقس لجعل المدن أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وصالحة للعيش بشكل أفضل.
وتستخدم الصين مشروع “جرين هاوس” من شركة (IBM) وهو نظام ذكاء اصطناعي يساعد المدن على التخطيط لموجات الحر في المستقبل، على سبيل المثال يمكن للتعلم الآلي تحديد أفضل أماكن زراعة الأشجار للحصول على غطاء شجري مثالي وتقليل حرارة الصيف وبالتالي تخفيض استهلاك الطاقة اللازمة للتكييف.
الذكاء الاصطناعي وصناعة الطاقة
يساعد الذكاء الاصطناعي في جعل صناعة الطاقة أكثر كفاءة وأمانا من خلال تحليل أحجام البيانات وتقييمها.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي تحقيق الاستقرار في شبكة الطاقة، على سبيل المثال، من خلال اكتشاف الانحرافات في التوليد أو الاستهلاك أو النقل في الوقت الفعلي تقريبًا، ثم تطوير حلول مناسبة.
علاوة على ذلك، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تنسيق أعمال الصيانة وتحديد الأوقات المثلى لصيانة الشبكات أو الأنظمة الفردية، وهذا يساعد في تقليل التكاليف وخسارة الأرباح بالإضافة إلى تقليل الاضطرابات في تشغيل الشبكة.
يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي كذلك في مراقبة المعدات واكتشاف الأعطال قبل حدوثها، وبالتالي توفير المال والوقت والأرواح.
يساعد الذكاء الاصطناعي العلماء أيضا على تصنيع مواد ذات فعالية وقدرة أكبر في إنتاج وتخزين الطاقة، حيث يمكن استخدام تقنيات التعلم الآلي في اكتشاف مركبات كيميائية جديدة تلبي احتياجات الصناعة الجديدة.
هل هناك مخاوف بشأن مستقبل الطاقة الذكية؟
تتميز شبكات الطاقة الذكية باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل أساسي، والتي تعتمد على الإنترنت بالإضافة إلى قوة الحوسبة والمعالجة للتشغيل.
وقد أصبحت هذه الصناعة مساهما كبيرا في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في السنوات الأخيرة حيث تحولت كثير من الشركات إلى الأعمال التي تديرها الآلة، وزاد استخدام الإنترنت بنسبة 30-40 بالمائة سنويا.
ولمعالجة كمية البيانات اللازمة لتشغيل الشبكة الذكية، ستكون هناك حاجة إلى أجهزة إضافية وقوة حوسبة كبيرة، ومن المؤكد أن تأثير استهلاك الطاقة على البيئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الأخرى سيزداد، لذلك، سيحتاج المستثمرون في صناعة شبكات الطاقة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي إلى معالجة هذه المشكلة.
لحسن الحظ، يدرك قادة الصناعة هذا التحدي ويتخذون بالفعل خطوات في الاتجاه الصحيح، إذ تتطلع القطاعات الثلاثة الرائدة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في هذه الصناعة، وهي شركات تصنيع أجهزة الكمبيوتر، ومراكز البيانات، وتكنولوجيا الاتصالات، إلى تقليل الانبعاثات بعدة طرق. على سبيل المثال: يستثمر صانعو الكمبيوتر في محركات أقراص صلبة وشاشات موفرة للطاقة، وخلايا طاقة جديدة ذات كفاءة أعلى؛ كما تقوم مراكز البيانات بمراقبة درجات الحرارة وتجميع المعلومات والبحث في الحوسبة السحابية؛ أما شركات الاتصالات فتبحث في تحسين حزم الشبكة والمحطات القاعدية التي تعمل بالطاقة الشمسية والألياف البصرية لتكون أكثر صداقةً مع البيئة.
إذا كنا نتطلع إلى رسم مستقبل جديد للمجتمع، فإن الربط بين الذكاء الاصطناعي والطاقة يعد الخطوة الأولى لبداية ناجحة، إذ يغير الابتكار التكنولوجي بشكل جذري الطريقة التي نفكر بها في هاتين الصناعتين، وقد يغير تعاونهما العالم كما لم نكن نعرفه من قبل.
< زاهر هاشم (*)
(*) صحفي مختص بقضايا البيئة رئيس تحرير مجلة أخبار البيئة