في إطار الاحتفال باليوم العالمي لحقوق المرأة، الذي يصادف 8 مارس من كل سنة، تواصل الجمعيات النسائية والحقوقية حملتها المطالبة بتحقيق المساواة الفعلية بين الجنسين، معبرة عن مطالبها الملحة لتصحيح المسار التشريعي وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية للنساء. ومع مرور ثلاثين عاما على إعلان منهاج عمل بيجين، تتواصل الانتقادات للمسار الذي سلكته السياسات العمومية في بلادنا فيما يخص حقوق النساء، حيث تزامن هذا اليوم مع صدور بيانات من عدة جمعيات كشفت عن تعثر العديد من المشاريع القانونية الهامة التي كان من المفترض أن تسهم في حماية حقوق النساء وتحقيق المساواة.
وطالبت الجمعيات بإصلاحات تشريعية جذرية تضمن حماية حقوق النساء ومشاركتهن في المجتمع تواكب التحولات المجتمعية. ودعت الجمعيات الحكومة إلى جعل سياساتها المستقبلية أكثر شمولية واستجابة لاحتياجات النساء في جميع المجالات، سواء على مستوى التشريع أو على مستوى الخدمات الاجتماعية والصحية. وعلى رأس المطالب، ضرورة تسريع الإصلاحات المتعلقة بالقوانين الجنائية والإجراءات القضائية لتوفير ضمانات المحاكمة العادلة، وأيضا التصدي للعنف الرقمي ضد النساء الذي بات يشكل تهديدا حقيقيا للحقوق الشخصية.
الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب
طالبت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب بإجراء إصلاحات تشريعية جادة، مشيرة إلى الجمود التشريعي الذي يعيق العديد من القوانين الهامة مثل القانون الجنائي وقانون الشغل، بالإضافة إلى قانون مكافحة العنف ضد النساء. وأضافت الجمعية أن غياب الآليات الفعالة للقضاء على التمييز ضد النساء، مثل هيئة المناصفة، يعكس التراخي الحكومي في تعزيز المساواة بين الجنسين. كما أكدت على ضرورة تفعيل الاستراتيجيات الخاصة بالنهوض بحقوق النساء التي ظلت حبيسة الأدراج منذ سنوات، محذرة من تبني مقاربة توافقية لا تواكب تطلعات الحركة النسائية في المغرب.
كما دعت الجمعية إلى تفعيل التزامات المغرب تجاه حقوق النساء على المستوى الأممي، وخاصة تلك المتعلقة بإعلان ومنهاج عمل بيجين وأهداف التنمية المستدامة، مؤكدة على أن تمكين النساء والمساواة بينهن هو أساس تحقيق التنمية المستدامة في المغرب.وأكدت الجمعية على ضرورة إعادة النظر في مدونة الأسرة، محذرة من أن المراجعة المحدودة التي تم إقرارها في الفترة الأخيرة لم تكن كافية لمواكبة التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها الأسر المغربية.
وطالبت بإعادة النظر في المنطلقات والخلفيات التي جعلت هذه المراجعة تتم ضمن إطار محدود لا يتعدى عموما تعديلات بسيطة لا ترقى إلى مستوى التحولات، ولا تنسجم مع الديناميات الديمقراطية المعلنة والخطاب المتعلق بحقوق الإنسان، ولا تستجيب لمطالب الحركة النسائية.
ودعت الجمعية للحذر من منطق التوافق المحافظ على حساب الحقوق الإنسانية للنساء وعلى حساب التنمية، والذي يعرقل السير نحو تطوير تشريع يلائم طبيعة العلاقات الجديدة داخل الأسر، ويتشبث بـ”الوضع الراهن” بدلا من تمكين المغربيات والمغاربة، وخاصة الأجيال الصاعدة، من “استشراف مستقبل أكثر عدالة ومساواة”.
