تتجدد خلال الأيام التي تسبق عيد الأضحى حركية السفر بين مدن وأقاليم المملكة لتجلب معها جدل الاكتظاظ والفوضى التي تشهدها هذه المحطات، بسبب الإقبال الكبير على الرحلات مقابل الارتفاع الصاروخي لأسعار التذاكر.
واعتادت العديد من الأسر خلال عيد الأضحى على السفر لقضاء العيد في جو عائلي، خاصة بعض الموظفين والمستخدمين والعمال القاطنين داخل المدن الكبرى بعيدا عن مسقط رأسهم، لا يملكون إلا هذه الفترة من السنة للحصول على إجازة سنوية، زيادة على أن المناسبة هذه السنة تتزامن مع انتهاء الموسم الدراسي وانطلاق العطلة الصيفية، إضافة إلى التحاق الجالية المغربية بأرض الوطن، ناهيك عن أصحاب المهن الحرة الذين يبرمجون عطلهم السنوية في هذا الموعد.
ورغم أن هذا الجدل أصبح يرافق كل مناسبة، إلا أنه، خلال هذا العام، كان له وقع أكبر بسبب الارتفاع الكبير للأسعار الذي أنهك جيوب المواطنين على مدار السنة، قبل أن يزداد حدة مع الارتفاع غير المسبوق لأسعار أضاحي العيد، الشيء الذي أغضب عددا من المسافرين.
«الشناقة» يستغلون إغلاق الشبابيك
وخلال تواجدها في المحطة الطرقية «ولاد زيان» بالدار البيضاء، عاينت «بيان اليوم» عددا كبيرا من المسافرين داخل المحطة وبالقرب من الحافلات تحت أشعة الشمس الحارقة وموجة الحر بالمدينة، منهم من ينتظر انطلاق الحافلة ومنهم من يبحث عن تذكرة مفقودة نحو وجهته، بعد أن تم إغلاق أغلب الشبابيك التي تقوم ببيع التذاكر، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه «للسوق السوداء»،إذ استغل «الشناقة» المشرفون على بيع التذاكر خارج الشبابيك، الوضع، ليعيثوا فسادا في جيوب المواطنين الذين يوجدون في مسيس الحاجة للسفر.
وأكد احد المسافرين لجريدة «بيان اليوم» بالمحطة الطرقية «ولاد زيان»، أن الأثمنة تضاعفت بشكل كبير ومنها من شهد زيادة وصلت ٪150 بالنسبة لبعض الوجهات التي تعرف طلب كثيفا وإلى جانب ذلك، اشتكى من قلة الحافلات في عدد من الخطوط خاصة تلك المتجهة إلى مدن سوس ماسة و الجنوب، مشيرا إلى أنه اقتنى تذكرة السفر لمدينة طان طان بعد عناء كبير بـ570 درهما، فيما الثمن الذي عهد السفر به لبلدته هو فقط 410 درهما.
وعبر مجموعة من المسافرين عن استيائهم من عدم توفر رحلات نحو وجهاتهم ما جعل الكثير منهم ينتظر لساعات تحت حرارة الشمس التي تعرفها مدينة الدار البيضاء، ومنهم من قرر التراجع عن فكرة السفر خلال العيد، حيث أكد خالد مواطن يشتغل كنادل بإحدى المقاهي بالبيضاء أنه طلب إجازة من رب عمله كي يتفادى الاكتضاض المرتقب في اليومين ما قبل العيد إلا أنه تفاجئ مند ليلة الأحد، أن المحطة الطرقية تعرف عدد كبيرا من المسافرين وأنه لم يجد بعد فرصة لاقتناء تذكرة بثمن معقول نحو مدينة تيزنيت ضواحي أكادير، وأنه قد يتراجع عن قرار السفر.
