لا يمكن بحسب القاموس المغربي المتداول بغير حنكة (تامغربييت)، عوضا عن مفهوم الوطنية بجميع مرادفاتها الممكنة، إلا أن تؤدي إلى اختزال ذلك المصطلح إلى شيء “فكري مفرط” وإلى شيء “منفصل” جدا عن الآلية المجتمعية، هي تؤسس لا محالة لأحكام شبه سحرية، تفرض تصنيفا للأشياء يقترب من حدود العزلة، هناك حالات وجدانية مغربية تُولّد الأوهام، وهي حالات فردية من حسن الحظ.
ومع ذلك، لا تُولّد الحالات الوجدانية بذاتها أصناف الفكر، ولا تأخذ شكلا ومعنى من دون عمل الفكر (في القضايا ذات الأولوية ضمن مفهوم الوطنية الخاتر)، غير أن قسما من هذا المعنى يدفع المغاربة إلى الانقسام والازدواج وإلى تخيل أنهم، في آن معا أضعف وأقوى مما هم عليه، وإلى الوجود بصيغة الغياب (وهو الحاصل الآن)، في أغراض طقوسهم خاضعين (بمعنى أو آخر) لقوى تستوطن الكون ومتمتّعين في الوقت ذاته بجزء من هذه القوى.
المراد مما سبق، يشكل كل ما يُستبعد فكريا من العلاقات الواقعية التي تقوم فيما بين المغاربة (نتحدث عن مصطلح “تمغربييت” عوضا عن الوطنية المغربية المُنفتحة) ضرورة أكثر من فكرية، أي ضرورة استبعاد الكَيان الخيالي للإنسان المغربي، أي استبعاد نواة كيانه الاجتماعي الخيالي، الذي هو مضمون هواميّ لوقائع خيالية أصبحت للأسف واقعا اجتماعيا، يتمم عالما عديم الشفافية أمام ذاته..
وبطبيعة الحال، لا يوجد هذا الواقع ولا يُتولد من مصادفات التاريخ (كما يقع في مصر “أم الدنيا؟”) بل من طبيعة العلاقات الاجتماعية وتصورها المُبَنيِن لحركة التقدم، وفي أشياء حاضرة لا يمكن البت فيها في غياب التصور الواعي لـ “الوطنية المغربية”..
ليس ما ذكرناه، يعني عملية لتغييب شرط من شروط تكوين الفرد المغربي، وإنما شرط الولادة هو ضرورة لإعادة إنتاج المجتمع الذي وُلد الفرد فيه، والعلاقات الاجتماعية المشتركة والعامة التي هي ركيزة وجوده الاجتماعي والتي على كل مغربي استبطانها وإعادة إنتاجها، إلى حد معين، أي كل ما يعني العلاقات الاجتماعية التي تُنظم بطريقة مشتركة حياة أفراد المجتمع المغربي، مهما كان جنسهم، لونهم أو ديانتهم. هو ذا أفق مشروع مغرب الغد، بعيدا عن أي نرجسية أنانية، فقط وفقط، ضمن الثوابث الوطنية.
< بقلم: عبد الله راكز