Downsizing سخرية سوداء ضد القيم المزيفة

فشله في تحقيق مداخيل ضخمة على مستوى شباك التذاكر، لا ينتقص من قيمته كعمل سينمائي ذي مستوى جيد، جدير بالمشاهدة واستيعاب الرسائل التي يبعث بها، والتأمل في مشاهده العميقة، كفيلم فلسفي راقي، بعيد عن السوقية التي ميزت الكثير من الإنتاجات الفيلمية الأمريكية في العقود الأخيرة.

في هذا الحيز، سوف نتحدث عن فيلم جديد بدأ عرضه في القاعات مطلع هذه السنة، تحت عنوان”Downsizing”للمخرج ألكسندر باين ويشارك في بطولته عدد كبير من النجوم المتوجين بجوائز الأوسكار عن أعمال سابقة، أبرزهم مات ديمون، كريستين ويج، كريستوفر والتز، لورا ديرن، الفيلم خيالي من صنف الكوميديا الدرامية، مدته ساعتان وستة عشر دقيقة.

تدور أحداث “Downsizing” حول مستقبل تشح فيه الموارد الطبيعية على البشر، نتيجة الاستغلال العشوائي للثروات والانفجار الديمغرافي المفرط الذي يضع نمط الإنتاج الرأسمالي ومجتمعاته في مأزق حقيقي تعجز فيه عن الاستمرار في توفير حياة البذخ والتبذير لمواطنيها، وحيث يصبح العيش في هذه المجتمعات يتطلب مجهودا خرافيا، في هذا الزمن يبتكر العلم للخروج من هذا النفق المسدود حلا يتمثل في تقزيم البشر وتقليص طولهم حتى يصل إلى 13 سنتمترا، حتى ينعم الجميع بحياة لائقة  مساهمين في محاولة إنقاذ العالم من نسب التلوث التي تهدد بانقراض البشرية، وحيث يصبح الكل أثرياء بعد أن تتقلص النفقات في عالم جديد يقطنه نوع من البشر صغيري الحجم، لكن الأمر ليس باليسر الذي يعتقدون إذ سرعان ما ينقسمون إلى طبقتين، أثرياء ومسحوقين.

البطل “بول سافرينك”  “مات ديمون” يقرر وزوجته الانخراط في التجربة، فيبيعان كلما يملكان، ويجمعان ثروة ستمكنهما من العيش بطريقة أفضل بحجمهما الجديد، حيث سيمكنهم دولار واحد الحصول على ما تقدر قيمته بألف دولار.

تجربة تقليص البشر التي يقترحها الدكتور “يورغن اسيبوريسن” واجهت في البداية موجة من الرفض والاستنكار، لكن تم قبولها في ما بعد من طرف الكثيرين مجبرين، باعتبار هذه التجربة حلا أخيرا لمعاناتهم، وإيمانا بوهم الحصول على حياة سعيدة بأقل التكاليف، رفقة أشخاص من كل الأعراق بمن فيهم العرب، اختاروا أو ربما أُجبروا على خوض التجربة التي صارت أداة في أيدي بعض الأنظمة لتقليص حجم معارضيها وخصومها السياسيين.

بصدد هذا الفيلم يشعر المتفرج بسخرية سوداء عميقة وإنذار توجهه أحداثه للنمط الاجتماعي المبني على الاستهلاك والتمييز المفرطين وباعتباره أيضا كمجموعة من القيم الفاسدة والزائفة التي تسود على حساب القيم الإنسانية الحقيقية والعليا، فيلم يوجه نقدا إستباقيا ضد الحملة التخريبية التي يشهدها العالم اليوم، تجاه الطبيعة وتجاه الإنسان على السواء.

 > بقلم سعيد الحبشي

Related posts

Top