خبراء وباحثون يقاربون ثنائية الفقر والغنى بمدينة زاكورة

قال الباحث الجامعي بكلية العلوم والتقنيات الراشيدية، شكيب العالم، إن الواحات الصحراوية “تلعب دورا كبيرا في التنمية المحلية، للجماعات الترابية”، مستشهدا بمدينة زاكورة، التي قال إنها” معروفة بإنتاجها للتمور بمختلف أنواعها، والحناء، وكذا الزعفران الطبيعي، والورود”.
وحث شكيب العالم، في المنتدى الدولي الخامس للواحات والتنمية المحلية بزاكورة، أول أمس السبت، الساهرين على شؤون المنطقة، بالعمل على استثمار هذه المؤهلات التي تزخر بها مدينة زاكورة، استنادا إلى تطويرها واستغلالها بشكل جيد، عوض استنزاف ثرواتها، دون إحداث أنشطة بديلة في مجالات أخرى، يمكن أن تحل محلها.
ونبه العالم، في مداخلته المعنونة، بـ”المناطق الواحية: الإمكانات والتحديات”، إلى غياب الاعتناء بهذه الثروات الطبيعية “النخيل، والحناء، والورود، والزعفران”، وذلك بعد ملاحظته للطريقة التقليدية التي تشتغل بها الجمعيات، والأشخاص الذاتيين، حيث يغيب منطق التسلسل في الإنتاج والتسويق، إلى جانب، التقوقع على الذات، وعدم الانفتاح على شركات خارجية متخصصة في الميدان يمكنها أن تشد بيدهم وتدعم مشاريعهم.
وأوضح المتحدث أن الجمعيات الصغيرة التي تنشط في الحقل التعاوني، يجب أن يخضع مديروها ومسيروها لدورات تكوينية، بهدف الدفع بالمشروع إلى الأمام، لا الرسو به في منطقة غير آمنة، تهدد الجمعية بالفشل، والرسوب في امتحان البقاء وإثبات الذات، من خلال سلعة جيدة وطبيعية.
ودعا شكيب العالم، الجهات المسؤولة وكل المتدخلين في المنطقة، إلى توفير جو ملائم للاشتغال، من خلال إعداد خطة محكمة، وتأطير الشباب، مع تزويد مراكزهم بالآليات اللوجيستيكية التي سيحتاجونها في أنشطتهم.

التراث اللامادي

من جهته، استعرض رئيس مصلحة الإنتاج الفلاحي بالمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي، بورزارات، عبد الله عبدلاوي، مخطط المكتب في مجال الواحات، مقدما بشكل مفصل أرقاما تقنية تهم المنطقة التي تقع في مساحة قدرها 2.180.307 هكتار.
وتهتمد معظم الأنشطة الاقتصادية بمدينة زاكورة، وفق عبدلاوي، الذي عنون كلمته في الندوة، بـ”تنمية واحات زاكورة في إطار برنامج المغرب الأخضر”، على المجال الفلاحي، مرضيفا أن “أشكالها تقوم على الخضروات الشتوية، والصيفية، والقطاني، إلى جانب تربية الأبقار، والإبل، والنحل، والماعز”.
وزاد في مداخلته أن منظمة اليونيسكو اعترفت بالواحات كتراث لا مادي، تزخر به المنطقة، مشددا على أنه “يجب الحفاظ عليها والاستثمار فيها بشكل جيد، لأنها الهوية الخاصة بالجهة الجنوبية للمملكة المغربية”.
وأوضح عبد اللاوي أن المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بورزازات، عمل في إطار المخطط الأخضر الوطني، على تدعيم القطاع الفلاحي للجهة، من خلال زرع أكثر من 700 ألف فسيلة نخيل بمدينة زاكورة.
ولم يخف رئيس مصلحة الإنتاج الفلاحي بالمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي وجود عدة مشاكل واختلالات في الواحات، من قبيل، “إهمالها من طرف أصحابها الذين يتخلون عنها مباشرة بعد استغلال ثمارها، حيث تتكاثر في جذورها الأحشاش، مما يسهل إصابتها بعدة أمراض، من بينها، مرض البيوض”.
فلكل هذه الأسباب وأخر، تبقى المنتوجات المحلية للمنطقة، وفق المتحدث ذاته، “لا ترقى إلى تصديرها نحو الأسواق الخارجية، التي تضع معايير صارمة في وجه المصدر لسلعة ما، لهذا انكب المركز على إنجاز دليل، تم توزيعه على الجمعيات والتعاونيات، من أجل مساعدتها على فهم المحيط الذي تشتغل فيه، والبحث معها على ضمانات بنكية، بهدف تطوير إمكانياتها”.