جمعية التحدي للمساواة والمواطنة
دعت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة إلى ضرورة إحداث تغييرات جوهرية في المنظومة القانونية المغربية لضمان حقوق النساء، موجهة دعوة خاصة إلى الحكومة المغربية للإسراع في أجرأة هيئة المناصفة ومكافحة التمييز، التي نص عليها دستور 2011، وتفعيل القوانين الخاصة بمحاربة العنف ضد النساء.
الجمعية اختارت هذه السنة شعار “نضال مستمر من أجل حقوق كاملة للنساء”، وذلك لتزامن هذه الذكرى مع عدد من الأوراش الحقوقية والتشريعية والقانونية الكبرى، وفي مقدمتها مدونة الأسرة المرتقبة، و”مشروع قانون المسطرة الجنائية المنتظر منها الاستجابة لضمانات المحاكمة العادلة لاسيما للنساء، مشروع القانون الجنائي الذي لم يفصح عن ملامحه ولازال حبيس رفوف الأمانة العامة للحكومة، ومشروع القانون التعديلي للقانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، وهو التزام حكومي مع وقف التنفيذ”، كما يقول البيان الصادر عن الجمعية.
ونبهت الجمعية إلى أن المراجعة المنتظرة لمدونة الأسرة يجب أن تستجيب للمتطلبات الوطنية والدولية وتراعي تطورات العلاقات الأسرية في المجتمع المغربي. وأكدت على أهمية نهج مقاربة تشاركية في تطوير هذه القوانين، بما يتيح للحركة النسائية المشاركة بشكل فعال في بلورة الإصلاحات المرتقبة.
وفيما يتعلق بمشروع القانون الجنائي، دعت الجمعية إلى ضرورة مراجعة المسودة المعروضة على البرلمان، مشيرة إلى أنها تشكل تهديدا للحقوق الأساسية للنساء، خاصة فيما يتعلق بحماية النساء من العنف.
وحيت الجمعية المرأة المغربية على صمودها الدائم في وجه ما وصفته بمحاولات التراجع عن المكتسبات التي حققتها لفائدتها الحركة النسائية في ظل جميع أشكال العنف والتمييز الممارس ضدهن، و الذي أخذ في السنوات الأخيرة مسارا تصاعديا، خاصة في ظل العنف الرقمي الممارس ضد النساء بالفضاءات والوسائط التواصلية الرقمية.
وبالنظر للتهديد الذي بات يشكله على النساء من مختلف الفئات العمرية والأوساط الاجتماعية، دعت الجمعية إلى التعجيل بإصدار مقتضيات قانونية تجرم العنف الرقمي الممارس ضد النساء والفتيات، كما تم تجديد الدعوة إلى تسريع تفعيل القانون المتعلق بعاملات وعمال المنازل، وإخراج مراسيمه التنظيمية.
فيدرالية رابطة حقوق النساء
فيدرالية رابطة حقوق النساء، التي اختارت شعار “ثورة تكنولوجية، ثورة مجتمعية، المساواة مفتاح التقدم”، أبرزت التحديات التي تواجه النساء في ظل التطورات التكنولوجية السريعة، مشيرة إلى ضرورة تبني رؤية شاملة تهدف إلى تفادي تعميق الفجوة الرقمية بين النساء والرجال. ودعت إلى تمكين النساء من الولوج إلى عالم التكنولوجيا والابتكار، الذي يشكل أحد أبرز مداخل التقدم الاجتماعي والاقتصادي، ويستدعي هذا الوضع، كما يقول بيان الفيدرالية، تبني رؤية شاملة تهدف إلى تفادي تعميق تلك الفوارق، رؤية تقوم على مقاربة الحقوق الإنسانية للنساء والنوع الاجتماعي، وتبني تشريعات وسياسات عمومية تسعى إلى تسريع وتيرة المساواة والمناصفة وتكافؤ الفرص، بالإضافة إلى برامج التمكين الرقمي والتكنولوجي والريادة والابتكار، إلى جانب التوعية الثقافية لتغيير الصور النمطية والعقليات، بما يتيح للنساء مواكبة والالتحاق بركب التطور التكنولوجي الهائل واستخدامه والاستفادة منه، وبالتالي المساهمة الفعالة في تحقيق تقدم المجتمع بنسائه ورجاله.