وأوضحت إحدى الطالبات لجريدة بيان اليوم، أنها تفاجئت بزيادة 70 درهما عن الثمن العادي والتي اعتادت اقتناء التذكرة به، وأنه وجب وضع أثمنة محددة لكل رحلة دون أن يقع التلاعب بها، مثلما توفره مواقع بيع التذاكر عبر الانترنيت، وأنه وجب العمل بها بدل ترك شركات الحافلات تتحكم في الثمن كما تريد، واستفادة السوق السوداء من الطلب الكبير على الرحلات، مضيفة أن هذه الطريقة ينبغي أن تلزم بها الوزارة جميع الشركات وأن تكون الأثمنة محددة.
وأضافت أن بعض المواطنين يساهمون في ترسيخ هذه الممارسات، بإقبالهم على حجز تذاكر السفر في آخر اللحظات بغض النظر عن ثمنها المرتفع، إذ اعتبرت ذلك تشجيعا لهذه الممارسات.
وتراوحت أثمنة الرحلات بين 50 و 100 درهما نحو المدن و الاقاليم القريبة من الدار البيضاء، أما الرحلات المتوسطة بين 200 و300 درهم فيما الرحلات البعيدة فقد تجاوزت ال300 بحسب الوجهة.
طلب يفوق العرض من الحافلات
وأكد أحد السائقين المهنيين أن جدل الأسعار يتكرر كل سنة خلال هذه الفترة وان الطلب يفوق بكثير عدد الرحلات الموفرة وهذا ما يجعل الأثمنة تتزايد بشكل عشوائي وغير مضبوط، خصوصا بالنسبة للرحلات الطويلة والمتوسطة، مشيرا إلى أن هذه السنة تعرف المحطة مسافرين أقل من السنوات الماضية. وعزى الارتفاع المهول لأثمنة بعض الرحلات الطويلة و المتوسطة إلى أن الشركات وأصحاب الحافلات سيتضررون بدورهم في الرحلات البعيدة وقال « الكار كي مشي عامر ولكن كي رجع خاوي»، وأضاف أنه أثناء العودة لا يكون هناك مسافرين وبالتالي نقوم برفع التسعيرة لكي نقوم بنوع من التوازن، فمثلا من يريد الصفر للداخلة والنواحي يؤدي ثمن الذهاب والإياب بشكل غير مباشر.
وفي هذا الصدد كان وزير النقل واللوجستيك، محمد عبد الجليل قد قال في معرض جوابه عن سؤال خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، حول «زيادات غير مبررة في تسعيرة تذاكر النقل البري بين المدن»، إن مناسبة عيد الأضحى وعلى غرار المناسبات الدينية وفترات العطل يكون الإقبال مكثفا واستثنائيا على وسائل النقل العمومي للمسافرين، وهو ما يستوجب توفير وسائل نقل إضافية لتلبية الحاجيات الاستثنائية من التنقل.
وأشار الوزير إلى أن الوزارة منحت خلال عيد الأضحى سنة 2022 ما مجموعه 2512 رخصة استثنائية إضافية لنقل المسافرين، ولأجل ذلك وفي إطار المقاربة الاستباقية، تقوم الوزارة بتوجيه دورية إلى مصالحها الجهوية والإقليمية للتذكير بالتوجيهات الخاصة بهذه العملية. وأوضح أن أسعار النقل العمومي للمسافرين أسعار «مسقفة وليست محددة»، وذلك منذ سنة مند 1996، لافتا إلى أنه عندما ينخفض الطلب على النقل العمومي يلاحظ انخفاض في الأسعار يمكن أن يصل إلى حوالي 50 في المائة مقارنة مع السقف المحدد من طرف الدولة. أما خلال الفترات العادية وعند الذروة، يتابع الوزير، ترتفع الأسعار من جديد على ألا تتجاوز التسعيرة القصوى المحددة بقرار لوزير النقل الذي يعود لسنة 1996 والتي لم تعرف أي ارتفاع بعد مرور 17 سنة. وبخصوص الرحلات الاستثنائية المنجزة خلال الأعياد، أضاف المسؤول الحكومي أنه يُخوَّل لشركة النقل الرفع بنسبة 20 في المائة من التعريفة القصوى لتلك الرحلات الاستثنائية بهدف تشجيعها على توفير خدمات نقلية إضافية وتغطية مصاريف الرجوع الفارغ. ومن جهة أخرى، كما نبّه إلى أنه يتم خلال فترات الأعياد تكثيف مراقبة أسعار التذاكر من طرف اللجان المحدثة لهذه الغاية على مستوى العاملات والأقاليم، مبرزا في هذا الإطار أنه تم خلال عيد الأضحى للسنة الماضية تحرير 21 مخالفة بمحطة الدار البيضاء.