دعم للمشاريع

وعرفت الندوة تدخل الحو الذهبي، رئيس قسم الدراسات اليقظة والإحصاء بالوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، الذي عرّف بأنشطة المؤسسة التي ينتمي إليها، والأدوار المنوطة بها على مستوى التنسيق، والتمويل، والتتبع، مشيرا، إلى أن “الوكالة تضع على رأس أولوياتها تثمين وتأهيل الرأس المال اللامادي، المتمثل في العامل البشري، والواحات الطبيعية التي تُعرف بها مدينة زاكورة”.
وقال في عرضه، حول “استراتيجية الوكالة في التنمية الترابية الواحية”، إن “الوكالة تستحضر في كل مشاريعها الجانب البيئي، الذي يجب الانتباه له أثناء التفكير في كل خطوة”، منبها، إلى التدهور الطبيعي في الأقاليم الجنوبية، التي تعاني من ظاهرة التصحر، وثنائية الجفاف والفيضانات.
وأضاف الذهبي، في حديثه عن الوكالة، أن هذه الأخيرة، “تعمل على الاستثمار في مجال التربية والتعليم، وكذا الصحة، وتمويل مشاريع ربط الساكنة بالطرق، والكهرباء، والماء الصالح للشرب، وتعبئة الموارد المالية للمشاريع، وكذا خلق شراكات دولية، وإنجاز دراسات وأبحاث علمية في هذا الحقل من أجل تقديم الاستشارة”.
وشدد الذهبي على أن الهدف من إحداث هذه الوكالة، “هو مساعدة الأسر المعوزة، والفقيرة، التي تعاني من الهشاشة وضعف ذات اليد”، وهذا لن يتم، يضيف المتحدث، إلا من خلال “إحداث مقاولات وجمعيات صغرى يمكن أن تنخرط فيها ساكنة المنطقة، وتؤمن عن طريقها قوتها اليومي”.
وختم رئيس قسم الدراسات اليقظة والإحصاء، بالوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، مداخلته، بدعوة الفلاحين الصغار والكبار، إلى “تقدير الطبيعية التي تقسو وتتمرد عليها”
.
المعمار الطيني

وكان للجانب المعماري، خصوصا الطيني منه، حضورا في الندوة، وذلك من خلال ورقة مدير مركز صيانة وتوظيف التراث المعماري، محمد بوصالح، الذي تحدث بلهجة شديدة ومتحسرة عن الواقع الذي آلت إليه تراث المنطقة، حيث أصبحت القصور، والزوايا، والمخازن الجماعية، مهجورة، ومقفرة، بعد التخلي عنها من طرف الساكنة التي قطنتها واستغلتها في وقت من الأوقات.
وأشار بوصالح، في مداخلته التي تناولت موضوع “المعمار الطيني واقتصاد التراث”، إلى أن “المغرب من بين أكبر الدول في العالم المتوفرة على المخازن العمومية، التي كان يوظفها سكان القصور في حفظ منتجاتهم، ومحاصيلهم الزراعية”.
وتأسف مدير مركز صيانة وتوظيف التراث المعماري، على الحالة التي أصبحت عليها المعالم التاريخية للمنطقة، بسبب “الإهمال واللامبالاة، وعدم تقدير تراث هذه الحاضرة التي كانت بوابة الربط بين المدن المغربية وعواصم إفريقية مختلفة”.
وأردف المتدخل ذاته، في كلمته، بأن “الإنسان أصبح في صراع محموم مع تراثه، حيث تنكرت الأجيال الأخيرة لتاريخها وماضيها الذي قامت على أنقاضه، والشاهد على ذلك، هو اندثار عدة مآثر تاريخية، باستثناء بعض القصور المسجلة لذى منظمة اليونيكسو، والمعترف بها قانونيا من طرف وزارة الثقافة، كقصر آيت بنحدو”.
وأبرز محمد بوصالح، أن هذه المآثر يمكن استغلالها في الجانب الاقتصادي، استنادا إلى الاستثمار فيها من جديد، وذلك، من أجل خلق حركية ودينامية اقتصادية بالمدينة، لطرد شبح هذا الركود المخيف الذي لا ينتج إلا البطالة في صفوف شباب سكان الجهة.

الكنز العظيم

من جانبه، اعتبر المهندس المعماري، الحو المربوح، الواحات بالكنز العظيم الذي تتوفر عليه مدينة زاكورة، مشددا على ضرورة الحفاظ عليها، “على اعتبارها ذاكرة ثقافية وتاريخية قحة للسكان الأوائل الذين مروا من هذه الجهة”.
الواحة عند المربوح، ترمز إلى، “الجدية، والعمل، والالتزام، والمعقول..”، مضيفا أنها “مهد الدولة العلوية، لذا يجب على واضعي السياسات العمومية أن ينتبهوا لهذا الأمر، ويعطوه الأولوية والاهتمام، لأن هذه الواحات أصبحت في وضعية مزرية وخطيرة يمكن أن تتعرض للاندثار إذا ما لم يتم الاعتناء بها من جديد”.
وتطرق المهندس، في كلمته أيضا، إلى القطاع المنجمي، الذي تزخر به المنطقة، معتبرا إباه رافعة للتنمية المجالية بزاكورة، وداعيا إلى “تقنينه، ومواكبة الشركات التي تشتغل في بعض المناجم، بعد الترخيص لها”.
وسجل المربوح اعتماد الشركات التي تنقب على هذه الموارد المعدنية على “طرق تقليدية”، مما يزيد من الوضعية تأزما على اعتبار أن الموارد المستخرجة لا يتم تأهيلها بالمنطقة، بل تحمل إلى دول أخرى من أجل تطويرها، وجعلها صالحة للاستعمال والاستخدام والتداول.

يوسف الخيدر

Related posts

Top