وعلى مستوى الإصلاحات التشريعية، أكدت الفيدرالية أن الإصلاحات المتعلقة بمدونة الأسرة والقانون الجنائي تشكل فرصة تاريخية لتحقيق المساواة القانونية والاجتماعية للنساء، داعية إلى تعزيز الإصلاحات بما يتماشى مع تطلعات النساء المغربيات والحركة النسائية الحقوقية، ووفقا للدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
كما أكدت على أهمية مراجعة المنظومة الانتخابية التشريعية مع مراعتها لمقاربة النوع الاجتماعي والمناصفة في كافة مراحل العملية الانتخابية، واتخاذ التدابير المحفزة والمنصفة لتمكين النساء من ولوج جميع الهيئات المنتخبة ومناصب القرار، ورفع كل العراقيل المسطرية والقانونية والثقافية والاجتماعية التي تحول دون ذلك وتجريم العنف السياسي باعتباره تمييزا وانتهاكا للحقوق الانسانية للنساء.
ولم يفت الفيدرالية الإشارة أيضا إلى ضرورة مراجعة مدونة الشغل وإلغاء كل مظاهر التمييز ضد النساء، بما يتلاءم مع الدستور ومع الاتفاقيات الدولية في مجال العمل اللائق.
وأبدت الفيدرالية أيضا دعمها الكامل لحق المرأة الفلسطينية في الحرية والعدالة، في ظل استمرار معاناتها جراء الصراع المستمر في الأراضي الفلسطينية.
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان اختارت تخليد الثامن من مارس تحت شعار: “جميعا لصون المكتسبات ومن أجل تشريعات تحمي النساء من التمييز وكل أشكال العنف وتضمن لهن المساواة دون تحفظات”.
وفي هذا السياق، شددت الجمعية، في بيانها بالمناسبة، على ضرورة رفع كافة أشكال التمييز والعنف ضد المرأة وضمان تحقيق المساواة الفعلية، مطالبة الدولة المغربية بضرورة رفع التحفظات عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ومواءمة التشريعات الوطنية مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
استعرض البيان الأوضاع الصعبة التي تعاني منها النساء في المغرب، حيث أشار إلى استمرار التمييز في العديد من المجالات، سواء في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أو في الحماية القانونية من العنف. وسلط البيان الضوء، بالخصوص، على ما أدت إليه الأزمة الاقتصادية الوطنية من تفاقم في أوضاع النساء، لا سيما في مجال التشغيل، مما زاد من معدلات الهشاشة والفقر والبطالة في صفوفهن، مع معاناتهن من تدني الأجور، وغياب الضمانات الاجتماعية، والتمييز في سوق العمل، فضلا عن استمرار العنف المنزلي وعدم فعالية القوانين في حمايتهن بشكل كاف.
وذكر البيان أن النساء يعانين من تجميد الأجور وغياب زيادات تتناسب مع التضخم وارتفاع الأسعار، مما جعل الكثير من الأسر التي تعيلها النساء تعاني من تدهور مستواها المعيشي، خاصة بالنسبة للنساء المعيلات العاملات في القطاعات غير المهيكلة.
وتعاني النساء العاملات، خصوصا في القطاعات الهشة مثل الزراعة، النسيج، الصناعة التقليدية، والخدمات، من أجور منخفضة وظروف عمل غير مستقرة بسبب العمل بدون عقود رسمية أو ضمان اجتماعي، مما يجعلهن أكثر عرضة للطرد التعسفي والاستغلال، ولعدم احترام قوانين الشغل فيما يتعلق بساعات العمل، التعويضات، والإجازات، مما يزيد من معاناتهن اليومية
ومازالت النساء، كما يقول البيان، يعانين من التمييز في التوظيف والترقية، حيث يواجهن صعوبات أكبر في الوصول إلى مناصب عليا أو وظائف تضمن لهن الاستقرار الاقتصادي، فضلا عن الفجوة الكبيرة التي لا تزال قائمة في الأجور بين الجنسين، حيث تحصل النساء على أجور أقل من الرجال مقابل نفس العمل، مما يفاقم كذلك الفجوة الاقتصادية والاجتماعية بين الجنسين.