منصات رقمية لتفادي غلاء التذاكر…
ومن جهة أخرى يرى العديد من المواطنين أن اقتناء التذكرة من مواقع الخاصة ببيعها عبر الانترنيت، أمر أسهل وأقل تكلفة اد أكد عدد منهم أن منصات كمنصة «MarKoub.ma» تسهل عليهم عناء اقتناء التذاكر.
وتعد منصة «MarKoub.ma» فاعلا رائدا في مجال التحول الرقمي لصناعة النقل في المغرب، من خلال تقديم حلول تكنولوجية مبتكرة، مع العمل على تحسين تجربة المسافرين وشركائها، ودعمهم في إنشاء أنظمة حجز رقمية وفعالة»، حيث كانت المنصة قد أعلنت مطلع الشهر الحالي عن إطلاق خدمة مبتكرة لحجز تذاكر السفر عبر الحافلات من محلات البقالة «الحانوت».
وذكرت المنصة، في بلاغ سابق لها، أنها «أطلقت خدمة جديدة تعتمد على مبدأ القرب من الزبناء، من خلال إمكانية شراء تذاكر السفر بشكل مباشر من داخل محلات البقالة (الحانوت)»، موضحة أن «الهدف من ذلك هو تسهيل عملية الحصول على التذاكر بطريقة ميسرة وبسيطة، وأن تكون الخدمة في متناول الجميع».
وبحسب المصدر ذاته، فقد «نجحت منصة حجز تذاكر الحافلات عبر الإنترنت، التي تتيح لزبنائها إمكانية مقارنة العروض المقدمة من لدن أكثر من 50 شركة متخصصة في نقل الركاب عبر المملكة، من جذب انتباه أكثر من 6 ملايين مستخدم، وهو عدد يستمر في الزيادة بشكل متواصل، ما يعكس رضى المواطنين عن الخدمات المقدمة».
مشاركة السيارات الخاصة… خدمة بديلة
وفي ظل هذا الجدل الكبير والمتكرر تشهد بعض المواصلات البديلة اقبال أكبر من طرف المواطنين خصوصا بعد أن ارتفع عدد المغاربة المستخدمين للإنترنت عبر الهاتف المحمول، حيث تسير خدمة مشاركة السيارات الخاصة بخطى متسارعة لترسيخ مكانتها بين المواطنين وتتسارع معها وتيرة اعتمادها كبديل للتنقل في المستقبل القريب.
في حوار سابق خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، أوضح نزار برداي، الشريك المؤسس للشركة الناشئة «وصلني معاك» (WsselniMaak) المتخصصة في تشارك السيارات ولشركة «وي ماتش ديجيتال» (WeMash Digital) التي تقدم خدمات الاتصال الرقمي، بأن «هذا السوق يتطور اليوم على نحو مطرد، حيث تتسع المفاهيم المبتكرة الرامية إلى إضفاء طابع ديمقراطي على النقل بالمغرب».
وفي هذا الصدد، شدد على أهمية العمل على تنمية ثقافة مشاركة السيارات بالمغرب من أجل تطوير هذه السوق واستكشاف إمكاناتها الكامنة، والانتقال من مشاركة السيارات أثناء التنقل داخل المدينة إلى مشاركتها أثناء التنقل بين المدن، وذلك على الأقل للربط بين المدن الكبرى بالمغرب (مراكش والدار البيضاء والرباط وطنجة)، مشيرا إلى أن منصات تشارك السيارات تستقبل حاليا الكثير من الطلبات بهذا الخصوص، وأن «وصلني معاك» بدأت تنظر اليوم في فكرة تغيير محتمل لنمط عملها حتى تتمكن من توسيع نطاق الشريحة المستهدفة.
< إلياس ديلالي(صحافي متدرب)