وأشار البيان كذلك إلى ضعف الخدمات الاجتماعية وتأثيرها على النساء، حيث أدى تراجع الخدمات الصحية والتعليمية بسبب السياسات التقشفية إلى مضاعفة معاناة النساء، خاصة الأمهات العاملات اللواتي يجدن صعوبة في التوفيق بين العمل والأسرة.
في ضوء هذه التحديات، طالبت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية النساء في سوق الشغل، من خلال وضع سياسات اقتصادية تضمن حقوقهن في العمل وتوفير فرص متكافئة للجميع،وإلغاء كافة أشكال التمييز في سوق العمل وضمان تطبيق القوانين التي تحمي حقوق النساء العاملات، وكذا توفير تغطية اجتماعية فعالة للنساء العاملات في القطاعات الهشة، بما يشمل التقاعد والتأمين الصحي، مع إقرار زيادات عادلة في الأجور تتماشى مع ارتفاع تكاليف المعيشة لضمان حياة كريمة للنساء.
جمعية محاربة السيدا (ALCS)
في بيان بالمناسبة، أكدت جمعية محاربة السيدا على العلاقة المباشرة بين حقوق النساء والقضاء على فيروس نقص المناعة البشري (السيدا)، مشيرة إلى أن الفوارق الجندرية وأنواع العنف الزوجي والجنسي تعد عاملا أساسيا في زيادة خطر الإصابة بالفيروس، وجعل النساء أكثر عرضة له وتأثرا به، كما تفيد الإحصائيات، وتعيق قدرتهن على الوصول إلى الرعاية الصحية والخدمات الوقائية والعلاجية اللازمة. وهو ما يجعل من إصلاحات مدونة الأسرة، حسب جمعية محاربة السيدا، ضرورة أساسية للحد من هذه الانتهاكات.
إلى ذلك، أشارت الجمعية في بيانها إلى أن مشروع تعميم الحماية الاجتماعية الشاملة الذي تركز الدولة جهودها عليه في الفترة الحالية، وفق مبادئ التضامن ومساهمة القادرين اقتصاديا، يجب أن لا يستثني أيا كان. وفي هذا الصدد، أكدت أن المجموعات الأكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشري ومن بينهم النساء المحتاجات والراغبات في الاستفادة من الخدمات الصحية بشكل عام وبرامج الوقاية بشكل خاص، تواجه صعوبات هيكلية كبيرة في الوصول إلى هذه التغطية. خاصة أن الكثير منهن يعشن بلا مأوى وليس لديهن عنوان قار، مما يعقد تسجيلهن في السجل الوطني للسكان و/أو السجل الاجتماعي الموحد. بينما لا تستطيع أخريات التسجيل لأنهن لا تملكن وثائق الهوية. وترفض أغلبهن تجديدها خوفا من الملاحقة القضائية.
ومن هذا المنطلق، تعتبر الجمعية أنه “لن يكون من الممكن القضاء على السيدا كإشكالية للصحة العامة بحلول عام 2030 إلا إذا عملنا على معالجة العوامل الاجتماعية التي تعزز انتشار الأمراض المنقولة جنسيا، والتهابات الكبد الفيروسية وفيروس السيدا. وذلك يتطلب مراجعة القوانين التمييزية ووضع إطار قانوني يحمي النساء والفتيات، وضمان الوصول الشامل إلى خدمات الوقاية والفحص، وتكثيف حملات التوعية لمجابهة الوصم الاجتماعي وتعزيز المساواة بين الجنسين.
سميرة الشناوي